غزة تلاحق زعيم "العمال" البريطاني... استقالات وإقالات قبل الانتخابات

غزة تلاحق زعيم "العمال" البريطاني... استقالات وإقالات قبل الانتخابات

05 نوفمبر 2023
إبعاد المتظاهرين عن ستارمر بلندن، 31 أكتوبر (دانيال ليل/فرانس برس)
+ الخط -

تتواصل حملة الانتقادات داخل حزب العمال البريطاني على خلفية الحرب الإسرائيلية على غزة بسبب موقف زعيمه كير ستارمر المؤيد لإسرائيل، إذ توالت الاستقالات والتهديد بالاستقالة منذ أكثر من أسبوعين، في ظل ارتفاع نسب المسلمين البريطانيين المؤيدين لحزب العمال سابقاً، الذين يعلنون عن عدم دعم الحزب في الانتخابات العامة المقررة في يناير/كانون الثاني 2025.

ولاحقت الاحتجاجات ستارمر بشكل شخصي من خلال تنظيم تظاهرة ضده الثلاثاء الماضي في لندن، بعد إلقائه خطاباً رفض فيه دعوات وقف إطلاق النار في غزة.

وقام العشرات من نشطاء في الحزب ونشطاء يهود وفلسطينيون بالتظاهر أمام مبنى مركز أبحاث الشؤون الخارجية في "تشاتام هاوس"، منتظرين لحظة خروجه من المبنى، وهتفوا لوقف إطلاق النار ووقف تفجير غزة وضده قائلين: "عار عليك... لا يمكنك الاختباء". وظهر ستارمر وهو يخرج مسرعاً نحو السيارة الخاصة محاطاً بالشرطة.

وبخلاف موقف زعيم العمال الذي برر قطع الماء والكهرباء عن غزة في مقابلة تلفزيونية سابقة له، يُطالب المئات من أعضاء الحزب، برز منهم نواب في مجلس العموم وعمدة بلدية لندن صادق خان، بالدعوة لوقف إطلاق النار وإدانة ممارسات إسرائيل بحق المدنيين في غزة.

وشارك هؤلاء في التظاهرة الضخمة في لندن في 28 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بمشاركة نحو نصف مليون شخص. وفي أعقاب التظاهرة، فصل حزب العمال نائبه آندي مكدونالد بسبب خطابه في التظاهرة المنددة بالحرب.


دفعت تصريحات ستارمر العشرات من أعضاء الحزب لتقديم استقالتهم

وصرح عمدة لندن صادق خان في مقطع فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي: "لقد انضممت إلى المجتمع الدولي في الدعوة إلى وقف إطلاق النار من أجل وقف القتل والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجون إليها في غزة".

وأضاف: "كما أن وقف القصف يمنح المجتمع الدولي مزيداً من الوقت لمنع صراع طويل الأمد في المنطقة ومزيد من الخسائر المدمرة في الأرواح، لكن التصعيد العسكري واسع النطاق لن يؤدي إلا إلى تعميق الكارثة الإنسانية، وسيزيد من معاناة الناس من الجوانب كافة". وأكد أنه "لا يحق لأي دولة، ويشمل ذلك إسرائيل، انتهاك القانون الدولي".

ودفعت تصريحات ستارمر العشرات من أعضاء الحزب لتقديم استقالتهم احتجاجاً على موقف الحزب المنحاز لإسرائيل. وكان من أبرز المستقيلين من عضوية الحزب، الأكاديمي البريطاني من أصل فلسطيني كامل حواش، أستاذ الهندسة المدنية في جامعة برمنغهام، الذي وجّه رسالة إلى ستارمر خلال تظاهرة التضامن مع غزة قبل أسبوعين، يدعوه فيها إلى إعادة النظر في موقفه من القضية الفلسطينية.

وأشار حواش إلى أن حزب العمال تحت قيادة ستارمر يتبنى موقفاً خاطئاً مما يجري في فلسطين، مخاطباً إياه بالقول: "إنك تمعن في تقديم الدعم الأعمى للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين، ولا سيما في قطاع غاز الذي تمطره إسرائيل بالقنابل".

وأكد حواش أن حزب العمال لا يدخر جهداً في طرد أعضائه الذين لا يظهرون نفس موقف ستارمر مما يجري في فلسطين، ولا سيما "الأعضاء اليهود الذين يدعمون القضية الفلسطينية".

بموازاة ذلك، وقّع 330 عضواً بلدياً في حزب العمال منذ أيام على رسالة تحث ستارمر على تبني موقف وقف إطلاق النار الفوري في غزة.

كما دعا ما لا يقل عن 250 من أعضاء المجالس البلدية المسلمة قيادة الحزب إلى الدعوة إلى وقف إطلاق النار. واستقال من الحزب كل من أسيمة شيخ ممثلة مجلس فنزبري بارك في لندن، وكذلك ميريد هايلي ممثلة مجلس كامبريدج، وعثمان بهايميا ممثل مجلس غلوسيستر، وآمنة عبد اللطيف من مجلس مدينة مانشستر، إضافة إلى 4 آخرين، وجميعهم من مجالس محلية مهمة.

استطلاعات رأي غير مبشّرة

أظهرت استطلاعات للرأي الجديدة انخفاضا كبيراً في دعم حزب العمال البريطاني من الجالية المسلمة في بريطانيا، بسبب تصاعد الغضب من موقف الحزب المؤيد للعدوان الإسرائيلي على غزة.

وبحسب استطلاع الرأي، الذي شمل نحو 30 ألف مسلم بريطاني، فإن دعم الحزب انخفض بنسبة 66 في المائة مقارنة بعام 2019. ففي عام 2019، كان 71 في المائة من المسلمين يقولون إنهم سيدعمون حزب العمال، أما الآن فخمسة في المائة منهم فقط يقولون إنهم سيدعمونه. وأشارت نسبة كبيرة، وهي 40 في المائة، إلى أنها لن تشارك في الانتخابات المقبلة.

وأفاد مركز "تعداد المسلمين" في بيان، ظهرت نتائجه الأسبوع الماضي، بأن الاستطلاع الجديد، الذي أظهر أيضاً أن نسبة تأييد حزب المحافظين بلغت 0.5 في المائة فقط، يُظهر قلقاً واسع النطاق بين أوساط المسلمين البريطانيين بشأن عدم التوافق السياسي مع الإبادة الجماعية في غزة.

وأوضح البيان أن هناك "رسالة ثابتة ومقلقة يشارك فيها قادتنا السياسيون، وهي أن دولة الاحتلال تحظى بحق الدفاع عن نفسها من دون حسيب أو رقيب، على الرغم من انتهاكها القوانين الدولية".

ومن المشاركين في استطلاع الرأي 575 نائباً من مختلف مدن بريطانيا. وبحسب ما ورد في الاستطلاع، فإن 23 عضواً في حزب العمال استقالوا من المجالس المحلية.

وأعرب 98 في المائة من المشاركين في الاستطلاع عن استيائهم من قيادات حزبي العمال والمحافظين بسبب مواقفهم مما يجري في فلسطين. ورأى 96 في المائة من المشاركين في الاستطلاع أن الأحداث الأخيرة في فلسطين ستؤثر في نتائج الانتخابات المقبلة.

وبحسب الاستطلاع أيضاً، فإن عدد أصوات المسلمين الداعمين لحزب العمال في الانتخابات المقبلة سينخفض بنسبة 66 في المائة. وعند حساب عدد هذه الأصوات وفقاً للإحصاءات الصادرة عن مكتب الإحصاء في بريطانيا عام 2021، فإن حزب العمال قد يخسر 1.5 مليون صوت.

وانخفض عدد المسلمين الذين سيصوّتون لمصلحة حزب المحافظين في الانتخابات المقبلة بنسبة 8 في المائة. يشار إلى أن المسلمين في بريطانيا لهم تأثير كبير في حسم العديد من المقاعد البرلمانية خلال الانتخابات المقبلة، وقد صوّت المسلمون في الانتخابات العامة الماضية بنسبة 71 في المائة لحزب العمال.

وعلَّق أزهر قيّوم، مدير مركز "تعداد المسلمين"، على نتائج استطلاع الرأي بالقول: "إن نتائج الاستطلاع تُشكِّل نداءً مزلزلاً لقيادة حزب العمال، التي لن يكون باستطاعتها الاستفادة من مواقف المسلمين وأصواتهم الداعمة لحزب العمال، وإذا أراد الحزب الاحتفاظ بدعم المسلمين فيجب أن يعيد النظر في مواقفه من الإبادة الجماعية في غزة، وأن يتخذ مواقف تتماشى مع القانون الدولي".

وتابع إن "إجابة نحو 30 ألف ناخب مسلم عن الأسئلة الواردة في استطلاع الرأي خلال أسبوع واحد فقط يوضح أهمية هذا الموضوع بالنسبة إلى مسلمي بريطانيا، ونحن نشهد اليوم تحولاً كبيراً في مواقف المسلمين البريطانيين من الأحزاب السياسية الكبرى، وقد رمى المسلمون الكرة في ملعب القادة السياسيين، الذين نتوقع أن يستجيبوا لمطالب المجتمع المسلم".

يُذكر أن ستارمر زار قبل أسبوعين مسجداً وقيادات مسلمة محليّة في محاولة لاحتواء الغضب الداخلي في حزبه وبين شريحة المسلمين، كما عُقِد اجتماع بينه وبين نواب مسلمين من حزبه.

استقالات في "العمال" الاسكتلندي

في تصريحات شديدة اللهجة أدلى بها زعيم حزب العمال الاسكتلندي أنس سروار، اتهم إسرائيل بارتكاب "خرق واضح" للقانون الدولي في قطاع غزة.

وفي حديث سروار لـ"بي بي سي"، أكد أنه لا مبرر لمنع دخول الإمدادات الأساسية إلى قطاع غزة، مثل المياه والكهرباء والأدوية والغذاء، لأن قطعها يعتبر خرقاً للقانون الدولي، ودعا إلى فتح ممرات إنسانية عاجلة في غزة. مع ذلك، أشار سروار إلى حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها ضمن القوانين الدولية ودان هجمات حركة حماس.



في عام 2019، دعم 71% من المسلمين حزب العمال، أما الآن فيدعمه 5% منهم

وتأتي تصريحات سروار بعد موجة استقالات أعضاء حزب العمال والمسؤولين المنتخبين في جميع أنحاء بريطانيا، ويشمل ذلك 15 مسؤولاً في اسكتلندا. وفي السياق ذاته، استقال تسعة ضباط في غلاسكو، بينهم زميل في حزب العمال، وستة آخرون في إدنبرة.

واتهم ضباط غلاسكو حزب العمال الاسكتلندي بـ"تقويض الديمقراطية"، بسبب استبعاد مقترح يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. كما استقال 9 أعضاء آخرين، منهم أمين السر ومسؤول سياسات الحزب ومسؤول الاتصالات.

وورد في بيان الاستقالة ما يلي: "لقد أبلغنا الأمين العام لحزب العمال في غلاسكو بأن أي اقتراحات تتعلق بالوضع في غزة ليست بيد الحزب". وأضافوا: "لقد طُلِب منا إنهاء النقاش بشأن الوضع في غزة، لكننا نرفض محاولات قيادة الحزب لتقويض الديمقراطية".

واستقال أيضا ستة من أعضاء حزب العمال من اللجنة التنفيذية للحزب في إدنبره وليث. هذا وكان حزب العمال الاسكتلندي قد أصدر بياناً قال فيه: "إن جميع الأرواح مهمة بالدرجة نفسها، ويجب عدم فرض عقاب جماعي على الشعب الفلسطيني".

وعلى خلفية تصريحات ستارمر السابقة بشأن الاحتلال الإسرائيلي، استقال اثنان من أعضاء الحزب في أكسفورد، اعتراضاً على تأييده قطع إمدادات المياه والكهرباء عن غزة.

وقد أوضح ستارمر لاحقاً أنه كان يتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وأنه يجب أن تتوافق إجراءات إسرائيل مع القانون الدولي. وبهذا الشأن، أبدى رئيس الوزراء الاسكتلندي حمزة يوسف دعمه للأسر العالقة في غزة، ودعا إلى وقف إطلاق النار وزيادة المساعدات، ووضع خطة عالمية لتوطين اللاجئين الذين يسعون للهروب من الوضع الصعب في غزة.

وانتقد يوسف رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك وستارمر لإخفاقهما في الدعوة إلى وقف إطلاق النار في غزة. وفي مقابلة مع قناة "إل بي سي" البريطانية، أعرب حمزة عن استيائه من موقف رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال، اللذَين لم يدعيا إلى إنهاء القتال للسماح بخروج المدنيين وإدخال المساعدات إلى المنطقة.

وقال حمزة: "نرى آلاف الناس يموتون، ولا سيما الأطفال، ونحن نسأل: كم عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا قبل الدعوة إلى وقف إطلاق النار؟". وأكد حمزة أنه يدعو إلى وقف إطلاق النار، وأنه لا يستطيع فهم مواقف رئيس الوزراء وزعيم حزب العمال. وكرر نداءه على منصة "إكس" (تويتر سابقاً) فقال: "كم عدد الأطفال الذين يجب أن يموتوا؟".

المساهمون