حرب الاغتيالات تشتعل شمالي العراق: اختراق استخباري تركي

حرب الاغتيالات تشتعل شمالي العراق: اختراق استخباري تركي لصفوف "الكردستاني"

27 يناير 2024
مقاتلة من "الكردستاني" في مخمور، شمالي العراق، 2014 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

في الثامن عشر من يناير/كانون الثاني الحالي، أعلنت الشرطة العراقية في محافظة كركوك (250 كيلومتراً شمالي بغداد)، شمالي العراق، مقتل سيّدة في العقد الخامس من العمر في منزلها بحي رحيم آوه، ذي الغالبية الكردية والمسيحية شمالي المدينة، دون أن تُعلن عن تفاصيل أخرى حول الحادث وهوية الضحية والجهة التي نفذت الهجوم، الذي أدرج بعد ساعات في وسائل الإعلام المحلية ضمن سلسلة العنف (ومنها الاغتيالات) متعدد الأوجه وشبه اليومي داخل العراق.

6 اغتيالات في يناير

غير أن مصادر أمنية رفيعة في إقليم كردستان، شمالي العراق، كشفت لـ"العربي الجديد"، عن أن السيّدة المقتولة عضو بارز في حزب العمال الكردستاني المعارض لأنقرة، وهي سورية كردية، تُدعى زُلال حسكة، وهذا اسمها الحركي، أما اسمها الحقيقي فهو فريال سليمان خالد، وتعمل ضمن خلايا ناشطة لحزب العمال الكردستاني في كل من كركوك والسليمانية، وتسكن في منزل لوحدها منذ عامين ونصف بمدينة كركوك، وتمتلك أوراقاً غير أصلية تظهر أنها عراقية كردية، وتم اغتيالها باقتحام المنزل من قبل مسلحين اثنين يستقلان دراجة نارية وتمكنا من الفرار بعد تنفيذ العملية.

يؤكد مراقبون وجود اختراق تركي مكّن من معرفة مواقع ومقرات وتنقلات الأعضاء الفاعلين في الحزب

اغتيال حسكة لم يكن الأول من نوعه، إذ شهد العراق منذ مطلع العام الحالي 6 عمليات اغتيال طاولت أعضاء فاعلين في "الكردستاني"، بالسليمانية ودهوك وكركوك وسنجار، تم تنفيذ 4 منها بواسطة مسلحين لم يتم اعتقال أي منهم أو التوصل إلى هويته. لكن بطبيعة الحال يشير مسؤولون في إربيل شمالي العراق، إلى أن منفذي هذه الاغتيالات عملاء في جهاز الاستخبارات التركي الذي يقولون إنه اخترق صفوف "الكردستاني" وبدأ ينفذ عمليات تصفية من داخله في مناطق نشاطه بالعراق، بينما تم تنفيذ عمليتين اثنتين عبر طائرات مسيّرة ليكون الإجمالي 6 عمليات اغتيال لشخصيات فاعلة في حزب العمال الكردستاني.

وتحدث مسؤولان كرديان في مدينة إربيل، العاصمة المحلية لإقليم كردستان العراق، لـ"العربي الجديد"، عن عمليات استخبارية تركية غير معلنة تستهدف أعضاء فاعلين في "الكردستاني" لا يتواجدون في مناطق القتال أو الاستهداف العسكري المباشر مثل قنديل وزاخو وسيدكان وسوران والزاب، إنما يقيمون في مناطق خاضعة لسلطة بغداد وإقليم كردستان ويعتبرون مخططين وداعمين لعمليات الحزب الميدانية.

وقال أحد المسؤولين، وهو ضابط في جهاز "الأسايش"، الذي يعتبر الذراع الأمنية الأهم داخل إقليم كردستان، لـ"العربي الجديد"، إن "الأتراك قتلوا خلال الشهر الأول من هذا العام 6 أعضاء في حزب العمال الكردستاني، وكلّها عمليات ناتجة من خرق استخباري للحزب، حيث تم التوصل إليهم في مناطق سكنهم وتصفيتهم".

وبيّن المصدر أنه في الرابع من الشهر الحالي، تمّ اغتيال القيادي في حزب العمّال، صادق شيخ أحمد، خلال وجوده في قرية حاج محمد، جنوب السليمانية، من قبل 3 عناصر يحملون مسدسات كاتمة للصوت، وفي يوم 12 من يناير، عُثر على جثة شخص داخل غرفته في فندق مالطا، وسط مدينة دهوك، تبين بعد التحقيق أنه كردي تركي ويحمل أوراقاً مزيفة باسم نبر زاكروس، كما تم اغتيال شخص يدعى آوات قائد، وهو كردي سوري يعمل في مجال تهريب المعدات بين الحسكة وسنجار، ومعلومات أخرى تنسب إليه مسؤولية حفر الأنفاق في جبل سنجار لصالح حزب العمال.

كما تمّت تصفية قياديين اثنين باستهداف مقر وسيارة في سيد صادق قرب السليمانية، والثاني في ضواحي بلدة العمادية قرب دهوك بواسطة طائرات مسيّرة، أحدهم يدعى آسو هوراماني.

وتستخدم أنقرة عبارة "تحييد"، في الإعلان عن تصفية قيادات وأعضاء حزب العمّال داخل العراق وسورية، لكنها في الفترة الأخيرة صارت تشير إلى تفاصيل إضافية مثل الجهة التي نفذت العملية، كما في بيان اغتيال صادق شيخ أحمد مطلع الشهر الحالي في السليمانية والذي نقلته وكالة "الأناضول" التركية، وكذلك بيان مقتل علي خبّات، أبرز أعضاء الحزب الفاعلين في الجناح العسكري، وأشارت صراحة إلى وقوف الاستخبارات التركية وراء العملية في السليمانية أيضاً.

عمليات الاغتيال التي تنفذها الاستخبارات التركية داخل العراق، لا تعتبر جديدة، غير أنها تضاعفت خلال الأشهر الماضية، مع ربط كثر بين ذلك ووجود اختراق تركي مكّن من معرفة مواقع ومقرات وتنقلات الأعضاء الفاعلين في الحزب.

البرزنجي: الاغتيالات انتقلت من مدن الإقليم الرئيسية إلى كركوك وحتى نينوى

وخلال الفترة الماضية، خسر حزب العمال الكردستاني قيادات مهمة أيضاً على مستوى الصفين الأول والثاني عبر عمليات اغتيال نفذ أغلبها في السليمانية، أبرزهم، شكري سرحد، وزيلان قونيا، وأمين باختياري، وعلي قنديلي، وآخرون يُعتبرون من الجناح العسكري في حزب العمال وهم من الجنسية التركية ويقيمون داخل العراق، إلى جانب عشرات آخرين تمّ استهدافهم بالقصف الجوي منذ منتصف عام 2021.

الاستهدافات تطاول مناطق جديدة شمالي العراق

وحول ذلك، يقول الناشط في الحزب الديمقراطي الكردستاني، الحاكم في إقليم كردستان، صلاح البرزنجي، لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات التصفية المتواصلة عبر الاغتيال ليست جديدة سواء من إيران أو تركيا، وتستهدف بالمجمل معارضين للبلدين ويحملون صفة لاجئ أو مقيم في الإقليم، وآخرين يتواجدون بشكل غير قانوني مثل الحال بالنسبة لأعضاء حزب العمال الكردستاني".

ويضيف البرزنجي أن "الجديد هو في انتقالها من مدن الإقليم الرئيسية إلى كركوك وحتى سنجار ومخمور وزمار في محافظة نينوى، وتكون عادة عبر عملاء محليين (عراقيين)، لا أتراك، كما أنها تؤكد على عمق الاختراق التركي لصفوف حزب العمال الكردستاني". وبيّن أن الحكومة العراقية في بغداد وكذلك إربيل، تتعامل مع الموضوع وكأنها غير معنية بذلك ما دام القتلى غير عراقيين ويعملون مع "الكردستاني"، وهذا توجه جديد أيضاً، قد يُفهم منه أنه قبول بسياسة الأمر الواقع"، وفقا لقوله.

الخبير في الشأن السياسي العراقي، إياد الدليمي، قال إن "استراتيجية جديدة تظهر في تعامل أنقرة مع ما تصفه بالتهديد الإرهابي الذي يمثله حزب العمال الكردستاني، ليس فقط في ناحية التعاطي معه كملف أمن قومي لها فحسب، وإنما أيضاً من جهة آليات تنفيذ الخطط التي تعتمدها أنقرة في هذا الجانب".

ويضيف الدليمي أن "تغييراً بدا واضحاً في التعامل مع هذا التهديد في أعقاب التغييرات الحكومية التي طرأت في تركيا بعد الانتخابات الأخيرة، وهو تغيير يعتمد على شمولية المواجهة، إذ إن هناك رغبة تركية اليوم بوضع حلّ قسري لهذا الملف خصوصاً في أعقاب فشل الجهود الكثيرة التي قادتها أنقرة لحصر هذه الجماعة عبر التعاون مع بغداد، حيث يمكن القول إن هذه الجهود فشلت في وضع حد للتهديد الذي يمثله الحزب لتركيا".

وتشير بعض المعلومات، وفقاً للدليمي، إلى أن أنقرة حققت اختراقاً استخبارياً كبيراً داخل أجنحة الحزب، وهذا الاختراق سهّل على أنقرة تحديد الأهداف المطلوبة وربما هو ما تجسد في سلسلة من الاغتيالات التي طاولت شخصيات قيادية في الحزب، فضلاً عن أن أنقرة لم تغفل، رغم جهدها العسكري، التواصل مع حكومة بغداد من أجل وضع حد لسيطرة الحزب على مناطق مهمة في العراق تستخدم في تهديد تركيا وأمنها. وبرأيه، فـ"إننا أمام مرحلة مفصلية يبدو أنها ستستمر طويلاً ولن ترضى تركيا قبل أن تُنهي هذا التهديد".