سيرغي شويغو... وزير الدفاع الأكثر قرباً إلى بوتين

سيرغي شويغو... وزير الدفاع الأكثر قرباً إلى بوتين

16 مارس 2022
شويغو خلال احتفال "يوم النصر" 2019 بموسكو (ألكسندر نيمينوف/فرانس برس)
+ الخط -

صورة غير عادية. طاولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الطويلة، وعلى طرفها البعيد يجلس وزير الدفاع سيرغي شويغو ورئيس الأركان فاليري غراسيموف.

تشي ملامح هذين القائدين العسكريين بأنهما في وضع محرج. وقد التُقطت الصورة في 27 فبراير/ شباط الماضي بعد ثلاثة أيام من الحملة العسكرية ضد أوكرانيا، والتي واجهت مقاومة غير متوقعة وانخفاضاً في الروح المعنوية العسكرية الروسية.

وحفلت وسائل التواصل بأخبار كثيرة بعضها تحدث عن إعفاء هذين الجنرالين اللذين يعدان ذراع بوتين العسكري في العقد الأخير. ويجري النظر إلى شويغو على أنه أحد الأصدقاء المقربين والموثوقين من سيد الكرملين، وكثيراً ما رافقه في رحلات الصيد الخاصة إلى سيبيريا، وشاركه هذه الهواية التي نمت معه منذ الطفولة بفضل مكان ولادته في جمهورية توفا، شمالي منغوليا، ذات الأغلبية البوذية، ولذا حاز على رئاسة المنظمة غير الحكومية التابعة للجمعية الجغرافية الروسية.

مسار سيرغي شويغو

ولد سيرغي كوجوغيتوفيتش شويغو لأسرة حزبية في عهد الاتحاد السوفييتي في 21 مايو/ أيار 1955. يدعي أنه مؤمن تعمّد في الكنيسة الأرثوذكسية الروسية عندما كان طفلاً، لكن المتعارف عليه أنه البوذي الوحيد في الحكومة الروسية، بينما لم يكن متديناً بشكل علني.

ونال في عام 1977 شهادة جامعية في الهندسة المدنية، ولذا عمل في مشاريع البناء في سيبيريا. وفي عام 1990 انتقل إلى العاصمة موسكو، وعُيّن في موقع نائب رئيس لجنة الدولة للهندسة المعمارية والبناء في الاتحاد الروسي.

وما بين عامي 1991 و1994 تولى منصب الرئيس الأول للجنة الحكومية الجديدة للاتحاد الروسي للدفاع المدني وإدارة الطوارئ والكوارث. وبين عامي 1994 و2012، شغل منصب وزير الدفاع المدني والطوارئ وإدارة الكوارث.

وفي عام 2000، ترأس حزب "الوحدة"، الذي تحول لاحقاً إلى حزب "روسيا الموحدة" (حزب بوتين)، كما تولى لفترة وجيزة منصب حاكم منطقة موسكو في عام 2012.


عرف شويغو طريقه إلى وزارة الدفاع الروسية بفضل بوتين

وعرف شويغو طريقه إلى وزارة الدفاع الروسية بفضل بوتين، الذي ترك الرئاسة في عام 2008 وفقاً للدستور. ومع ذلك، وجد طريقة للبقاء فعلياً في السلطة من خلال الانتقال إلى مكتب رئيس الوزراء، بينما تولى صديقه المقرب دميتري ميدفيديف مؤقتاً الرئاسة.

ووسط هذه المرحلة الحاسمة في تطور روسيا، ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، أطلقت القيادة السياسية لموسكو إصلاحات رئيسية للقوات المسلحة، مدفوعة بشدة بالأداء المخيب للآمال للجيش الروسي خلال حرب أغسطس/ آب 2008 في جورجيا، إذ تبين أن الجزء الأكبر من الدبابات والعربات المدرعة لم تكن قادرة على الوصول إلى إقليم أوسيتيا الجنوبية الجورجي، وقادة الأفواج الذين أمضوا حياتهم المهنية في وحدات مهملة، رفضوا ببساطة قيادة القوات إلى المعركة، لأنهم لم يعرفوا كيف يقودون.

وقاد عملية الإصلاح وزير الدفاع السابق أناتولي سيرديوكوف، على أساس استخدام القوات ذات الأغراض العامة فقط في الحروب المحلية.

وإذا تم تحقيق ذلك بنجاح، فسيكون له، عاجلاً أم آجلاً، تداعيات تتجاوز المجال العسكري، من شأنه أن يغير العلاقة بين الدولة ومواطنيها بشكل جذري، بإعلانها أنه حتى في حالة الحرب، لن تحتاج القوات المسلحة إلى أكثر من 700 ألف جندي احتياطي بدلاً من 8 ملايين حالياً.

وهذا يعني أن على الحكومة الروسية، ولأول مرة منذ ثلاثة قرون، أن تتخلى عن رأيها في مواطنيها باعتبارهم جنودها، وهو تغيير من شأنه أن يقوض في جمهورية روسيا الاتحادية، على المدى الطويل، أحد مبادئها المركزية وهو عسكرة الدولة، وسيدخل في صراع أكبر مع المبادئ الأساسية لنظام بوتين.

ولذا، على سبيل المثال، ستكون الخطوة التالية هي إلغاء التجنيد الإجباري، ولا جدوى من إجبار حوالي نصف مليون شاب على قضاء عام في الخدمة العسكرية، إذا لم تكن هناك حاجة إليهم في المستقبل، ولا يكون التجنيد منطقياً إذا التزمت روسيا بامتلاك جيش عامل محترف قوامه نصف مليون جندي على أقصى حد.

وكان هناك من عارض خطة الإصلاح، تحديداً بين الحرس القديم، ووجد سيرديوكوف نفسه وسط شائعات كثيرة حول فساده الشخصي، والوسط المحيط به من الضباط، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، قرر بوتين الذي عاد إلى الكرملين استبداله بسيرغي شويغو، الذي كان يتولى وزارة الطوارئ، وتُعد إحدى الوزارات المهمة والناجحة، وكانت سمعته أنه منزه عن الفساد وناجح سياسياً ومبادر إلى حل المشاكل.

وفجأة صار الحزبي العادي الذي لم يخدم أبداً في الجيش جنرالاً، وهو لم يتقلد سابقاً أكثر من رتبة ملازم في الاحتياط، وزيراً للدفاع. وحصل شويغو على رتبة عسكرية أثناء عمله وزيراً في وزارة الطوارئ الروسية في عام 1999، وفي ذات الوقت نال أعلى جائزة روسية، بطل الاتحاد الروسي، وتمت ترقيته إلى رتبة عقيد في مايو 2003، لكن رتبة جنرال الجيش حصل عليها من قبل بوتين، وجمع العديد من الألقاب الفخرية الأخرى، بما في ذلك وسام القديس أندرو الرسول.

شويغو وتدمير إرث سلفه في وزارة الدفاع

كان يُنظر إلى شويغو على أنه أحد أكثر الإداريين موهبة في روسيا الذين شغلوا منصب حاكم منطقة موسكو، وحين حلّ في وزارة الدفاع وجد نفسه أمام أحد خيارين، إما الاحتفاظ بقوات تقليدية كبيرة، أو متابعة هدف سلفه سيرديوكوف المتمثل في إنشاء قوات مسلحة أكثر رشاقة وحداثة.

وأول خطوة قام بها شويغو هو أنه أعفى رئيس هيئة الأركان العامة نيكولاي ماكاروف حليف سيرديوكوف من مهامه، واستبدله بفاليري غيراسيموف، أحد معارضي إصلاحات سيرديوكوف.

وبات شويغو أول وزير دفاع منذ أكثر من عقد يحمل رتبة جنرال، وأعاد الميجور المتقاعد في "كي جي بي" بوتين إحياء تقليد منح وزير الدفاع لقب جنرال، والتي أُسقطت في عام 2007 بتعيين سيرديوكوف، الذي كان يضع نجوم الجنرال.

ومن الواضح أن تعيين شويغو في مكان سيرديوكوف أملته الصراعات داخل فريق بوتين نفسه. وإلا لماذا نقله من منصب حاكم منطقة موسكو الذي كان قد شغله لستة أشهر فقط؟ ويبدو أن شويغو كان آخر مسؤول، إن لم يكن الوحيد، المتبقي الذي يمكن أن يثق به الرئيس في ذلك الوقت الذي كانت رائحة الفساد تطوف في أجواء موسكو.


لم يتقلد شويغو سابقاً أكثر من رتبة ملازم في الاحتياط

وبينما تجنب شويغو وصمة الفساد الشخصي، كانت هناك ادعاءات مختلفة بأنه كوزير كان متورطاً في بعض العمليات المشكوك فيها. وصدرت اتهامات بحقه من قبل فريق بقيادة زعيم المعارضة الروسية، المدون المتخصص بمكافحة الفساد أليكسي نافالني.

وادّعى نافالني أن شويغو يخفي منزلاً تقدر قيمته بنحو 18 مليون دولار عن طريق وضعه باسم أقاربه. ويقع المنزل في إحدى ضواحي موسكو الفاخرة، حيث يوجد مقر إقامة بوتين الرسمي.

وصل مستوى الثقة بشويغو إلى نسبة 88 في المائة، حسبما ورد في عام 2016 في دراسات مركز أبحاث الرأي العام لعموم روسيا، في حين كانت نسبة الثقة بالجيش الروسي 82 في المائة وفق دراسة أجريت في خريف عام 2015.

ومع ذلك كاد شويغو الذي يرى البعض أنه مرشح لخلافة بوتين أن يفقد منصبه في التعديل الحكومي الذي صاحب قرار بوتين بتغيير دستور الاتحاد الروسي عام 2020.

وكان بقاؤه في الحكومة الجديدة مفاجئاً قليلاً لأولئك الذين يتابعون السياسة الروسية، وعزا الخبراء ذلك لأنه يتمتع بصداقة طويلة الأمد مع الرئيس، ومن المتعارف عليه على نطاق واسع أنه أحد أعضاء الدائرة المقربة من بوتين. ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى ديناميكيات الدفاع الداخلي التي ساعدت في الاحتفاظ بشويغو كوزير للدفاع.

وتتعلق هذه بشكل أساسي بنجاحاته في توجيه الإصلاحات التي ورثها عن سلفه سيرديوكوف؛ والتي أثارت ردود فعل من قبل شخصيات السياسة الدفاعية الأخرى؛ وكذلك رؤيته للقوات المسلحة، والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطلعات بوتين.

وبالإضافة إلى ذلك، هناك عنصر حيوي مهم في نجاح شويغو كوزير للدفاع، هو تفاعله القوي مع رئيس الأركان العامة، الجنرال غيراسيموف.

وفي تقييم لبقاء شويغو في منصبه، حدد العقيد المتقاعد فيكتور بارانيتس، كاتب العمود العسكري في صحيفة "كومسومولسكايا برافدا"، عدداً من الأسباب الإضافية.

في عهد شويغو، تحسنت القوات المسلحة الروسية بشكل كبير بفضل الإصلاحات الجارية، ولأنها استفادت من تجربة العمليات في سورية لدعم نظام بشار الأسد، والتي سمحت لروسيا باختبار أنظمة أسلحة جديدة في ظروف قتالية، وإظهار للعالم أنها تعيد تسليح جيشها بشكل هائل منذ عام 2010.

كذلك ساعد التدخل السوري في منح روسيا الثقة بقدرتها على التدخل بطريقة حاسمة وتحدي الغرب، وعدم مراعاة تهم المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان للجيش الروسي بارتكاب العديد من جرائم الحرب، مثل استخدام الذخائر العنقودية، وتعمد استهداف المدنيين وعمال الإنقاذ، والضربات الجوية العشوائية.

دور شويغو في الأيديولوجيا الروسية

الخبير الأمني والكاتب الروسي أندريه سولداتوف يعتقد أن وزير الدفاع لا يزال أكثر الأصوات نفوذاً التي يسمعها الرئيس. "شويغو ليس مسؤولاً عن الجيش فحسب، بل مسؤول جزئياً أيضاً عن الأيديولوجيا"، وفي روسيا تدور الأيديولوجيا في الغالب حول التاريخ الذي يشكل إطار سردية بوتين حول استعادة أمجاد روسيا.

ولكن بقاء شويغو في المنصب يعتمد على رعايته السياسية، بقدر ما يعتمد على أدلة النجاح أو التقدم في التحول العسكري. ومع ذلك، على عكس وزراء الدفاع السابقين، فقد بنى شبكات وميسّرين رئيسيين لهذا التحول بالذات.

وينتشر هؤلاء المنفذون والداعمون الحيويون عبر وزارات السلطة، وكما أوضح بارانيتس، يتم تمكينهم بشكل أكبر من خلال التنسيق غير المسبوق بين وزارة الدفاع وصناعة الدفاع، كما يتضح في ترادف شويغو، ونائب رئيس الوزراء يوري بوريسوف.


يتناغم شويغو مع رئيس الأركان غيراسيموف

وقبل غزو أوكرانيا بأيام كشف الوزير عن بناء قاعدتين عسكريتين جديدتين وخمسة مطارات في القطب الشمالي، وأن وحدات الدفاع الجوي على أهبة الاستعداد إلى جانب القوات التي تشغل مجمعات الصواريخ الساحلية.

وأكد أن "الإجراءات التي تم تنفيذها سمحت لنا بثقة بإغلاق حدود القطب الشمالي لروسيا من الأنشطة العسكرية العدوانية للدول الأجنبية".

وطالما كانت القوات البحرية أهم نقاط ضعف المؤسسة الدفاعية الروسية، فإنه تم تضمين ثلاث غواصات جديدة في القوات البحرية، من بينها غواصة الصواريخ البالستية "كنياز أوليغ". وأكد شويغو أن مستوى تحديث القوات المسلحة وصل الآن إلى 71.2 في المائة، وهو من أعلى المستويات في العالم.

حرب أوكرانيا هي الامتحان الفعلي للوزير شويغو، بعد شبه جزيرة القرم عام 2014 الذي اجتازه بنجاح، فإذا سار على ما يرام وخرج منها بأقل الخسائر، فإنه سوف يكرس دور الجيش كلاعب أساسي في السياسية الروسية لأول مرة ويرفع من حظوظه كمرشح قوي لخلافة بوتين بلا منازع، وإذا فشل في ذلك فسوف يخرج من الباب الواسع ليذهب إلى الصيد وحيداً من دون صديقه بوتين.