أصدر سفراء 10 دول في تركيا، اليوم الاثنين، بيانا أبدوا فيه احترام بلادهم لاتفاقية فيينا القاضية بعدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، ما اعتبر تراجعا عن بيان سابق بإدانة استمرار اعتقال رجل أعمال تركي منذ سنوات، وأدى ذلك لإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السفراء المذكورين أشخاصا غير مرغوب بهم في تركيا.
وتصاعدت فصول القضية في بيان صدر عن سفراء كل من ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية والدانمارك، وفنلندا، وفرنسا وهولندا والسويد وكندا والنرويج ونيوزيلندا في 18 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي انتقدوا فيه اعتقال رجل الأعمال عثمان كافالا ودعوا إلى الإفراج عنه، واعتبروا فيه أن القضية المستمرة بحق كافالا تلقي بظلالها على الديمقراطية وسيادة القانون في تركيا، داعين إلى الإفراج عنه.
وتبع ذلك استدعاء الخارجية سفراء الدول العشر، إثر نشرهم بيانا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، في وقت حذر مجلس أوروبا لحقوق الإنسان، الذي انضمت إليه تركيا عام 1950، السبت الماضي، من أنه قد يبدأ إجراءات ضد أنقرة في حال لم يتم الإفراج عن كافالا بحلول نهاية الشهر.
وإزاء ذلك صعّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان موقف بلاده ضد السفراء، مؤكدا أنه أصدر تعليماته بطردهم، وأعلن السبت، أنه أصدر تعليمات إلى وزير الخارجية، من أجل إعلان السفراء العشرة، أشخاصاً غير مرغوب فيهم بأسرع وقت.
وعقب هذه التطورات أعلنت السفارة الأميركية في تركيا عبر "تويتر"، أن "الولايات المتحدة تؤكد تطبيق المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية"، فيما تناقلت حسابات سفارات الدول المعنية من بينها ألمانيا وبقية الدول والسفيرة الهولندية مارجاني دي كاوتسينت، "بناء على الأسئلة التي يتم توجيهها بخصوص بيان الـ18 من الشهر الجاري نؤكد تطبيق المادة 41 من اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية".
تنص المادة 41 على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى
وتنص المادة على عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، الأمر الذي اعتبرته وسائل إعلام تركية خطوة تراجع من قبل الدول المعنية.
ونقلت وكالة الأناضول الرسمية في نشرتها التركية، نقلا عن مصادر في الرئاسة التركية أن الرئيس أردوغان قابل بإيجابية البيان الصادر عن الدول في ما يتعلق باحترامها عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وفي وقت سابق وصف أردوغان رجل الأعمال عثمان كافالا بأنه "فرع سوروس في تركيا"، في إشارة إلى الملياردير الأميركي جورج سوروس. وأضاف "10 سفراء جاؤوا بسببه إلى وزارة الخارجية، أي وقاحة هذه؟ ماذا تظنون هذا البلد؟ هنا تركيا، ليست دولة قبلية كما تظنون"، محذراً السفراء المعنيين من أنه لا يمكنهم أن يوجّهوا التعليمات لوزارة الخارجية التركية، وأنه أصدر تعليمات إلى وزير الخارجية، لإعلان السفراء العشرة أشخاصاً غير مرغوب فيهم بأسرع وقت. والسفراء العشرة هم سفراء كل من ألمانيا، الولايات المتحدة الأميركية، الدنمارك، فنلندا، فرنسا، هولندا، السويد، كندا، النرويج، ونيوزيلندا.
وعن الأسباب التي تدفع أنقرة إلى التصعيد في هذا الملف، قال وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، في تصريحات له، السبت، إن "من يتحدث عن سيادة القانون هم أنفسهم الذين ينتقدوننا ويريدون التدخل في القضاء، هذه قلة أدب عندما يقول سفراء عشر دول أفرجوا عن هذا (الشخص)، فقد يطالبون غداً بالإفراج عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، وبعدها عن صلاح الدين دميرطاش (الرئيس السابق لحزب الشعوب الديمقراطية الكردي) المسؤول عن أحداث كوباني الدموية في 6-8 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2014".
ويبدو من تصريحات صويلو أن تركيا تخشى أن تؤدي أي تنازلات أو استجابة لمطالب غربية، إلى إملاء طلبات أخرى عليها للإفراج عن متهمين ومحكومين بتهم الإرهاب والانفصال، وستكون سلسلة طويلة لا نهاية لها.
ولا يُتوقع خروج كافالا (63 عاماً) من زنزانته في سجن إسطنبول في أي وقت قريب، في مواجهة سلسلة من التهم المتعاقبة، بينها التجسس ومحاولات إطاحة الدولة. ومثل كافالا مرات عدة أمام القضاء، بعدما واجه تهماً بالارتباط بجماعة "الخدمة"، وعلاقته مع مستشار المخابرات الأميركية السابق الأكاديمي هنري باركي. ووجهت النيابة العامة لرجل الأعمال تهم "الشروع في استخدام القوة لإلغاء النظام العام المفروض وفق الدستور التركي"، و"تسريب وثائق أمنية وسياسية تحمل صفة السرية لأمن البلاد والتجسس العسكري"، مطالبة بالحكم عليه بالسجن المؤبد مرتين.
وكانت قضية كافالا قد أثارت الرأي العام التركي بشكل كبير في فترات سابقة، وقد برّأه القضاء، في وقت سابق من العام الحالي، من اتهامات تتعلق بالإرهاب، على خلفية مزاعم تنظيم وتمويل الاحتجاجات الجماهيرية المناهضة للحكومة التي اندلعت عام 2013. لكن بينما كان أنصاره ينتظرون إطلاق سراحه من السجن، أصدرت السلطات أمراً بإعادة اعتقاله، لمزاعم ارتباطه بمحاولة انقلاب فاشلة عام 2016، وقدّم كافالا أكثر من مرة طلباً للمحكمة الدستورية العليا يطالب بالإفراج عنه، متحدثاً عن تعسف في إلقاء القبض عليه من دون توجيه التهم وإعداد لائحة اتهام، ولكن طلباته رُفضت.
وظل كافالا في السجن منذ اعتقاله في أكتوبر عام 2017، على الرغم من مطالبة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والعديد من الجماعات الحقوقية بالإفراج الفوري عنه وإسقاط جميع التهم المنسوبة إليه، مشددة على عدم وجود دليل يدعم هذه الاتهامات.