رحيل شيخ المقاومين علي بن سالم: مناضل تونسي مخضرم أفلت من الإعدام

رحيل شيخ المقاومين علي بن سالم: مناضل تونسي مخضرم أفلت من الإعدام مرتين

27 يوليو 2023
علي بن سالم (وسط) خلال جلسة للبرلمان، 4 ديسمبر 2014 (الأناضول)
+ الخط -

رحل عن الساحة السياسية والحقوقية التونسية علي بن سالم عن عمر ناهز 93 عاما بعد مسيرة نضالية طويلة عاصر خلالها حقبا مختلفة قبل الاستقلال وخلال بناء الدولة الحديثة وبعد الثورة.

لقب الراحل علي بن سالم بشيخ المناضلين وعميد الثوار، ويعد شخصية مخضرمة، إذ ناضل ضدّ الحبيب بورقيبة وعارض زين العابدين بن علي بشراسة، وقد أفلت بأعجوبة من حكمي إعدام، أحدهما زمن الاستعمار على خلفية التحاقه بالمقاومة المسلحة والنضال ضده، والثاني في عهد بورقيبة بعد اتهامه بالمشاركة في محاولة انقلاب.

وبن سالم من مواليد حزيران/ يونيو 1930، من مدينة بنزرت أقصى شمال البلاد، وشارك ضمن نخب المقاومين الوطنيين في معركة التحرير سنة 1952، وقاوم الاستعمار الفرنسي في المدينة.

لجأ بن سالم هربا من المستعمر الفرنسي إلى ليبيا، حيث تلقى تدريباً عسكرياً ثم عاد إلى تونس ليلتحق بالمقاومة في الجبال، ورغم أنّه ينفي أنّه كان "يوسفيا"، (نسبة إلى الزعيم صالح بن يوسف المعارض لبورقيبة) إلا أنّ الحملة على اليوسفيين في عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة شملته فتم اختطافه والاحتفاظ به لكنه فرّ من مكان الاحتفاظ واختفى. 

وتدخّل لصالح بن سالم بعد ذلك رئيس المجلس القومي التأسيسي جلولي فارس ومنحه حماية خاصة.

قاد بن سالم مجموعة من المتطوعين في معركة بنزرت في يوليو/ تموز 1961، وتوفي عدد كبير من رفاقه، قبل أن يقع هو في الأسر إثر إصابته بشظايا في أسفل الظهر والرقبة، ثم أطلق سراحه في إطار تبادل للأسرى بين الجيش الفرنسي والحكومة التونسية.

وفي سنة 1962 شارك في المحاولة الانقلابية الفاشلة ضد نظام بورقيبة وحوكم مع رفاقه بـ11 عاما سجنا ثم أطلق سراحه في سنة 1973.

شارك بن سالم في تأسيس فرع بنزرت للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان سنة 1981، وهو أيضاً عضو مؤسس للمجلس الوطني للحريات وعضو مؤسس ونائب رئيس للجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، ورئيس "ودادية قدماء المقاومين".

انتخب علي بن سالم بعد الثورة عضواً في برلمان 2014 على رأس قائمة نداء تونس في دائرة بنزرت، حيث التحق بحزب نداء تونس، بعد أن جمعته صداقة بالرئيس الراحل الباجي قايد السبسي.

وتولّى رئاسة الجلسة الافتتاحية لمجلس نواب الشعب في أولى جلساته بعد انتخابات 2014، ثم انسحب من الحياة السياسية بعد نهاية مدته في 2019.

يذكر زملاؤه في مجلس الشعب كلمته الافتتاحية التي فاضت بمعاني التسامح وضرورة المضي في الإصلاحات وإنقاذ البلاد بعد حقبة الاستبداد، كما يذكر التونسيون دموعه وبكاءه خلال أول أعمال البرلمان، وهو يذكر تاريخ البلاد وصفحات طويلة من النضال والمقاومة وسير رفاقه في السلاح وفي سجون بورقيبة.

ويعتبر القيادي السابق في نداء تونس، ورئيس كتلة تحيا تونس في البرلمان السابق، مصطفى بن أحمد، في شهادته لـ"العربي الجديد"، أن "بن سالم يعد من الشخصيات الاعتبارية ومن رموز الحركة النضالية والحقوقية.. لقد عرف بتسامحه ومكانته وقدرته على التجميع".

ومن أبرز خصال الفقيد بحسب بن أحمد، "نكران الذات والفصل بين الجانب الشخصي والحقوقي، خصوصا في تقييم تجربته وعلاقته ببورقيبة، حيث يصف بورقيبة بالمصلح وباني دولة الاستقلال معترفا بفضله في ما تحقق رغم ما عاناه من ويلات وتعذيب في السجون".

وتابع: "العم علي حافظ على استقلاليته داخل نداء تونس، وانحاز دوما لقضايا حقوق الإنسان حتى على التزامات الحزب ومواقفه الرسمية، كما أخذ مسافة من الصراعات والتجاذبات السياسية لينأى بمكانته محتفظا برمزيته جامعا لمختلف المختلفين والمتخاصمين" .

ويذكر بن أحمد، أنه عاصر بن سالم ويعرف جيدا خصاله ومآثره، متحدثا "عن ما عاناه من ويلات التعذيب وصبره الشديد وألمه لوفاة زوجته وهو في السجن وعن مواقفه الشجاعة وانتصاره للحريات"، مشيرا إلى "تاريخه النضالي وتخصيص بيته مقرا لرابطة الدفاع عن حقوق الإنسان زمن الاستبداد".

وعبر بن أحمد عن "أسفه الشديد لتنكر الدولة لرموزها ومناضليها وعدم إيلاء السلطة الحالية المكانة اللازمة للشخصيات الاعتبارية"، قائلا: "أشك أصلا في أن تعرف الغوغائية والشعبوية قيمة ومكانة رموز الدولة ورموز النضال والمقاومة والشخصيات الوطنية، فالشعبوية تؤرخ لنفسها وتنطلق من تاريخ تمكنها من الحكم، فالشعبوية التي لا تحتفي بذكرى الجمهورية ولا ترفع الأعلام احتفالا بهذه الذكرى لن تذكر رموز الجمهورية ورجالاتها". حسب تعبيره.

ونعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان، الراحل علي بن سالم مذكرة بمناقبه معتبرة أنه من رموز الحركة الحقوقية والنضالية في البلاد.

إلى ذلك، قال أمين عام حزب التكتل خليل الزاوية على حسابه عبر "فيسبوك": "غادرنا منذ حين المناضل علي بن سالم.. عم علي جزء من تاريخ تونس منذ الحركة الوطنية إلى النضال الحقوقي إلى مقاومة استبداد بن علي حتى انتصار ثورة شباب تونس. رحمه الله. سيبقى في قلوبنا وذاكرتنا".

وروت المناضلة نزيهة رجيبة المعروفة بلقب أم زياد على صفحتها عبر "فيسبوك" مستذكرة موقف جمعها بالراحل: "في صيف 2008 لما اكتشفت إصابتي الحادة بمرض السكري التي استوجبت إقامتي في معهد التغذية لعدة أيام، دخل على حجرة المستشفى باكيا وهو يقول (اسم الله على أمي الحنينة).. بدخوله المستشفى جلب لي فرقة من البوليس السياسي، لازمت المكان إلى أن غادرت".

المساهمون