جونسون بين نيودلهي ولندن: رئيس وزراء محال للتحقيق ومتمسك بالانتخابات

جونسون بين نيودلهي ولندن.. رئيس وزراء محال للتحقيق ومتمسك بالانتخابات

22 ابريل 2022
جونسون مؤدّياً طقوساً هندوسية أثناء زيارته إلى الهند الخميس (Getty)
+ الخط -

ثلاثون دقيقة منحها رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، لكل صحافي رافقه على متن الطائرة المتجهة إلى الهند، الأربعاء، في زيارة رسمية كانت مقررة بداية العام الماضي إلا أن الوباء أخّرها.

الصحافيون رافقوا جونسون لتغطية زيارة مؤجّلة أكسبها السياق ثقلاً إضافياً وفرضت الأحداث السياسية الدولية ملفّات إضافية على جدول أعمالها. فبعد أن كانت زيارة "تجارية" قبل عام، أصبحت اليوم استراتيجية أكثر يأمل أن يبحث خلالها جونسون مع نظيره الهندي ناريندرا مودي أفق تعزيز التعاون الدفاعي بين البلدين كما أنه سيحاول إقناع الهند بخفض اعتمادها على موسكو، إذ إن "أضخم ديمقراطية في العالم"، كما وصفها جونسون، امتنعت عن إدانة روسيا وعن المشاركة في التصويت ضد الغزو الروسي في الأمم المتحدة.

إلا أن مراسلي وسائل الإعلام البريطانية لم يسألوا الكثير عن الهند ولا عن "الحقبة الجديدة" في التجارة والاستثمار والشراكة التي ستسمح باستحداث 11 ألف فرصة عمل في المملكة المتحدة. كانوا وما زالوا منشغلين بقضية "حفلات داونينغ ستريت" والغرامة التي حصل عليها جونسون لخرقه قانون الإغلاق وجلسة مجلس العموم التي عقدت قبل يومين وواجه فيها بوريس جونسون النواب واعتذر مرات ومرات.

تفاصيل أخرى كثيرة من المفترض أن تعكّر صفو تلك الزيارة وأن تعيق دور جونسون الدبلوماسي، كجلسة التصويت التي عُقدت أمس الخميس وقرر بموجبها النواب البريطانيون تكليف "لجنة الامتيازات" في البرلمان التحقيق في قضية "تضليل البرلمان" أو كالتسريبات التي تتحدث عن غرامة أخرى ستصدرها الشرطة بحقّه لارتكابه خرقاً أشدّ خطورة.

وكان قد رجّح مصدر مقرّب من الأحزاب المعارضة، لـ"العربي الجديد"، أن تكون تلك الغرامة لو صدرت بحقه، أشدّ خطورة بالفعل إذ من شأنها أن تثبت "تضليله" للبرلمان. فالغرامة الأولى كانت عن خرقه القانون بتواجده في تجمّع نظّمه آخرون احتفالاً بعيد ميلاده. بينما ستكون الغرامة الثانية على الأغلب عن خرقه القانون بتنظيمه هو تجمعاً مخالفاً للإجراءات، ومن ثمّ يسهل حينها إثبات "تعمّده" تضليل البرلمان.

إلا أن الشرطة البريطانية أعلنت أن لا غرامات جديدة ستصدر بحق رئيس الوزراء قبل الانتخابات المحلية المقررة في الخامس من مايو/أيار.

وقال مصدر آخر قريب من حزب المحافظين، لـ"العربي الجديد"، إن هذا الإجراء كان متوقعاً من الشرطة البريطانية، لأن من شأن الإعلان عن غرامة أخرى قبل أسبوعين من الانتخابات أن يُعتبر تلاعباً بالرأي العام.

يعملون على العبث بجدول أعمال الحكومة، بحيث تصبح خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا وأزمة أوكرانيا وزيارته الرسمية إلى الهند، على رأس القائمة.

إلا أن بوريس جونسون بدا هادئاً في طائرته على ارتفاع 35 ألف قدم محاطاً بالصحافيين وبسيل من الأسئلة المتعلّقة بمصيره السياسي. لم تمنعه أسئلتهم المليئة بالإدانة من القول إنه يفضّل طبق "روغَن جوش" الهندي والمصنوع من لحم الضأن، على الأطباق المصنوعة من بدائل اللحوم النباتية، على عكس الزعيم الهندي المهاتما غاندي الذي نأى بنفسه عن أكل اللحوم.

وفي اللحظات التي لم يتمكّن فيها من الهروب من تلك الأسئلة وهو "محاصر" في كرسي الطائرة، صرّح بنيّته خوض الانتخابات المقبلة مقلّلاً في الوقت ذاته من أهمية قضية "الحفلات" بأكملها قائلاً: "أعتقد أن السياسة علمتني شيئًا واحداً - من الأفضل التحدث عن الأمور التي انتًخبنا لأجلها وعن الأشياء المهمة التي تُحدث فرقاً حقيقياً للناخبين وليس للسياسيين". كأن تواجده في السماء بين الغيوم، في منطقة محايدة وبعيدة عن أروقة البرلمان، فصله كليّاً عما يجري على الأرض من محاولات حثيثة لإجباره على التنحّي.

إلا أن مع وصوله إلى الهند وصلته أصداء أزمته المحلية والغضب المكتوم الذي يخيّم على حزبه. وزير المالية ريتشي سوناك، الذي تلقّى إلى جانب جونسون وآخرين غرامة لخرق القانون، لم يكن هو الآخر تحت الأنظار اليوم بسبب زيارته للولايات المتحدة. استراتيجية جونسون وحزبه باتت واضحة في كسب الوقت يوماً بعد يوم وحدثاً بعد الآخر. يطالبون من جهة بالتريّث حتى يصدر تقرير كبيرة موظّفي الخدمة المدنية سو جراي حول خرقه القانون، ومن جهة أخرى يعملون على العبث بجدول أعمال الحكومة، بحيث تصبح خطة ترحيل اللاجئين إلى رواندا وأزمة أوكرانيا وزيارته الرسمية إلى الهند، على رأس القائمة.

إلا أن الحدث الأبرز والمفاجئ جاء اليوم في سحب "داونينغ ستريت" لتعديل مهم كان قد قدّمه قبل 15 ساعة فقط، ويتعلق بمطلب التريّث وتأجيل التصوير بعد أن بدا جونسون واثقاً من أن حزبه وحلفاءه "سيُجلدون" في غيابه لإنقاذه. هذا المصطلح الرمزي يأخذ باللغة الرسمية في بريطانيا أبعاداً واقعية، إذ ثمة منصب "رئيس السوط" في كل حزب من الأحزاب، وهو المسؤول عن إدارة شؤون الأعضاء وعلاقتهم بالحزب وضبطهم إن لزم الأمر. كان من المتوقع، أن يُجلد الأعضاء أثناء غياب رئيس الوزراء كي يمتنعوا عن التصويت. ويحق لرئيس السوط أن يخيّرهم بين الامتناع وبين الخضوع لعقوبة ما.

القضايا المفتاحية اليوم أمام بوريس جونسون هي الانتخابات المقبلة بعد أسبوعين والتي من المرجّح أن يفوز بها، والتقرير الذي ستنشره كبيرة موظّفي الخدمة المدنية سو جراي حول خرقه القانون إلى جانب تحقيق الشرطة النهائي، والغرامات التي من الممكن أن تصدرها الشرطة بحقّه بعد الانتخابات والانقسامات في حزبه في انتظار العثور على بديل. وتلك القضايا ستبقيه ضعيفاً إلى حين، خاصة أنه في انتظار نتائج تحقيقات قد تُظهر أنه يخفي الحقيقة على عكس ما صرّح به أمس.