تونس: جدل واسع حول أسس الحوار الوطني 

جدل واسع في تونس حول أسس الحوار الوطني: بديل جمهوري دون عودة لما قبل 25 يوليو

02 يناير 2023
يأمل التونسيون بخارطة طريق تبنى على المشترك (Getty)
+ الخط -

تشهد بداية هذا العام في تونس دعوات، من جهات مدنية وسياسية مختلفة، لإطلاق مشاورات تبحث مسارات حوار وطني ممكن، لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد.

وأمس الأحد، أعلن كل من "ائتلاف صمود" و"المسار الديمقراطي الاجتماعي" و"الاشتراكي"، البدء في "مشاورات مفتوحة، والعمل على توحيد الصّف الوطني الاجتماعي الدّيمقراطي، عن طريق حوار جدي ومسؤول بين مختلف مكوّناته، لتأسيس بديل جمهوري للإنقاذ، دون العودة لمنظومتي ما قبل 25 يوليو 2021".

وأبرزوا في بيان مشترك، أن "المشاورات ستكون مع مكوّنات الطّيف الدّيمقراطي والاجتماعي والجمهوري، من الشّخصيّات الوطنيّة ومنظّمات المجتمع المدني، والتنظيمات الجماهيرية والحقوقية والشبابية والنسائية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتهدف إلى إيقاف مسار 25 يوليو".

والأسبوع الماضي، كشف الأمين العام، المستقيل من التيار الديمقراطي، غازي الشواشي، وجود مبادرة سياسية أخرى لعدد من الشخصيات الوطنية لإطلاق حوار وطني، دون توضيح تفاصيلها.

الطاهري: نحن نتمنى أن يكون الحوار في نطاق التواصل مع أجهزة الدولة، ولكن إذا كان الرئيس رافضاً، فلن نقبل بالبقاء في وضعية المتفرج

وتبقى مبادرة "الاتحاد العام التونسي للشغل" هي الأبرز. وكان المتحدث الرسمي باسم الاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري قد أكد، في حديث سابق لـ"العربي الجديد"، أن "المنظمات الوطنية المتمثلة في الاتحاد، وعمادة المحامين، ورابطة حقوق الإنسان، ستعقد اجتماعاً بعد رأس السنة، وسيجري خلاله بلورة بداية مقترحات، وبحث آليات الحوار والمشاركين فيه، وغيرها من التفاصيل".

وقال الطاهري "في هذه المرحلة الأولى، انطلقت المشاورات بين هذه المنظمات الثلاث، وقد تتوسع إلى جمعية النساء الديمقراطيات، ونقابة الصحافيين، وغيرها، وربما فيما بعد ستتم دعوة الأحزاب"، مستبعداً "الاتصال حالياً بمنظمة رجال الأعمال، باعتبارهم لم يتفاعلوا وهم في غياب كلي".

وحول موقف الرئيس التونسي قيس سعيد، الذي جدد التأكيد على أنه "لا عودة للوراء" في آخر موقف له، الأربعاء الماضي، وتأكيده المضي قدماً في برنامجه، قال الطاهري: "نحن نتمنى أن يكون الحوار في نطاق التواصل مع أجهزة الدولة، ولكن إذا كان الرئيس رافضاً فلن نقبل بالبقاء في وضعية المتفرج، وبالتالي نحن نرغب في أن يقبل الحوار، ولكن هذه المرة ليس كما حدث سنة 2020 عندما قدمنا له مبادرة وافق عليها، ثم أضاع سنتين ونحن على أبواب 2023 ولم نتقدم أي خطوة".

بن مبارك: أي خارطة طريق ينبغي أن تكون مجمِّعة وتبني على المشترك

وبخصوص رفض الرئيس المحتَمل المشاركة في الحوار، وإمكانية الذهاب في الحوار دون الرئيس قيس سعيد، قال الطاهري: "من المتوقع جداً ذلك إذا كان هو مصراً على عدم إجراء أي حوار".

 وتبدو كل هذه المبادرات وكأن مرحلة ما بعد قيس سعيد قد انطلقت فعلاً، وهو ما قد يبدو غريباً ومتسرعاً بعض الشيء، خصوصاً أن بعضها يعكس سعياً واضحاً لتموقع سياسي، ومحاولة لفرض حوار وطني على المقاس، يحدد نوعية المشاركين والمُبعدين. 

ويؤكد القيادي في "جبهة الخلاص" جوهر بن مبارك، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هناك موسماً للمبادرات، وكأن هناك استشعاراً أن شيئاً ما سيحدث قريباً، أو ربما توقعات في هذا الاتجاه، خاصة بعد نتائج الانتخابات"، مؤكداً أن "هناك مبادرات لها معقولية ومنطق، وترى أن أي عودة للشرعية لا تكون إلا انطلاقاً من دستور 2014، ولكن هذه الرؤية برأيي فيها نوع من المغالاة، لأنها لا تعترف بوجود واقع جديد في البلاد، ولا تأخذ بالحسبان الخلافات الموجودة في الصف الوطني حول هذه المسألة لأنها خلافية، ونحن نعتقد أن أي خارطة طريق ينبغي أن تكون مجمِّعة، وتبني على المشترك".

وأضاف: "هناك محاولات أخرى لمبادرات في الاتجاه المعاكس، ربما تتحدث عن إنقاذ منظومة 25 يوليو 2021 وهي مبادرة موجهة للرئيس سعيد، الغاية منها التمديد في عمر الانقلاب وإدخال تحسينات، سواء دستورية أو عبر تغيير حكومي، وهناك أيضاً مبادرات أخرى لشخصيات وطنية مستقلة تريد تقديم مبادرات للطبقة السياسية".

وأوضح بن مبارك أن "موقف جبهة الخلاص هو الذهاب لانتخابات رئاسية مبكرة... وهذا يعني عدم المرور بفترة انتقالية طويلة، وتمكّن التونسيين من اختيار المسارات"، مؤكداً أن" البلاد في مفترق طرق، ومن حق التونسيين والتونسيات التحكّم في العملية عبر صناديق الاقتراع".

وبين بن مبارك أنه "جرى خلال الفترة الماضية الحديث عن الحوار الوطني وحكومة الإنقاذ، لكن هذه الصيغة لم تجد تجاوباً من التونسيين، وأعطت الانطباع وكأنها ترتيب لأوضاع الطبقة السياسية، وتجعل التونسيين متفرجين في العملية وليسوا فاعلين، ولكن الانتخابات الرئاسية سترجع التونسيين إلى مربع الفعل والقرار، وهم سيحسمون هذه المسألة".

وأوضح أن الإصلاح يبدأ بانتخابات رئاسية يُشرف معها الرئيس الجديد على عملية إصلاح دستوري وحوار وطني تشاركي، تشرف عليها لجنة علمية، تعرض على استفتاء شعبي، بمرجعية دستور 2014 وبصفة معدلة، وينتهي بانتخابات تشريعية، و"بذلك نكون أغلقنا قوس الانقلاب في ثلاث محطات واضحة يحددها صاحب السيادة، الشعب".

وأفاد بأنه "لا وضوح حالياً حول مبادرة اتحاد الشغل... حتى نتفاعل معها، وما يعرف حالياً أن اتحاد الشغل يبحث عن شركاء مدنيين لتقديم مبادرة من المجتمع المدني دون إشراك الأحزاب السياسية، لكن لمن سيتوجّه بالمبادرة؟ هل سيتوجه بها إلى قيس سعيد؟ ... أو ستكون موجهة للمجتمع السياسي التونسي نحو إيجاد حل لإسقاط الصيغة الحالية، ما يعني انتخابات مبكرة؟ برأيي لا بد أن ننتظر حتى يتضح كل هذا".

الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي أوضح، في تصريح لـ"العربي الجديد "، أن الأرضية لم تتغير مبادئها، وهي مواجهة الانقلاب الذي جرى على الدستور، مؤكداً أن "المطلوب هو حوار وطني بمشاركة الأطراف المدنية والاجتماعية والسياسية والخبراء للبحث في خطة وسقف زمني لعودة الشرعية، والذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية بإشراف حكومة إنقاذ وطني".

وتابع: "قيس سعيد وضع نفسه خارج هذا المسار، لأنه لا يؤمن بالحوار وانقلب على الدستور، ولم يفهم حتى رسائل المواطنين تجاه المسار الذي قاده من 25 يوليو 2021 إلى الآن، وأكثر من 90 بالمائة قاطعوا الانتخابات، ولكنه أصرّ على أن 9 بالمائة أفضل من 90 بالمائة".

الشابي: الديمقراطية قوامها الأحزاب السياسية، والتمشي الذي يعتمد على المجتمع المدني أولاً، ثم الأحزاب في مرحلة ثانية، مضيعة للوقت

وأوضح الشابي أن "سعيد خارج الحوار الوطني، وأي مبادرة تطرح وتُعرض من جديد على الرئيس هي إهدار للوقت، لأنه لم يتغير شيء، فقد تقدم الاتحاد منذ عامين بمبادرة أثنت عليها جل الأطراف والقوى الوطنية، ودعا رئيس الجمهورية للإشراف عليها لكنه رفض، بل تمادى في تفكيك مؤسسات الدولة، وفي محاصرة الرأي المخالف، واعتبار من يخالفه من المتآمرين يجب تصفيتهم، وسعيد يمارس سياسة الهروب للأمام بدل مراجعة تمشيه، وبالتالي لا مجال لأي محاولة للعودة".

وأضاف: أنه رغم النوايا والمبادرات، ومنها مبادرة الاتحاد "لا يمكن أن تقتصر المشاورات على المجتمع المدني، لأن الديمقراطية قوامها الأحزاب السياسية، والتمشي الذي يعتمد على المجتمع المدني أولاً ثم الأحزاب في مرحلة ثانية مضيعة للوقت، وتونس ليس لديها الكثير من الوقت لإهداره، والذهاب بالمبادرة إلى رئيس الجمهورية ستخسر تونس معه وقتاً ثميناً، ولا يمكن البقاء رهين رفضه مجدداً".

وعن الخلافات الكبيرة التي تشق الأحزاب السياسية، وتأثير ذلك على المسارات التفاوضية، ورفض بعضها مشاركة البعض الآخر، قال الشابي، إن "الأحزاب للأسف تخوض معاركها القديمة بأدواتها القديمة، دون أن تأخذ بعين الاعتبار الوضع الذي عليه البلاد"، مؤكداً أن "الجميع يتحدث عن الحوار، ولكن العديد من الأحزاب، مثلها مثل قيس سعيد، كل يعتبر نفسه الجهة الناجية ويرفض الآخر".

وأفاد الشابي أن الحزب الجمهوري "مستعد للجلوس مع الجميع، بما في ذلك جبهة الخلاص، وكل شيء مطروح على الطاولة مع الأحزاب الديمقراطية، ومطروح الالتقاء مع الجميع دون استثناء"، مبيناً أنه "في الحزب الجمهوري يتناقشون مع جميع الأصدقاء، والمسؤولية تقتضي التحرك بروح جديدة".

وفي تصريح صحافي لموقع الصباح، قال الأمين العام المستقيل من حزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي، إن "المبادرات التي تضع نفسها تحت سقف 25 يوليو وتطالب بالحوار مع رئيس الجمهورية، للأسف، سيكون مآلها الفشل، نحن في حاجة للحوار، ولكن لن يكون ذلك مع رئيس رافض للحوار، ومنقلب على دستور البلاد، ويكرّس نظام الفرد الواحد".

المساهمون