تونس: مناهضة الانقلاب غير كافية لإنهاء تشتت المعارضة

تونس: مناهضة الانقلاب غير كافية لإنهاء تشتت المعارضة

20 يناير 2022
تفرقت الاحتجاجات في 14 يناير في أماكن مختلفة (Getty)
+ الخط -

تحول الخلافات الأيديولوجية والاختلافات السياسية دون إمكانية تجمّع المعارضين لانقلاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، تحت سقف واحد، على الرغم من المحاولات والمساعي في هذا الإطار، والمدفوعة بتصاعد مخاطر استبداد نظام الانقلاب واستهدافه لكل الطيف الحزبي والسياسي في تونس.

3 تجمعات ضد انقلاب قيس سعيّد

وتجمعت القوى الحزبية والسياسية المعارضة للانقلاب في احتجاجات 14 يناير/كانون الثاني الحالي في ذكرى الثورة بشكل لافت. غير أنّ نزول المعارضين إلى الشارع كان محكوماً بتفرّق الاحتجاجات في أماكن مختلفة في إطار إظهار الاختلافات الأيديولوجية والفكرية، على الرغم من وحدة القضية والأهداف.

وسجّلت الأنهج (متفرعات من شارع رئيسي) المحاذية لشارع الحبيب بورقيبة وسط العاصمة، نزول العديد من الأحزاب والشخصيات والائتلافات المدنية والمواطنية، المنادية باستعادة الديمقراطية وإحياء ذكرى "الثورة المسلوبة".

غير أن مراقبين اختزلوا التحركات في ثلاث عائلات سياسية وتجمعات حزبية، أكبرها التي جمعت حركة النهضة بحراك "مواطنون ضد الانقلاب" وعدد من الأحزاب الثورية على غرار "حراك تونس الإرادة" وحركة "وفاء" وحزب "المؤتمر" وعائلات الضحايا والجرحى ومنظمات وجمعيات العدالة الانتقالية.

اختزل مراقبون التحركات الأخيرة في ثلاث عائلات سياسية وتجمعات حزبية

التجمع الثاني والذي انتظم في شارع آخر، هو الجامع للأحزاب الديمقراطية الاجتماعية في إطار التحركات التي دعت لها تنسيقية أحزاب "التيار الديمقراطي" و"الحزب الجمهوري" و"التكتل من أجل العمل والحريات".

أما التجمع الثالث، فقاده حزب العمال الذي جمع طيفاً من اليسار المناهض للانقلاب، في ركن ثالث بجانب البنك المركزي، تجنباً للالتحام بالإسلاميين وحتى بأحزاب اليسار الاجتماعي.

تشتت المعارضة التونسية

ولاحظ التونسيون أن الشارع الديمقراطي المعارض منقسم إلى معارضات مشتتة، على الرغم من الخطر الداهم الذي يستدعي تجمع مختلف الأحزاب المعارِضة في جبهة واحدة، للدفاع عن الهدف المشترك وهو استعادة الحياة الديمقراطية.

ولا ينحصر الطيف المعارض لسعيّد بالتشكيلات الثلاثة التي اختارت النزول إلى الشارع، بل إن المشهد السياسي يعرف تنظيمات سياسية وتكتلات حزبية أخرى تعارض الرئيس، ولكنها تختلف في أشكال المعارضة ودرجتها وفي الأهداف.

وفي السياق، يبرز "اللقاء الوطني للإنقاذ" كمبادرة جامعة لأحزاب وشخصيات أقل راديكالية في مناهضة الانقلاب، بل إن من بين مكوناتها من يساند إجراءات 25 يوليو/تموز الماضي التي اتخذها سعيّد، بشروط، ويعارض منظومة الحكم المكونة من "النهضة" وحزب "قلب تونس" و"ائتلاف الكرامة"، ويبارك إزاحتها.

في المقابل، تعجّ الساحة السياسية بأحزاب يسارية واجتماعية وأخرى دستورية ومن فلول النظام السابق، التي تبارك الانقلاب في محاولة لإبعاد خصومها الأيديولوجيين، وفي مقدمة هؤلاء الخصوم حركة النهضة. وتأمل هذه الأحزاب في أن تجد موقعاً، بعد هدوء العاصفة التي يجهل الجميع موعد نهايتها.

خلافات أيديولوجية واسعة بين الأحزاب التونسية

في السياق، أكد القيادي في الهيئة التنفيذية لمبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، الحبيب بوعجيلة، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك أسباباً حقيقية على امتداد 10 سنوات، فرّقت القوى التي كانت مجتمعة في فترة مقاومة الاستبداد والنظام السابق".

وأضاف "بعد عام 2011، دخلت الحركة الديمقراطية في خلافات أيديولوجية واسعة النطاق، وفي خلافات تتعلق بالصراع على الحكم"، متابعاً "استثمرت المنظومة القديمة التي تصدّعت، وعدد من القوى الدولية المعادية للثورة في تونس وللانتقال الديمقراطي فيها، هذه الخلافات ودفعتها إلى أقصاها، إلى أن وصل المشهد إلى فترة استقطاب رهيبة عام 2013".

ولفت إلى أن "المنظومة القديمة استطاعت أن ترتّب صفوفها وتتسرب من بين خلافات الحركة الديمقراطية التي تواصلت، وكانت مسألة حركة النهضة والإسلام السياسي حاضرة بشدة في هذه الصراعات، إذ كان هناك تبرير يستند إلى حجة تغول حركة النهضة، بحسب البعض، مما أدى ببعض الديمقراطيين إلى التحالف مع خصوم الديمقراطية وأعدائها".

بوعجيلة: حركة النهضة لم تحسن معالجة صراعاتها وخلافاتها مع حلفاء الأمس من الديمقراطيين

وأشار بوعجيلة إلى أن "حركة النهضة لم تحسن معالجة صراعاتها وخلافاتها مع حلفاء الأمس من الديمقراطيين وأنصار الثورة".

وتابع "تواصل التباعد بين المعارضين وسط غياب مشروع وطني مشترك يُبنى عليه، ويمكّن القوى المعارضة من أن تتوحد في جبهة حكم مشتركة، من أجل الإنجاز الاجتماعي والاقتصادي"، مشيراً إلى أنه "كانت هناك محاولات بعد 2019، في حكومة الحبيب الجملي (حكومة تكنوقراط لم تر النور)، ولكن هذه المحاولات فشلت لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية".

وقال بوعجيلة "صدمة الانقلاب بعد 25 يوليو، واتجاه البلاد نحو حكم فردي يذكرنا بفترات الاستبداد، من المؤكد أنها ستحدث يقظة حقيقية في كل العقول التي تحكم حركة المعارضة الديمقراطية للانقلاب".

ولاحظ أن "المعارضة الديمقراطية لم تتوحد ولم تنفتح على بعضها في مربع كبير وجبهة واسعة".

ولكنه توقع أنه "مع مرور الوقت وببعض الشجاعة في المراجعات الفكرية والسياسية لكل الأطراف، وعلى رأسها حركة النهضة، سيتم الدفع بالحركة التونسية الديمقراطية المعارِضة إلى التوحّد على مشترك وطني يغلق قوس الانقلاب وينتقل بالبلاد إلى مرحلة الإنجاز الذي يستطيع أن يرسخ الديمقراطية في تونس".

مخاوف من عودة حركة النهضة إلى الحكم

ويبدو أن إمكانية عودة "النهضة" إلى الحكم وإلى تصدّر المشهد السياسي، تحول دون تجمّع المعارضين تحت سقف واحد، على الرغم من خطورة الوضع على كامل الطبقة السياسية التي أصبحت مهددة في وجودها ومشاركتها في المحطات السياسية المقبلة.

وهو ما ذهب إليه القيادي في "النهضة"، العجمي الوريمي، الذي اعتبر في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المانع من تجمع المعارضين لاستعادة الديمقراطية، هو أن عودة الديمقراطية تعني عودة النهضة إلى الحكم".

وأضاف "هذا هو الأمر الذي يتعلق عليه موقف الأطراف الديمقراطية الوسطية والجبهات المعارضة للتدابير التي اتخذها قيس سعيّد منذ 25 يوليو، والتي تأكد طابعها الانقلابي، إذ أصبح سعيّد حاكماً مطلقاً لا رقيب عليه، فيما أصبح الهرم القانوني مقلوباً على رأسه".

وأشار الوريمي إلى أن "الذين دعموا انقلاب 25 يوليو مثل التيار الديمقراطي وحركة الشعب والتيار الشعبي، يعتبرون أنهم أصحاب مصلحة في إزاحة حركة النهضة".

وأضاف "هؤلاء كانوا يحرّضون سعيّد على تفعيل الفصل 80 من الدستور وما يقتضيه من تجميع سلطات لفترة استثنائية مؤقتة، لعل ذلك التفعيل يُفقد النهضة ورئيسها الذي يرأس مجلس نواب الشعب (راشد الغنوشي) ولايتهما على السلطة التشريعية وهيمنتهما على المشهد السياسي"، مشيراً إلى أن "هذه الهيمنة تحققت بفضل نتائج الانتخابات (أكتوبر/تشرين الأول 2019)".

وتابع الوريمي "ومع أن بعض الداعمين لسعيّد بداية، غيّروا موقفهم لاحقاً وانضموا إلى معارضيه، بسبب استحواذه على جميع السلطات وانفراده بالقرار وبرسم خريطة طريق البلاد، فإن خشيتهم من تواصل هيمنة النهضة ومن عودتها إلى صدارة المشهد من الباب الواسع تزايدت، ولذلك تتردد بعض الأحزاب والرموز في إقامة تحالف علني وصريح مع الحركة لإسقاط الانقلاب".

واعتبر أن الخشية من عودة النهضة "تعززت خصوصاً بعد أن فشل سعيّد في تحقيق الحد الأدنى مما وعد بإنجازه، هذا فضلاً عن خطابه التقسيمي وتهجّمه على جميع الأطراف الداخلية والخارجية".

الوريمي: المانع من تجمع المعارضين هو أن عودة الديمقراطية تعني عودة النهضة إلى الحكم

وقال الوريمي إنه "على الرغم من أن ما قام به سعيّد يوم 25 يوليو، تم على حساب حركة النهضة، خصوصاً الإطاحة بحكومة هشام المشيشي المدعومة من حزام سياسي يضم الحركة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة، وتعليق اختصاصات البرلمان الذي يرأسه الغنوشي وتحتل فيه النهضة موقع الكتلة الأكبر، فإنه لم تتشكل إلى حد اليوم، قوة سياسية توازي النهضة وتحدث توازناً معها".

وأضاف "حتى بعض الائتلافات والجبهات التي أخذت تتلمس طريقها، مثل الائتلاف الوطني للإنقاذ بزعامة نجيب الشابي، أو التحالف الرباعي المكون من الحزب الجمهوري والتيار الديمقراطي وآفاق تونس والتكتل الديمقراطي، كانت محاولاتها مترددة ويقتصر عملها على تنسيق المواقف وإصدار البيانات وعقد الندوات الصحافية، في إطار رد الفعل على استمرار سعيّد في نهجه الفردي والاستبدادي أو ردها على تهجمه".

واعتبر المتحدث نفسه أنه "في مقابل ذلك، تحتفظ النهضة بمخزونها البشري وحاضنتها الشعبية المجتمعية وتماسكها التنظيمي وقدرتها التعبوية وجاهزية آلتها الانتخابية، إذ لم ينجح الانقلاب في زعزعتها على الرغم من مضايقتها والتضييق على تحركها الميداني، ويعود السبب في ذلك إلى اعتصامها بالشرعية".

وتابع "لكن على الرغم من ذلك، لم تبادر النهضة إلى تصدر المشهد أو تصدر المواجهة، بل اختارت عدم التصادم مع الانقلاب وعدم الانجرار إلى مربعات الصدام والعنف، وتجنبت صنع حالة استقطاب ثنائي بينها وبين سعيّد".

ولفت الوريمي إلى أن "النهضة تفهمت إرادة بقية معارضي الانقلاب، بترك مسافة أمان، أي البقاء مبدئياً في مستوى من التنسيق لا يبلغ مرتبة الإعلان عن جبهة سياسية واسعة مناهضة للانقلاب، والتدرج نحو هذا الهدف والتمهيد له بمراجعات جماعية وتدارك أخطاء العشرية، الواقعة ما بين حقبة الاستبداد والانقلاب".

وأشار إلى أنه "لم يخرج عن هذا المنطق في التعامل مع النهضة، إلا حلفاؤها السابقون (قلب تونس وائتلاف الكرامة وبعض الشخصيات المستقلة) وكذلك المكون السياسي الجديد؛ مواطنون ضد الانقلاب - المبادرة الديمقراطية، وهو الطرف الأكثر راديكالية في رفض الانقلاب وكامل مسار 25 يوليو".

ورأى الوريمي أنه "كان من المفترض أن تعمل الأحزاب السياسية بعد الثورة، وفق روح ائتلاف 18 أكتوبر 2005، الذي جمع الفرقاء السياسيين والإيديولوجيين في مواجهة استبداد نظام زين العابدين بن علي، ومهّد للانتفاضة الثورية التي أطاحت بنظامه لاحقاً".

وتابع "لكن النوازع الإيديولوجية عادت إلى السطح، وانزوت التيارات المتباينة داخل حصونها، وصاغت تحالفات على أساس التباين الإيديولوجي، ما خلق وضعاً غريباً، إذ وضعت أطراف يسارية حداثوية يدها في أيدي الثورة المضادة في أكثر من محطة، على حساب الديمقراطية الناشئة والمصلحة الوطنية العليا".

وأكد الوريمي أن "من شروط نجاح عودة الديمقراطية، تخلّي جميع الأطراف عن منطق الإقصاء، والعمل وفق أرضية مشتركة، وتحت سقف الدستور، إلى جانب مواصلة النهضة في خيار إفساح المجال لغيرها، والتراجع عن الصدارة، وترك هامش للمبادرة لحلفائها وشركائها المستقبليين، وعدم حرق المراحل في تجميع الصف الديمقراطي".

وشدد على أنه "يبقى موقف الاتحاد العام التونسي للشغل ودوره، حيوياً في تحرير مبادرة بعض الأحزاب التي ترغب في عودة الديمقراطية".

من جانبه، اعتبر رئيس المكتب السياسي لـ"ائتلاف الكرامة"، النائب يسري الدالي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الصراعات الأيديولوجية والاختلاف في تقييم عثرات الماضي والاعتراف بها، وضرورة القيام بالمراجعات، هو السبب الحقيقي وراء عدم التقاء المعارضين على طاولة التصدي للانقلاب".

اختارت النهضة عدم التصادم مع الانقلاب والانجرار إلى مربعات العنف

وأضاف "صحيح أن هناك تقاطعاً بين الديمقراطيين في رفض الاستبداد والرغبة في استعادة الديمقراطية والمؤسسات، ولكن ما زالت هناك صعوبات كبيرة في الوصول لبناء مشترك وقاعدة تجمع المعارضة، بسبب عدم قدرة بعض الأطراف على التعالي، وتجاوز خلافاتها الأيديولوجية من أجل المصلحة الوطنية العليا".

ورأى الدالي أن "تعدد المعارضين ليس نقطة سوداء، إذ إنهم حتى ولو لم يتجمعوا في جبهة واحدة، فإنهم يشتركون في قضية واحدة، وهي مناهضة الاستبداد، وهذا التقاطع يغذي روح المقاومة ولا يضعفها تماماً".

من جهته، رأى القيادي في "التيار الديمقراطي" نبيل الحجي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنه "ليس ضرورياً تجمّع المعارضة في جبهة واحدة، فأس الديمقراطية هو التنوع السياسي والحزبي وإلا لتجمعت في حزب واحد".

وأضاف أن "من أسباب عدم تجمع الأحزاب اليسارية والاجتماعية المتقاربة فكريا وعلى مستوى برامجها الاقتصادية والاجتماعية منذ 2011، أسبابا ذاتية وأخرى موضوعية منها تضخم الأنا الحزبي وحتى الأنا عند زعاماتها، وهو ما صعّب أي تقارب".

ولفت حجي إلى "أن التيار الديمقراطي لم يتحالف مع النهضة لا قبل 25 يوليو ولا بعدها، ولا يمكن أن ينسّق معها لأنه يعتبرها سبباً في تلويث الديمقراطية وفي تكريس ديمقراطية زائفة، والنهضة لم تحمِ الديمقراطية قبلاً حتى تساهم في استعادتها".

وادعى أن "النهضة ورئيسها راشد الغنوشي ما زالا يرفضان الاعتراف بما اقترفا في حق تونس طيلة عشرية، فكيف يمكن أن يؤسس هذا الحزب لإصلاحات وهو متورط ومسؤول عن الخراب الذي أصاب البلاد؟".

واعتبر أن "النهضة تتحمّل مسؤولية ما حدث في البلاد طيلة العشرية الماضية وهي تسعى لاستعادة موقعها وليس لاستعادة الديمقراطية"، مشيرا إلى أن "الدفاع عن حقوق وحريات منتسبي النهضة لا يعني تنسيقاً معها أو دفاعاً عن أخطائها السياسية".

وتابع "تعدد المسارات المناهضة للانقلاب، يمثّل عامل قوة، وليس تجميع كل الساحة الحزبية المتنوعة هدفاً في حد ذاته، بقدر ما أن توحدها على رفض الانقلاب عموماً هو الأهم".