تونس… إذا تأسست الجبهة لمواجهة "الديكتاتورية الزاحفة"

تونس… إذا تأسست الجبهة لمواجهة "الديكتاتورية الزاحفة"

24 ابريل 2022
تظاهرة ضد إجراءات سعيّد في تونس، 10 إبريل (ياسين القائدي/الأناضول)
+ الخط -

تستمرّ المعارضة التونسية في البحث عن "وحدتها" الضائعة، وفي المقابل لا يزال الرئيس قيس سعيّد وأنصاره يستغلون حالة التشتت والارتباك لدى خصومهم لدفنهم وهم أحياء.

ففي آخر خطاب ألقاه الرئيس أمام قوات الأمن، يوم الأربعاء الماضي، وصف معارضيه بـ "الأوس والخزرج"، حتى يعمّق الفرقة بينهم، ويزيد في عزلهم وإشعارهم بأن لحظة الانزواء في بيوتهم وملازمة الصمت قد حانت. وإن أرادوا الصراع فأجهزة الأمن والجيش ستواجههم بـ"القانون"، أما إذا اختاروا الهجرة فلهم ذلك حتى ينساهم التونسيون ويمحونهم من ذاكرتهم.

الأكيد ضمن السياق الراهن أن صدر الرئيس أصبح ضيقاً وهو يراقب معارضة تتوعده بالمحاسبة، وتعمل على إضعافه وربما تفكر في عزله بطرق سياسية وسلمية، كما ورد على لسان أكثر من طرف.

الشابي وتوحيد المعارضة التونسية

في هذا السياق، تبرز مبادرة أحمد نجيب الشابي، الذي قضى معظم حياته معارضاً لمختلف الرؤساء الذين حكموا تونس من الحبيب بورقيبة إلى قيس سعيّد. طلب الشابي من مختلف الأحزاب والشخصيات المناهضة لرئيس الدولة أن تؤجل خلافاتها وحساباتها، وأن تضع اليد في اليد من أجل الضغط على الرئيس، ودفعه نحو التراجع عن إجراءاته الاستثنائية واستئناف المسار الديمقراطي.

وقد لقيت هذه الدعوة ترحيباً من بعض المعارضين، لكنّ أطرافاً أخرى استهجنت الفكرة، أو اعترضت على مسألة تعتبر مهمة وأساسية، مع تأكيد أحزاب مثل "التكتل" و"التيار الديمقراطي" و"الجمهوري" و"آفاق" على أنها مناهضة كلياً للرئيس سعيّد وسياسته، إلّا أنّها غير مستعدة للتحالف من جديد مع حركة النهضة، وترفض أن تضع يدها بيد رئيسها راشد الغنوشي الذي تحمّله جزءاً مهماً من الانهيار السياسي الحالي.

 رئيس الدولة منفعل هذه الأيام بسبب اللقاء الذي جمع الشابي برئيس حركة النهضة

رئيس الدولة منفعل هذه الأيام بسبب اللقاء الذي جمع الشابي برئيس حركة النهضة، وهو أمر لم يقرأ له حساباً. إذ بين الرجلين خصومات كثيرة، وعداوة سياسية عمّقتها السنوات الأخيرة التي قضتها هذه الحركة في السلطة.

لكن مع ذلك، راجع الشابي موقفه، واعتبر أنّ "الخطر الداهم حالياً هو قيس سعيّد"، ورفض علناً ما سمّاه بـ"شيطنة النهضة" التي رأى فيها "أهم رقم يدافع عن الديمقراطية الانتخابية الآن".

واعتبر أنّ التعاون بين جميع الأطراف، بمن فيهم النهضة وحتى رئيسة الحزب "الدستوري" عبير موسي، هو الطريق الوحيد لإلزام قيس سعيّد بتغيير موقفه والتخلي عن المسار الذي يسلكه حالياً.

هذا التحول في موقف الشابي، اعتبره سعيّد غير "طبيعي"، وينمّ عن انتهازية عالية، ورأى في اللقاء الذي جميع النقيضين من جديد لمحاربته والوقوف في وجهه، شبيها بما حصل مع الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، عندما تشكّلت هيئة 18 أكتوبر (إطار عمل سياسي شكّلته أطراف سياسية عدة في 24 ديسمبر/كانون الأول 2005 معارضة لنظام بن علي، وأخذت اسمها من تاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول 2005 تاريخ بداية إضراب 8 معارضين عن الطعام)، التي جمعت إسلاميين ويساريين وليبراليين.

لهذا، علق سعيّد على ذلك بالقول "كانوا خصماء الدهر كالأوس والخزرج فصاروا اليوم حلفاء". وأضاف "من أراد زرع بذور الفتنة أو إعلان حكومة موازية فليلتحق بالمنفى".

خطوات تنظيمية لمعارضي قيس سعيّد

قد يتطلب تجميع المعارضات كلها ضمن جبهة واحدة الكثير من الوقت، وقد لا يحصل ذلك مطلقاً، لكن المؤكد أن جزءاً من اللاعبين أصبحوا أكثر إيماناً من أي وقت مضى بضرورة التعجيل بإعلان هذه الجبهة، وهو أمر سيحصل بالتأكيد خلال الأسبوع المقبل، إذ ستتشكل هيئة تنسيقية تجمع عدداً من الأطراف الفاعلة على الأرض.

وستشرع هذه الجبهة في التحرك الاحتجاجي الميداني، وستدخل في اشتباك متواصل مع السلطة وأجهزتها. وإذ يصعب التكهن بما يمكن أن يترتب على ذلك من نتائج، لكن الأكيد أن بناء هذا الجسم الكتلوي سيشكل رقماً سياسياً جديداً قد يجذب اهتمام الرأي العام الداخلي والخارجي طيلة الأشهر المقبلة.

هذه الأشهر التي ستتسارع الأحداث خلالها بشكل ملحوظ، بعد أن قرر سعيّد الاستحواذ كلياً على الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، من خلال إصدار مرسوم يسوغ له التحكم في هذه الهيئة، التي تعتبر من أهم الإنجازات التي تحققت بعد الثورة، والتي بفضلها، على الرغم من عديد الأخطاء والهنات، أضفت على الانتخابات التشريعية والرئاسية قدراً من المصداقية بعد أن تم تزوير نتائجها طيلة الحقبة السابقة للثورة.


يخشى سعيد تكرار تجربة هيئة 18 أكتوبر التي واجهت بن علي

هناك سباق زمن بين المعارضة والرئيس، فهو يريد أن يجهز على ما تبقى من المؤسسات التي تشكلت بعد الثورة ليتحكم في الدولة والمجتمع. لهذا يعمل على أن يعجل بتنظيم الاستفتاء الذي سيرى فيه تفويضاً مطلقاً له، وسيجعل منه رئيساً وزعيماً غير قابل لأي شكل من أشكال الشراكة في الحكم.

وسيؤسس بناء على ذلك دستوراً جديداً، وسينظم انتخابات كما يريدها لتفرز برلماناً غير قادر على التمرد لأنه لن يكون سلطة مستقلة. وهو ما وصفته تنسيقية الأحزاب الاجتماعية الديمقراطية في بيان مشترك بـ"الديكتاتورية الزاحفة".

تقارير عربية
التحديثات الحية