رافقت مظاهرات الحراك الشعبي في الجزائر، منذ بدايتها، لافتات ومواقف تهاجم فرنسا، باعتبارها مساهمة في استمرارية النظام الجزائري والسعي للتدخل لتوجيه الأحداث إلى سياقات تخدم مصالحها، لكن هذه اللافتات والشعارات المناوئة لباريس كانت أكثر بروزا في مظاهرات الحراك التي جرت أمس في العاصمة وعدة مدن جزائرية.
ويرى الناشط في الحراك الشعبي محمد بن زين، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ذلك "جزء من مكنونات الموقف النفسي للجزائريين تاريخيا من فرنسا نتيجة جرائمها في الجزائر من جهة، ولوعي مكونات الحراك والشعب الجزائري عموما بوجود صلات وعلاقات ومصالح مستمرة بين مجموعات الحكم المختلفة في الجزائر وفرنسا".
وأضاف أن "أغلب المسؤولين تكشف المعلومات دائما أنهم يحوزون عقارات وأملاك في فرنسا ويعالجون فيها عند المرض"، و"هذا مدخل من مداخل التأثير الفرنسي المستمر في الجزائر"، على حد تعبيره.
وكان واضحا تركيز مظاهرات أمس على مهاجمة فرنسا، إذ رفعت عشرات اللافتات والشعارات التي تهاجم وتنتقد "تواطؤ" باريس مع السلطة السياسية في الجزائر، بينها لافتة عليها صورة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كتب عليها "غير مرحب بكم في بلاد الشهداء".
ورفعت لافتات أخرى كتب عليها "أينما حلت فرنسا حل الخراب"، كما رفع أحدهم لافتة رسمت فيها فرنسا في شكل دجاجة تأكل من كيس قمح يمثل خريطة الجزائر، وكتب عليها "الجزائر ليست للبيع"، في إشارة إلى ما يعتقد المتظاهرون أنه استمرار لاستفادة باريس من امتيازات اقتصادية في الجزائر، والدعوة إلى ضرورة التحرر الاقتصادي وقطع دابر أية امتيازات فرنسية، خاصة خلال العقدين الماضين.
وسمح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لعشرات الشركات الفرنسية، بعضها كان على وشك الإفلاس، بالعمل والفوز بصفقات في الجزائر أعادت إنقاذها، كشركة "إلسطوم" المختصة في المقطورات الكهربائية.
وإضافة إلى اللافتات، ترددت هتافات تندد بالزيارات الأخيرة للمسؤولين الفرنسيين إلى الجزائر، من قبيل "نوضوا (انهضوا) يا لولاد (شباب) فرنسا راهي ولات (عادت)"، فيما نعتتهم بشكل قاس بأنهم "أولاد بيجار"، في إشارة للجنرال الفرنسي مارسيل بيجار، المقترن اسمه بالممارسات الوحشية والتعذيب بحق الجزائريين خلال ثورة التحرير (1954-1962).
وتعتقد مكونات الحراك أن السلطة السياسية في الجزائر تستفيد من دعم سياسي فرنسي، تفسره، بحسبها، التصريحات الأخيرة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، التي يبدي فيها اطمئنانه إلى نوايا وسياسات ماكرون، وهو ما عزز القلق في الأوساط الشعبية.
ورفعت اللافتات والشعارات المذكورة على خلفية الزيارة التي قام بها قائد الجيوش الفرنسية الفريق أول فرانسوا لوكوانترا إلى الجزائر الخميس الماضي، إضافة إلى الزيارة التي كان مقرراً أن يقوم بها اليوم السبت رئيس الحكومة الفرنسية جون كاستيكس، قبل أن يتقرر تأجيلها بطلب من الجزائر.
وإضافة إلى مواقف الحراك الشعبي من فرنسا، فإن الكثير من الأطراف السياسية كانت استبقت زيارة قائد الجيوش الفرنسية والإعلان عن زيارة كاستيكس بتأويلات، لتزامنها مع قرب موعد الانتخابات البرلمانية المبكرة المقررة في 12 يونيو/ حزيران المقبل، والزعم بإمكانية وجود ضغوط وإملاءات فرنسية على السلطة الجزائرية بشأن مآلات هذه الانتخابات.