زيارة السيسي إلى جوبا: مباحثات حول قناة جونقلي والتواجد العسكري

زيارة السيسي إلى جنوب السودان: مباحثات حول قناة جونقلي والتواجد العسكري

29 نوفمبر 2020
زيارة السيسي هي الأولى لجوبا بعدما استقبل سلفا كير سابقاً في القاهرة (فيسبوك)
+ الخط -

كشفت مصادر مصرية خاصة، تفاصيل أجندة زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المفاجئة إلى دولة جنوب السودان، التي وصل إليها صباح أمس السبت، والتي على رأسها مسألتان هما إعادة إحياء مشروع قناة جونقلي المتوقف، والتواجد العسكري المصري في جنوب السودان.

وقالت المصادر، لـ"العربي الجديد"، إن الزيارة التي تستمر لمدة يوم واحد وتأتي في توقيت بالغ الدقة، تناولت ملفات عدة، بعضها متعلق بملف سد النهضة الإثيوبي، موضحةً أنّ هناك توافقاً كبيراً في الرؤى بين القاهرة وجوبا، بشأن أزمة مياه النيل مع إثيوبيا.

وأشارت المصادر إلى أن هناك مباحثات متقدمة بين مصر وجنوب السودان، ودولة السودان، بشأن إعادة إحياء مشروع قناة جونقلي المتوقف، في إطار الحلول الرامية لتقليل الآثار السلبية المترتبة على حصص مصر والسودان من مياه النيل، جراء التعنت الإثيوبي بشأن المخاوف المصرية والسودانية. ولفتت المصادر، إلى أنّ إحياء المشاورات الخاصة بشأن القناة الواقعة على نهر الجبل بدولة جنوب السودان، جاء في أعقاب زيارة سابقة قام بها رئيس جهاز المخابرات العامة المصري اللواء عباس كامل إلى جنوب السودان، إلا أنّ هناك تكتماً شديداً بشأن تلك المشاورات في الوقت الحالي.


هناك تكتم شديد حول مشاورات إعادة إحياء مشروع قناة جونقلي في الوقت الحالي

كما أكدت المصادر أنّ هناك محادثات أمنية وعسكرية مصرية جنوب سودانية تجري منذ أشهر عدة، بشأن تواجد عسكري مصري في جنوب السودان، والتوافق على شكل هذا التواجد، وإمكانية تطويره إلى إقامة قاعدة عسكرية مصرية هناك. وأوضحت أن هناك تواجداً مصرياً عسكرياً فنياً ضمن اتفاقات مبرمة بين البلدين، خاصة لناحية الدور الذي تلعبه القاهرة في هيكلة القوات المسلحة بجنوب السودان، ودمج المليشيات المسلحة في القوات النظامية، وتزويد الأخيرة بأسلحة خفيفة ومتوسطة من إنتاج "الهيئة العربية للتصنيع"، علاوة على تزويد مصر للقوات جنوب سودانية بكافة مستلزمات الزي العسكري.

وكشفت المصادر أنّ المفاوضات بشأن وجود مركز عسكري لوجستي مصري أو إنشاء قاعدة عسكرية في جنوب السودان، كانت قد توقفت خلال الفترة الماضية، بعدما أبدت إثيوبيا اعتراضاً على ذلك لدى الجانب جنوب السوداني، الذي تربطه أيضاً بأديس أبابا علاقات يمكن وصفها بالجيدة، على حد تعبير المصادر. إلا أنّ الاشتباكات والتوترات التي يشهدها إقليم تيغراي بشمال البلاد، والمخاوف من تأثر جنوب السودان من وراء هذه الاضطرابات، باتت في الحسبان.

وناقش الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع نظيره في جنوب السودان سلفا كير ميارديت، أمس، آخر المستجدات في ما يتعلق بمفاوضات سد النهضة، وجرى التوافق حول أهمية التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم ومتوازن حول ملء وتشغيل السدّ، مع تعزيز التعاون بين دول حوض النيل على نحو يُحقق المصالح المشتركة لشعوب دوله كافة، وتجنب الإضرار بأي طرف.

وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية بسام راضي، إنّ السيسي "أكد حرص مصر على نقل الخبرات المصرية وتوفير الدعم الفني وبرامج بناء القدرات للكوادر في جنوب السودان بمختلف القطاعات، وكذلك دفع التعاون الثنائي وتعزيز الدعم المصري الموجه إلى جهود التنمية في جنوب السودان، خاصةً مع وجود آفاق واسعة لتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، وكذلك التعاون في مجالات الزراعة والري والبنية التحتية والطاقة".

وأضاف "وفي ما يتعلق بالأوضاع في جنوب السودان، عرض سلفا كير تطورات تنفيذ اتفاق السلام بالبلاد، مثمناً في هذا السياق التحركات المصرية في مختلف المحافل الدولية والإقليمية لشرح طبيعة التحديات التي تواجه جنوب السودان، وتأكيد أهمية دعم الاستقرار والمصالحة الوطنية في البلاد، وحث المجتمع الدولي على الوفاء بتعهداته والتزاماته في هذا الصدد تجاه جنوب السودان. في حين أكد السيسي دعم مصر الكامل وغير المحدود لجهود حكومة جنوب السودان في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد كامتداد للأمن القومي المصري، مشيراً إلى أهمية البناء على قوة الدفع الحالية على الساحة السياسية في جنوب السودان، وتوافر الإرادة اللازمة من قبل الأطراف كافة بهدف الاستمرار في تنفيذ استحقاقات اتفاق السلام".

كما تم التباحث، بحسب راضي، بشأن "أهم الملفات المطروحة على الساحة الإقليمية، خاصةً بمنطقتي حوض النيل والقرن الأفريقي، إذ عكست المناقشات، تفاهماً متبادلاً بين الجانبين إزاء سبل التعامل مع تلك الملفات، بما يكفل تعزيز القدرات الأفريقية على مواجهة التحديات التي تواجه القارة ككل. كما تم الاتفاق على تكثيف وتيرة انعقاد اللقاءات الثنائية بين كبار المسؤولين من البلدين بصورة دورية للتنسيق الحثيث والمتبادل تجاه التطورات المتلاحقة التي يشهدها حالياً المحيط الجغرافي للدولتين".


هناك محادثات منذ أشهر عدة، بشأن تواجد عسكري مصري في جنوب السودان

ووفق راضي، أعرب سيلفا كير "عن تطلع بلاده إلى زيادة نشاط القطاع الخاص المصري في جنوب السودان، وحرص بلاده على توفير كل التسهيلات والمناخ الداعم لذلك، مع تأكيد التقدير لما قدمته مصر من دعم فني وبرامج بناء القدرات والتدريب، على مدار السنوات الماضية، للكوادر من جنوب السودان، في شتى المجالات المدنية والعسكرية، وما يعكسه ذلك من عمق العلاقات بين البلدين".

يذكر أن مشروع قناة جونقلي يقع على نهر الجبل بدولة جنوب السودان، والذي توقف العمل به عام 1983 بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت وقتها بين الحكومة السودانية و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق، بعد حفر 260 كيلومتراً من إجمالي 360 كيلومتراً.

وبدأ الحديث حول حفر قناة جونقلي عام 1983 بموجب اتفاق المحاصصة الخاص بمياه النيل بين مصر والسودان الموقع عام 1958. وجرت على ضوء ذلك دراسات وبحوث مكثفة ليتوصل البلدان إلى خطة عمل تهدف للاستفادة من المياه الضائعة في منطقة السدود ومستنقعات بحر الجبل (جزء من نهر النيل بجنوب السودان). وأوصت الدراسات بأهمية حفر قناة تستوعب المياه الزائدة من المستنقعات وكميات المياه التي كانت تتبخر سنوياً من دون الاستفادة منها، وذلك بحفر خط مائي يربط بين منبع القناة بولاية جونقلي حتى المصب عند فم نهر السوباط بالقرب من مدينة ملكال بجنوب السودان.

ونصّ الاتفاق بين البلدين على أن يتعاونا معاً في إنشاء مشاريع زيادة إيرادات النيل بمنع الضائع من مياه حوض النيل، على أن يقسم صافي فائدة هذه المشاريع على الدولتين بالمناصفة، ويسهم كل منهما في تكلفة تلك المشاريع وفوائدها.

وبعد محاولات عدة لبحث الخيارات الأفضل لشق القناة، اتفق القائمون على المشروع من الخبراء والمختصين على أن يمتد الخط من مدينة بور حاضرة بولاية جونقلي إلى ملكال بطول 360 كيلومتراً. وبالفعل بدأ شق القناة بين مصر والسودان عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وتحديداً في عام 1974، بهدف توفير المياه الضائعة في المستنقعات، وذلك بزيادة إيرادات المياه لنهر النيل بنحو 55 مليون متر مكعب.

وتم حتى الآن تنفيذ الجزء الأكبر من مشروع القناة بحفر 260 كيلومتراً بواسطة شركتين فرنسيتين، ولكن العمل توقف عند قرية الكونقر نتيجة نشوب الحرب الأهلية في جنوب السودان. في حين لجأت الشركتان الفرنسيتان بعد توقف المشروع إلى التحكيم الدولي ضد حكومة السودان، بحكم أن منطقة المشروع تقع في أراضي الأخير حتى استقلال دولة جنوب السودان في 2011. وأصدرت هيئة التحكيم حكماً لصالح الشركتين الفرنسيتين بإلزام الحكومة السودانية ممثلة في وزارة الري السودانية، باعتبارها الطرف المتعاقد، بدفع تعويض لهما. وبالفعل استمرت مصر والسودان في دفع تعويضات للشركتين الفرنسيتين حتى عام 2000 بإجمالي مبالغ تقدر بنحو 75 مليون دولار.