عودة الدبلوماسية الجزائرية للمشهد الإقليمي: استفاقة أم استعراض؟

عودة الدبلوماسية الجزائرية إلى المشهد الإقليمي: استفاقة أم استعراض سياسي؟

03 سبتمبر 2021
تعتمد الجزائر على لعمامرة لتمتين حضورها الإقليمي والعربي (Getty)
+ الخط -

خلال فترة قصيرة أظهرت الدبلوماسية الجزائرية عودة لافتة إلى مسرح الأحداث الإقليمية، وأسهم نجاح مؤتمر دول الجوار الليبي الذي عُقد في الجزائر يوم الإثنين الماضي، في تأكيد وجود حيوية جديدة في الجهاز الدبلوماسي للجزائر. لكن ذلك لا يبدو كافياً بالنسبة للجزائر لتأدية أدوار متقدمة في الأزمات التي يشهدها الإقليم، خصوصاً في ظل مشاكل سياسية واقتصادية داخلية.

منذ تعيينه في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، لم تتوقف طائرة وزير الخارجية رمطان لعمامرة عن التحليق، متجولاً في عدد من الدول العربية والأفريقية، لبحث مشاكل وقضايا إقليمية، في سياق من الأزمات المتداخلة، تبدي الجزائر اهتمامهاً بها لعدة اعتبارات سياسية واقتصادية. ففي غضون ثلاثة أسابيع تلت إعلان الرئيس التونسي قيس سعيّد تجميد عمل الحكومة والبرلمان وتفرّده بالحكم، زار لعمامرة تونس ثلاث مرات متتالية، في محاولة لفهم هذه التطورات وأفقها السياسي، خصوصاً أن الجارة الشرقية تُعدّ عمقاً حيوياً بالنسبة للجزائر. كما زار لعمامرة مالي، للإشراف على متابعة حثيثة لاستكمال تنفيذ تدابير اتفاق السلام الموقع في الجزائر بين الحكومة المركزية في مالي والحركات المسلحة للطوارق في شمال مالي عام 2015، مبدياً حرصاً على مآلات المرحلة الانتقالية في مالي، بعد انقلابين عسكريين.

كما توجّه لعمامرة أيضاً إلى النيجر التي تحركت بها الرمال أيضاً بعد فشل الانقلاب العسكري في مارس/آذار الماضي. وكانت التقديرات السياسية قد قادت الجزائر إلى قطع علاقتها مع المغرب في 24 أغسطس/آب الماضي، ما يعطي مؤشراً على نوع من الصرامة السياسية تبديها الدبلوماسية الجزائرية في الفترة الأخيرة، وإجراء تغيير لافت في قواعد إقامة وتسيير العلاقات مع الدول. بالتالي، إن السلطة السياسية في الجزائر، تضع على عاتق لعمامرة الذي كان مرشحاً ليكون مبعوثاً أممياً إلى ليبيا قبل تعيين يان كوبيتش، ملف الأزمة الليبية، وتسعى لدور مركزي، ليس فقط في حل الأزمة، ولكن في ضمان نجاح المسارات السياسية الإقليمية لحل الأزمة الأكثر أهمية بالنسبة للجزائر. ويسمح هذا الأمر بإعفاء الجزائر من متاعب أمنية في الجنوب على الحدود مع ليبيا، وضمانها مصالح اقتصادية حيوية مهمة عبر تفعيل المعابر البرية لمرور السلع والبضائع الجزائرية إلى الأسواق الليبية. وهو ما يفسره تحديداً حرص الجزائر على استضافة وتوفير كامل عوامل نجاح مؤتمر الجزائر لدول جوار ليبيا يوم الإثنين الماضي. بيد أن الدبلوماسية الجزائرية تضع أهدافاً أخرى خارج الإقليم، بحثاً عن منجز دبلوماسي قد يكون مفتاحاً مهماً بالنسبة للبلاد وللرئيس عبد المجيد تبون، يمهّد لاحتضان الجزائر للقمة الأفريقية العام المقبل، وهو الوساطة في أزمة سد النهضة.


زار لعمامرة تونس ومالي المتوترتين أخيراً لتكريس دور بلاده

وقاد وزير الخارجية الجزائري جولة شملت أديس أبابا والقاهرة والخرطوم، وأثنى رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك على الوساطة الجزائرية، وقال يوم الثلاثاء الماضي لقناة "الشرق": "نحن استمعنا للمبادرة الجزائرية، ونقدّر بشكل عال جداً جهود القيادة في الجزائر، خصوصاً ملف سد النهضة بين كل من مصر والسودان وإثيوبيا. ونقدّر بشكل عال جداً جهود القيادة في الجزائر، ونحن قلنا لهم إن أي مبادرة لمعالجة الملف الحيوي والهام بالنسبة لنا محل قبول ورضا".

وتندرج في السياق نفسه، قيادة الجزائر لحملة إقليمية لطرد الاحتلال الإسرائيلي من عضوية الاتحاد الأفريقي، بصفة مراقب، التي كان قد حاز عليها بقرار إداري منفرد أصدره مفوض الاتحاد موسى الفقي. ويربط بعض المراقبين السياسيين، العودة اللافتة للدبلوماسية الجزائرية في المنطقة بعد غياب دام سبع سنوات بفعل ظروف مرض الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، منذ مارس/آذار 2013، أملتها التحولات السياسية، باستفاقة قد تكون متأخرة نوعاً ما بعد استشعار الجزائر لوجود مخاطر فعلية تحيط بإقليمها المجاور.

ووضع الخبير في العلاقات الدولية يحيى بوزيدي هذه العودة اللافتة، كجزء من مخرجات إعادة ترتيب السلطة السياسية في الجزائر للبيت الداخلي، وانتقال السلطة بعد الحراك الشعبي وانتخاب تبون في ديسمبر/كانون الأول 2019، وقال في حديثٍ لـ"العربي الجديد" إنه "من المتعارف عليه في أدبيات العلاقات الدولية أن السياسة الخارجية مرتبطة بشكل جوهري بالرجل الأول في الدولة ومؤسساتها التنفيذية عموماً. لذلك فإن غياب رئيس الجمهورية في السنوات السابقة عن المشهد السياسي انعكس بشكل واضح على الدبلوماسية الجزائرية. وبعد عودة مؤسسة الرئاسة استرجعت معها السياسة الخارجية الجزائرية بعضاً من حضورها في الملفات الإقليمية". وأضاف إن "الاستمرار في هذا المنحى يقتضي إصلاحات شاملة ومراجعة كل الاختلالات، بما في ذلك المتصلة بالجبهة الداخلية التي تُبقي الأدوار الخارجية مرتبطة بها". كما يوجد إجماع بأن تعقّد الأوضاع في المنطقة والساحل، عشية استضافة الجزائر أبرز مؤتمرات القمم الإقليمية العام المقبل، مثل مؤتمر القمة الأفريقية ومؤتمر القمة العربية، واللتين يحتاج تحضيرهما إلى جهد وثقل سياسي، فرض على تبون استدعاء لعمامرة للعودة إلى منصبه (كان شغل المنصب بين 2013 و2017).

تعوّل الجزائر على نجاح مساعيها في معالجة ملف سد النهضة

وتأتي الاستعانة بلعمامرة في إدارة الجهاز الدبلوماسي، بحكم الثقل والسمعة الدبلوماسية التي يحظى بها الرجل، والخبرة التي راكمها على مدى فترات من عمله الدبلوماسي في الخارجية الجزائرية أو الهيئات الأممية والأفريقية، إضافة إلى تحكمه في مختلف الملفات السياسية ومنظومة العلاقات الإقليمية والدولية، وحسن إدارته للملفات الإقليمية. غير أن هذه التحركات الدبلوماسية لا تعني بالضرورة فاعلية دبلوماسية بالنسبة للجزائر، إذ يسود الاعتقاد لدى بعض المراقبين، أن ما تقوم به الجزائر على الصعيد الدبلوماسي، قد يكون جزءاً من استعراض سياسي، لكونها ما زالت غير مؤهلة بالشكل اللازم لأداء أدوار متقدمة في المشهد الاقليمي والدولي، بسبب عوائق ترتبط بعاملين أساسيين. العائق الأول هو ترهّل الجهاز الدبلوماسي العامل في السفارات الجزائرية في الخارج، والذي يحتاج إلى إصلاحات عميقة وجوهرية تمس أدوات عمل الجهاز واختيارات الموظفين الدبلوماسيين. أما العائق الثاني فمرتبط بوجود عوائق كبيرة تتعلق بمشكلات الضعف الداخلي السياسي والاقتصادي والأزمة المالية الخانقة، التي تعيشها الجزائر بسبب ارتباط اقتصادها بالنفط.

ورأى النائب في البرلمان الجزائري عبد السلام باشاغا، أن كل المعطيات الداخلية والوضع الاقتصادي له علاقة مباشرة بالتأثير الدبلوماسي. ورأى في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "الجزائر حالياً تستغلّ رصيدها التاريخي وثقلها الجغرافي في تكوين النشاط الدبلوماسي كما يؤثر أيضاً الوضع الاقتصادي، بما يسمح في إعادة ترتيب العلاقات الدولية والتحالفات، ويفتح مجالات الاستثمار الخارجي وفق هذه التحالفات الدبلوماسية والخارجية". وأضاف أن "هذه العوامل أعادت تفعيل دور الدبلوماسية الجزائرية، من دون أن ننسى أيضاً عامل وزير الخارجية نفسه. لكن كل هذا يبقى مدى تأثيره محدوداً فيما التنافس الدولي المحموم بالمنطقة مشتعل في كل اتجاه، ولذلك لن نستطيع مجابهة التطورات الإقليمية إلا بجبهة داخلية متراصة ووضع اقتصادي جيد على الأقل، لنبقى في حالة تأهب للإقلاع، ناهيك عن تشجيع استثمار وحسن اختيار المحاور الدولية".