صراع الكونغو الديمقراطية ورواندا... قتال في عمق أفريقيا

صراع الكونغو الديمقراطية ورواندا... قتال في عمق أفريقيا

22 فبراير 2024
نزوح الكونغوليين من غوما، 7 فبراير الحالي (موزيس ساواساوا/أسوشييتد برس)
+ الخط -

تتوالى التطورات الميدانية بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في عمق القارة الأفريقية، مشكّلة تهديداً أمنياً واجتماعياً جديداً في منطقة إقليمية مضطربة في الأساس.

ومن شأن تدهور الأوضاع في المنطقة أن يفضي إلى ازدياد أعداد النازحين واللاجئين، في ظلّ وضع اقتصادي متردٍ في كينشاسا، وإلى نشوء بؤرة غير مستقرة على طول الخط بين أوغندا شمالاً وتنزانيا جنوباً، بما يلقي بالمزيد من الضغوط على منطقة القرن الأفريقي.

ودفع التصعيد الأمني في الأيام الأخيرة الولايات المتحدة إلى إبلاغ رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، مساء أول من أمس الثلاثاء، بوجوب "التراجع عن شفا الحرب"، في تحذير هو الأكثر حدة دولياً تجاه الصراع المتجدد بين الدولتين.

وخلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، دعت إليه فرنسا، وجّه نائب السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة روبرت وود تحذيراً لكينشاسا وكيغالي، بالقول إن على "رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى جانب الجهات الفاعلة الإقليمية (لم يسمّها)، استئناف المحادثات الدبلوماسية فوراً".

وشدّد على أن "الجهود الدبلوماسية الإقليمية، وليس الصراع العسكري، هي الطريق الوحيد نحو حل تفاوضي وسلام مستدام". وأضاف وود أنه "يتعين على كيغالي سحب قوات رواندية من أراض كونغولية وأن تزيل فوراً كل أنظمتها الصاروخية أرض ـ جو، التي تفيد تقارير ذات صدقية بأنها مسؤولة عن استهداف أصول جوية لمونوسكو (بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية)". وحث وود المجتمع الدولي على اتخاذ خطوات فورية لإنهاء القتال وتهدئة التوترات، مشيراً إلى أن ملايين الأشخاص يواجهون أزمة إنسانية خطيرة.

تحذيرات أميركية لكينشاسا وكيغالي

وجاء تحذير وود بعد رفض وزارة الخارجية الرواندية دعوات أميركية لسحب رواندا قواتها وصواريخها من شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وسبق أن انتقدت الخارجية الأميركية أيضاً تفاقم أعمال العنف التي تقوم بها حركة "إم23"، المسلحة المدعومة من رواندا.

ودعت في بيان، الأحد الماضي، الحركة إلى الانسحاب من مواقعها الحالية حول ساكي وغوما، شرقي جمهورية الكونغو الديمقراطية. وكانت "إم23" قد استأنفت القتال في يناير/ كانون الثاني الماضي ضد القوات الحكومية الكونغولية، بعد فترة من الهدوء النسبي، وذلك حول مدينة غوما، عاصمة إقليم شمال كيفو.

واعتباراً من أوائل فبراير/ شباط الحالي، أصبحت غوما الواقعة بين بحيرة كيفو والحدود الرواندية معزولة عن بقية الأنحاء الداخلية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، خصوصاً بفعل الدعم الرواندي لها، بحسب كينشاسا. بدوره، دان سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة نيكولا دي ريفيير الهجوم الذي شنته حركة "إم 23"، ودعم رواندا لها، وقال إن "هذا الأمر يجب أن ينتهي. لقد تجاوزوا الحد من خلال نشر أنظمة صواريخ مضادة للطائرات في جمهورية الكونغو الديمقراطية".


دعت أميركا رواندا إلى سحب قواتها من أراض كونغولية

وردّ سفير رواندا لدى الأمم المتحدة إرنست رواموسيو على واشنطن وباريس بالقول إن "دمج جبهة تحرير الكونغو، التي ارتكبت إبادة جماعية، في الجيش الكونغولي يمثل سياسة حكومية ومصدر قلق كبيراً لبلاده". وقصد رواموسيو الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا بين 7 إبريل/ نيسان 1994 و15 يوليو/ تموز من العام عينه، وأودت بحياة نحو 800 ألف شخص على الأقل من عرقيتي التوتسي والهوتو، متهماً أعضاء الجبهة بالتورط فيها.

وأضاف رواموسيو في كلمته بمجلس الأمن أن "هذا التحالف يواصل استهداف الأبرياء وينشر خطاب الكراهية والقتل". واستطرد قائلاً: "نحن على شفا كارثة خطيرة للغاية في المنطقة نتيجة لذلك، أحذر من احتمال حدوث إبادة جماعية أخرى".

وذكر رواموسيو أن التصعيد الأخير للصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية يأتي في سياق دعوات الرئيسين الكونغولي فيليكس تشيسكيدي والبوروندي إيفاريست ندايشيميي لتغيير النظام في رواندا، وتأجيج التوترات الإثنية في المنطقة.

وأضاف أنه "من أجل حل التحديات الأمنية المعقدة في المنطقة، فإن شرطنا غير القابل للتفاوض هو إنهاء دعم جمهورية الكونغو الديمقراطية للمسلحين، وضمان تسريحهم وإعادتهم إلى رواندا".

وكانت الخارجية الرواندية قد ذكرت في بيان أن "قواتنا تدافع عن أراضينا، في الوقت الذي تقوم فيه جمهورية الكونغو الديمقراطية بحشد عسكري كبير بالقرب من الحدود". وعلى الرغم من إشارة رواندا منذ فترة طويلة لما تصفه بـ"التهديد الذي تمثله جبهة تحرير الكونغو"، إلا أن كينشاسا لم تعترف قط بوجود الجبهة عسكرياً في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وتتهم السلطات الكونغولية رواندا بدعم حركة "إم 23" بقوة. وحث سفير جمهورية الكونغو الديمقراطية لدى الأمم المتحدة زينون نغاي موكونغو مجلس الأمن على مطالبة رواندا بسحب قواتها من البلاد من دون شروط مسبقة ووقف كافة أشكال الدعم لحركة "إم 23".

واتهم موكونغو الجيش الرواندي باحتلال جزء من مقاطعة كيفو الشمالية بشكل غير قانوني، وتقديم الدعم لحركة "إم 23" لزعزعة استقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية، معتبراً أنهم "يريدون نهب ثرواتنا من المعادن في شرق البلاد".

وبدت "بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية" (مونوسكو)، عاجزة عن وضع حد للقتال المتجدد. وحذّرت رئيسة البعثة بينتو كيتا من خطر اتّساع نطاق النزاع، فضلاً عن الوضع الإنساني المتردي على الأرض. ومساء الثلاثاء دعت الأمم المتحدة إلى جمع 2.6 مليار دولار لـ"توفير مساعدة منقذة للحياة وحماية لـ8.7 ملايين شخص"، وفق خطتها للاستجابة الإنسانية لهذا العام.

وجاء في بيان لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، أن "أكثر من 25 مليون شخص يعانون انعداماً للأمن الغذائي، فيما يعاني أكثر من ثمانية ملايين شخص من سوء التغذية الحاد، غالبيتهم أطفال دون سن الخامسة". ويشهد شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بالفعل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث نزح قرابة ستة ملايين شخص في الماضي بسبب الصراع، بحسب الأمم المتحدة.


تتمركز مجموعات "فاغنر" على الحدود الشمالية لجمهورية الكونغو الديمقراطية

وتسعى الولايات المتحدة وفرنسا لمنع تمدد القتال بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية لاعتبارات جيوبوليتيكية، متصلة بتأثير أي تفاقم لصراعات جديدة في العمق الأفريقي، وارتفاع أعداد النازحين واللاجئين، على دول حليفة للمعسكر الغربي، مثل كينيا وأوغندا وإثيوبيا، التي تعاني كل منها من نزاع محدد.

وتعاني كينيا، المعتبرة مركزاً إقليمياً للأميركيين في شرق أفريقيا، من مأزق متصل بـ"حركة الشباب" في الصومال المجاورة، ومن اضطرابات إثيوبيا العرقية، ولا تبدو أنها مستعدة لتحمّل أزمة جديدة بالقرب من حدودها.

أما أوغندا، التي نجحت لفترة طويلة في تحييد نفسها عن محيطها غير المستقر، فباتت على مشارف ضغط واسع جغرافياً، لارتباطها بحدود مشتركة مع رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية، تحديداً مع شرق الأخيرة. أما إثيوبيا، التي شهدت حرباً واسعة مع إقليم تيغراي، وإشكالات واسعة مع إثنية أمهرة، فلا تبدو في وضعية الاستعداد لمعالجة أزمة خارجية.

"فاغنر" على الخط

وأمام هذا الواقع، لن يبدو غريباً "نزوح" مجموعات من مرتزقة "فاغنر" الروسية من جمهورية أفريقيا الوسطى، على الحدود الشمالية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، إلى كينشاسا وعرض نفسها لوضع حدّ للقتال في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وفي حال وصول "فاغنر"، أو روسيا، إلى العمق الأفريقي، فإن ذلك سيتيح لها التحكم بالثروات المعدنية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن الاستيلاء على ميناء ماتادي في البلاد، المتصل بالمحيط الأطلسي، وهو ما يمنحها خيارات ملاحية لم تتمكن من الحصول عليها في غرب أفريقيا.

ونشأت الأزمة الحدودية بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بعد الحربين الأهليتين الكونغوليتين (1996 ـ 1997) و(1998 ـ 2003)، والإبادة الرواندية (1994)، حيث تجمعت العديد من المليشيات والنازحين واللاجئين في منطقة شمال كيفو.

وبدءاً من عام 2004، نشب صراع مسلّح، تورّط فيه الجيش الكونغولي ضد مجموعات تابعة لرواندا، ومنها "إم23"، بينما سعت كيغالي إلى تحييد نفسها عن الصراع. وعلى الرغم من محاولات دبلوماسية عدة لجمع البلدين إلى طاولة المفاوضات، إلا أن كل المساعي فشلت.

(العربي الجديد، أسوشييتد برس، فرانس برس)