حول تهميش الشتات الفلسطيني

حول تهميش الشتات الفلسطيني

30 ابريل 2023
مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في ضاحية لبنان الجنوبية (جوزيف عيد/فرانس برس)
+ الخط -

مثل لاجئو الشتات قاعدة النضال التحرري الفلسطيني الأساسية في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، حينها كان اللاجئون محور اهتمام الجسم السياسي الفلسطيني، المتمثل في منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية، في مقابل تهميش مقصود وقسري لشؤون فلسطينيي الداخل، خصوصاً فلسطينيي 48. ثم تراجع الاهتمام بفلسطينيي الشتات مع بداية الثمانينيات، لصالح الاهتمام بفلسطينيي الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، لا سيما بعد انطلاق الانتفاضة الأولى، وهو ما تكثف بعد أوسلو وتأسيس السلطة الوطنية.

 

أثيرت في السنوات الأخيرة انتقادات عديدة طاولت سياسة تهميش لاجئي الشتات، باعتبارهم تمثيلاً عملياً وعينياً للقضية الفلسطينية وخزاناً بشرياً ضخماً يرفد النضال التحرري الفلسطيني، وجزءاً عضوياً من الكل الفلسطيني، وبحكم أوضاعهم المعيشية والسياسية القاسية، خصوصاً في العراق وسورية ولبنان. تجاهل الجسم السياسي الفلسطيني مجمل تلك الانتقادات، بل زاد من تهميش لاجئي الشتات، كما تجاهل نضالاتهم الراهنة، وكأنها لا تصب في صالح التحرر واستعادة الحقوق الفلسطينية، الأمر الذي طاول حركة الـBDS ومجموعات الدفاع عن حق العودة، ومجموعات التاريخ الشفوي، كما تواطأ مع النظام الإقليمي لمنع أي مبادرة وطنية تنطلق من رحم مخيمات الشتات، متهماً إياها بتقويض شرعية منظمة التحرير.

 

يفرض الوضع الراهن، واعتداءات الاحتلال اليومية على أرض وشعب فلسطين، وانتهازية النظام الإقليمي طرح مسألة لاجئي الشتات بجدية اليوم، انطلاقاً من ثلاثة محددات رئيسية، أولها، إفشال استراتيجية فصل الساحات الصهيونية، التي تتطلب الاشتباك مع الاحتلال في كل الساحات والمواقع، وهو ما يبرز دور فلسطينيي الشتات، كونها الساحة الوحيدة الخارجة عن سيطرة الاحتلال أمنياً وعسكرياً، وخصوصاً بعد المكتسبات على المستوى الدولي، مثل فضح الرواية الصهيونية ونشر الرواية الفلسطينية، ومقاطعة الاحتلال اقتصادياً وسياسياً وثقافياً، وبالتحديد مقاطعة المستوطنات وكل ما يرتبط بها.

 

تراجع الاهتمام بفلسطينيي الشتات مع بداية الثمانينيات، لصالح الاهتمام بفلسطينيي الضفة الغربية، بما فيها القدس، وقطاع غزة، لا سيما بعد انطلاق الانتفاضة الأولى

يتمثل المحدد الثاني في إنجاح مبدأ وحدة الساحات الفلسطينية، إذ ارتبط تطبيق هذه المبدأ في السنوات الأخيرة بمشاركة قطاع غزة في الاشتباك مع الاحتلال، رداً على اعتداءات الاحتلال تجاه أرض وشعب فلسطين، خصوصاً في القدس والمسجد الأقصى، وهو ما حمَّلَ القطاع المحاصر صهيونياً أكثر مما يحتمل، وعليه بات القطاع والفصائل المقاومة الفاعلة فيه أمام جدلية يصعب حسمها، بين ضرورة إنجاح مبدأ وحدة الساحات من ناحية، وحاجة القطاع إلى التهدئة من ناحية أخرى، لالتقاط الأنفاس وفك الحصار الصهيوني اللاإنساني، من هنا تتأتى أهمية دور الشتات الفلسطيني ودول الطوق، على اعتبارها ساحة اشتباك محتملة نظرية وزاخرة بالإمكانيات والوسائل، تحول دون تفعيلها توجهات النظام الإقليمي وتهميش لاجئي الشتات.

 

المحدد الثالث، انتهازية النظام الإقليمي، الذي استفردَ بفلسطينيي الشتات وطوقهم بغرض تحويلهم إلى أوراق مساومة يتحكم بها، في ظل تخلي الجسم السياسي الفلسطيني عنهم، الأمر الذي أفقد الأخير واحدة من أهم أوراق قوته على الصعيد الإقليمي، المتمثل في مخيمات الشتات ومجتمعاتها، ما سهل هيمنة النظام الإقليمي عليه من بوابة التمويل والدعم والاعتراف، ليخضع لمصالحه واستغلاله، بعد أن كان طرفاً إقليمياً حاسماً ومؤثراً، بفعل دوره المحوري داخل فلسطين وخارجها، خصوصاً في مخيمات الشتات.

 

لا تعكس تطورات الجبهة اللبنانية الأخيرة، عملية مجيدو وإطلاق 30 صاروخاً، عودة فاعلية مخيمات الشتات ونشاطها، فتهميش شؤونهم على امتداد أكثر من أربعين عاماً لا يوحي بذلك، لكنها تؤكد على أهمية دور الشتات، وتشير إلى قدرة الجسم السياسي الفلسطيني على استثمار طاقة المخيمات بعيداً عن انتهازية النظام الإقليمي، إن أولاها الاهتمام الكافي.

المساهمون