عصام خليفة لـ"العربي الجديد": خط 23 بدل 29 وحقل قانا خسارة للبنان

عصام خليفة لـ"العربي الجديد": خط 23 بدل 29 وحقل قانا خسارة للبنان

15 يونيو 2022
الوسيط الأميركي بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي آموس هوكشتاين (العربي الجديد)
+ الخط -

لم يفصح الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية جنوباً بين لبنان والاحتلال الإسرائيلي آموس هوكشتاين، عن فحوى المقترح اللبناني الجديد الذي تلقاه من المسؤولين اللبنانيين خلال جولته يومَيْ الإثنين والثلاثاء، والذين يتكتّمون بدورهم على تفاصيله، لكن يمكن الاستخلاص من حديث الوسيط "الإيجابي" عن أجواء الزيارة، أنه تم إقفال صفحة الخط 29 الذي من شأنه أن يمنح لبنان مساحات واسعة تغرقه بثروة نفطية بمئات مليارات الدولارات، وفق تأكيد خبراء مُختصّين لبنانيين، مع الإشارة إلى أنّ هذا الخط مرفوض من الجانب الإسرائيلي، ومن خلفه الأميركي.

وعزا الوسيط الأميركي عدم الكشف عن الأفكار التي تلقاها من الجانب اللبناني، إلى كوننا "في مرحلة حساسة، نحاول فيها أن نردم الهوّة بين الجانبين كي نتمكّن من التوصل إلى اتفاق بينهما"، مشيراً إلى أنّ "رد لبنان يدفع بالمفاوضات إلى الأمام، وسأتشارك هذه الأفكار مع إسرائيل، وما إن أحصل على ردٍّ واقتراحٍ من الجانب الإسرائيلي سأبلغهما إلى الحكومة في لبنان".

وقال هوكشتاين، في مقابلة عبر قناة "الحرّة"، مساء الثلاثاء عقب جولته على المسؤولين اللبنانيين: "أعتقد أنّ ما جرى كان محاولة جدية تقضي بالنظر إلى الخيارات المتاحة للمضي قدماً، من غير أن نغفل عن بالنا فكرة أن نقدم تنازلات والتفكير بشكل بناء".

وفي معرض ردّه على اقتراح الجيش اللبناني الذي يقوم على الخط 29، وأنه يعدّ ملفاً متيناً في ما يخصّه، قال هوكشتاين: "أمتن الملفات الذي يفترض بالجانب اللبناني إعداده هو ما قد ينجح، والحلّ الناجح يقضي بالإقلاع عن التفكير هل أملك أفضل قضية قانونية؟ هل أنا في أفضل موقع لي؟".

ولم يتحدث المسؤولون اللبنانيون الذين التقاهم الوسيط الأميركي عن مضمون وتفاصيل المقترح اللبناني، في حين اكتفى بيان الرئاسة اللبنانية بالتأكيد أنّ الرئيس ميشال عون شدد خلال لقائه هوكشتاين على "حقوق لبنان السيادية في المياه والثروات الطبيعية"، وقدّم له ردّاً على المقترح الأميركي الذي سبق أن قدّمه قبل أشهرٍ، على أن ينقل الأخير الموقف اللبناني إلى الجانب الإسرائيلي في الأيام القليلة المقبلة. كما تمنى عون على الوسيط الأميركي العودة سريعاً إلى لبنان، ومعه الجواب من الجانب الإسرائيلي.

في المقابل، سربت أجواء عن قصر بعبدا الجمهوري أنّ الرئيس عون قدّم اقتراحاً جديداً للوسيط الأميركي لكنه شفهي غير مكتوب، أكد خلاله التمسّك بالخط 23، مقابل الحصول على حقل قانا النفطي بالكامل، كما طلب وقف الأعمال الإسرائيلية في حقل كاريش النفطي.

وتأتي هذه التطورات كلها، وزيارة الوسيط الأميركي للبنان، بناءً على دعوة رسمية غداة إعلان شركة "إينرجيان باور" اليونانية البريطانية وصول سفينة وحدة إنتاج وتخزين الغاز الطبيعي إلى حقل كاريش النفطي في بحر فلسطين المحتلة، الذي يقع ضمن منطقة متنازع عليها بين الطرفَيْن.

الخط 23 لا يحقق مصالح لبنان

ويقول المؤرخ والباحث في قضايا ترسيم الحدود عصام خليفة، لـ"العربي الجديد"، إنّ الخط 23 أوجدته إسرائيل، وهو لا ينطلق من الحدود الدولية أي رأس الناقورة، وهو غير قانوني وغير علمي، ولا يحقق مصالح لبنان، وهناك مساحات واسعة تخسرها البلاد في حال اعتماده.

ويلفت إلى أنه إثر دراسة قام بها المكتب الهيدروغرافي البريطاني لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان عام 2011، تم التأكيد أنّ الخط 23 فيه عيوب، وأوصت باتباع طريقة ترسيم تعطي لبنان مساحة إضافية جنوب الخط 23، وهكذا كان ترسيم الخط 29، لكن هذه الدراسة وغيرها من الدراسات التي تؤكد أهمية الخط 29 لم تعرض على مجلس الوزراء عام 2011، رغم تكليف الدولة للمكتب الهيدروغرافي بهذه المهمة، ودفع المال اللازم لذلك. مع العلم أن الإقرار بالخط 23 الذي ينطلق من 30 متراً شمالي رأس الناقورة يحتم تغييراً أيضاً بالحدود البرية، وهي المثبتة والمرسمة في اتفاقيات عصبة الأمم، وبين لبنان وإسرائيل بعد الهدنة، و"هذا أمرٌ خطير جداً".

ويذكّر خليفة بأنّ الرئيس ميشال عون نفسه كان أكد في رسالة وجهها إلى الوفد اللبناني المفاوض، أنّ خط التفاوض ينطلق من رأس الناقورة ولا يعطي تأثيراً لصخرة تخليت، في حين أنّ الخطوط 1 و23 وهوف، لا تنطلق من رأس الناقورة إنما من شمالها، وتعطي تأثيراً كاملاً لصخرة تخليت بما يناقض المادة 121 من قانون البحار، وهو كان السبب وراء توقف الجانب الإسرائيلي عن التفاوض.

وتُعدّ تخليت صخرة قرب رأس الناقورة بطول 40 متراً وعرض 7 أمتار، ويستغلها الإسرائيلي للقول إنها جزيرة، بهدف دفع الخط شمالاً، في حين أنّ قانون البحار، وتحديداً المادة 121 منه المتعلقة بنظام الجزر، تنصّ على أنه "ليست للصخور التي لا تهيئ استمرار السكنى البشرية أو استمرار حياة اقتصادية خاصة بها منطقة اقتصادية خالصة أو جرف قاري"، وبالتالي فإنه يجب أن تكون مأهولة وقابلة للسكن، وتخليت لا تتوافر فيها هذه الشروط.

ويشير خليفة إلى أنّ الخط 29 هو الخط القانوني الذي يعطي لبنان مساحة 1430 كيلومتراً مربعاً إضافياً عن الخط 23، ويعطي لبنان كميات أكبر من الغاز والنفط والمياه الجوفية الحلوة والثروة السمكية، وبالتالي ثروة بمئات مليارات الدولارات، وجزءاً من حقل كاريش، عدا عن حقل قانا.

يستغرب خليفة طريقة التعاطي مع الملف، والتصريحات غير الواضحة من قبل المسؤولين الذين لا يكشفون عن تفاصيل المقترح اللبناني للوسيط الأميركي

حقل قانا.. لا شيء يؤكد أنه يحتوي على نفطٍ أو غاز

ويتطرق إلى دراسة أوردتها المجلة الأميركية العلمية "يو أس جيولوجيكال سيرفاي"، تقول إنّ حوض المتوسط الشرقي يوجد فيه 1.7 بليون برميل نفط و122 تريليون قدم مكعبة من الغاز، ما يُعدّ بمثابة أكبر اكتشاف نفطي في العالم منذ عقودٍ، مشيراً إلى أنّ ذلك يعني تخلّي لبنان، في حال عدم التحرك دفاعاً عن حقوقه الوطنية، عن ثروة بمئات مليارات الدولارات.

ويوضح المؤرخ اللبناني أنه "إذا قسمنا هذه الثروة على المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص وإسرائيل وسورية ولبنان، لأمكننا أن نستنتج أنّ الثروة التقريبية للبنان لا تقل عن 1725 مليار دولار، ومن النفط أيضاً مبالغ لا تقل عن ذلك، في حال أخذ 1/3 مردود من الغاز ومن الشركات المشغلة".

ويشير خليفة إلى أنّ المسؤولين اللبنانيين يفترض أن يتمسّكوا بالخط 29 وإيداعه للأمم المتحدة والتفاوض انطلاقاً منه، لأنه الخط الوحيد الذي ينطلق من رأس الناقورة، لافتاً في المقابل إلى "أننا لا نعلم على أي قواعد يريدون اعتماد الخط 23، وحقل قانا لا شيء يؤكد أنه يحتوي على نفطٍ أو غاز، فلا أحد قام بالحفر هناك، علماً أنه كان بإمكان لبنان أن تكون لديه حقوق في حقل كاريش أيضاً"، سائلاً "لماذا تقديم تنازلات ولبنان في موقع القوة؟ ولماذا التنازل والتراجع والجانب الإسرائيلي هو الذي يخسر ملايين الدولارات بحال عدم استغلال كاريش؟"، مضيفاً: "لو كانت إسرائيل جدية، لما لزّمت البلوكات في المنطقة المتنازع عليها بين 23 و29 وتلهينا بالكلام".

ويستغرب خليفة طريقة التعاطي مع الملف، والتصريحات غير الواضحة من قبل المسؤولين الذين لا يكشفون عن تفاصيل المقترح اللبناني للوسيط الأميركي، مشدداً على أنّ هذه الثروة بمئات مليارات الدولارات "هي ملك الشعب اللبناني، لكن المسؤول يتصرّف وكأنها ملكية خاصة له ويتعاطى بسرية تامة معها، بينما يفترض أن يناقش هذه القضية مع مجلسي النواب والوزراء والاختصاصيين وتوضع أمام الرأي العام، والأهم أن تناقش مع الجيش الذي هو مكلف حسب القانون بوضع الخطوط، وهو وضع الخط رقم 29 ولا يحق لأحد تغييره إلى الخط 23".

ويشدد على أنه في حال ثبت اعتماد لبنان رسمياً الخط 23، فسنتجه لإقامة دعوى بالخيانة العظمى على كل مسؤول يتخلّى عن حقوق اللبنانيين الطبيعية.

ويتوقف خليفة عند التناقض في المواقف اللبنانية، ففي حين يتمسك اليوم المسؤولون بالخط 23، كان لبنان أرسل في 28 ديسمبر/كانون الأول 2021 رسالة إلى الأمم المتحدة يؤكد فيها رسمياً حقه بالخط 29 وبأنّ حقل كاريش متنازع عليه، وهو ما يحول دون تمكّن إسرائيل من القيام بعمليات التنقيب في الحقل أو استخراج النفط والغاز. لكن هذه الخطوة بقيت ناقصة، بينما يفترض إرسال إحداثيات الخط 29 وإيداعها الأمم المتحدة.

ويسأل خليفة "ما الذي يؤكد لنا أنّ إسرائيل لن تستغل أيضاً حقل قانا؟ وكذلك ضغطهم والأميركيين على شركة توتال الفرنسية في البلوكين رقم 4 و9 التي توقفت أساساً عن نشاطها فيهما؟".

ويقول إنّ المسؤولين في حال تنازلوا عن حقوق لبنان "فهم ليسوا رجال دولة، ولم يتمكنوا من الوقوف بوجه الصراع الدولي المحتدم حول الثروة النفطية في الشرق المتوسط بين الدول الكبرى".

ويرى خليفة أنّ على لبنان، وعبر المجلس النيابي، أن يطالب بإقرار قانون يجبر الحكومة على إرسال التعديل المقترح من قيادة الجيش للمرسوم 6433 إلى الأمم المتحدة، تأليف لجنة برلمانية للتحقيق في كامل تفاصيل ملف الغاز والنفط، وتحديد المسؤولية لكل من فرّط بالمصلحة والثروة الوطنيتين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة، إلى جانب المطالبة بتعيين وسيط جديد غير آموس هوكشتاين، الذي نعتبره طرفاً وليس وسيطاً، مع استمرار الوفد اللبناني بالتفاوض من دون تغيير فيه.

ويردف: "حتى في حال عرقلت المفاوضات، يمكن الذهاب باتجاه التحكيم الدولي لفض النزاع، وللدولة اللبنانية أن تلجأ إلى محكمة هامبورغ الألمانية لحقوق البحار، في حال تهرب العدو من التحكيم، وكذلك اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وغيرها من الأساليب القانونية التي يمكن سلكها، وفي حال أصرت إسرائيل بالقوة على اغتصاب حقوقنا فعندها موضوع آخر".