تواصل حملات التضييق في تونس وسط صمود المعارضة

تواصل حملات التضييق في تونس وسط صمود المعارضة

04 ديسمبر 2023
تتواصل الملاحقات السياسية في تونس (شاذلي بن إبراهيم/ Getty)
+ الخط -

تتواصل حملات التضييق في تونس عبر الملاحقات والاعتقالات ومساعي تكميم الأفواه والتنكيل بالمعارضين، وعائلاتهم، فيما يواصل الرئيس التونسي، قيس سعيّد، إطلاق التهديدات، التي قال في آخرها "ليفهموا للمرة الأخيرة أن صواريخنا ما زالت على منصات إطلاقها، وتكفي إشارة واحدة لتنطلق لتضربهم في أعماق أعماقهم".

وقال كذلك في لقاء مع بعض وزراء حكومته، إنه "مستعد لتطهير القضاء مرة أخرى"، في تلميح إلى أنه قد يقوم بحملة إقالات جديدة في صفوف القضاة، "إذا لم يقوموا بدورهم التاريخي في تطهير البلاد"، من زاوية فهمه الخاصة طبعاً لتطهير البلاد.

وفي هذا الصدد، تمثُل المحامية التونسية، دليلة مصدق، غداً الثلاثاء، مُجدداً أمام قاضي التّحقيق للاستماع إليها في قضية ثانية بسبب تصريحات أدلت بها حول قضيّة المعتقلين السياسيّين في برنامج تلفزيوني.

ومصدق هي واحدة من أهم الأصوات في هيئة الدفاع عن المعتقلين والمعارضين للانقلاب، ويُحال معها في القضية الصحافي برهان بسيس، مقدم البرنامج.

وأصدرت "جبهة الخلاص الوطني" المعارضة، بياناً، اعتبرت فيه أن "إحالة مصدق، بعد إحالة كلٍّ من الأستاذة إسلام حمزة والأستاذ عبد العزير الصيد، المُحاميَين، إلى التحقيق من أجل تصريحات إعلامية أدلوا بها حول قضية المساجين السياسيّين، إنما يُمثّل إمعاناً في محاصرةِ حرية التعبير، واستهدافاً للمحامين بهدف إخراس أصواتهم، في انتهاكٍ صارخ للحصانةِ التي منحها القانون للسان الدفاع".

الصغير: الخطابات وحدها لا تكفي

تعليقاً على ذلك، قال القيادي في "الحزب الجمهوري"، وسام الصغير، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "المشهد يتسم بالاستبداد والنزوع إلى الديكتاتورية، ولا وجود لخطاب يبحث عن حلول للأزمة التي تمر بها البلاد، كما لا يوجد أي تغيير في المنوال الاقتصادي ولا في السياسات المالية رغم الخطابات التي تقول شيئاً وتمارس عكسه، بل يوجد خطابات التهديد والتوعد وتلفيق التهم للناشطين السياسيين من حقوقيين ونقابيين ورجال أعمال وعدد من المسؤولين الذين تقلدوا مسؤوليات في مؤسسات الدولة".

واعتبر الصغير أن هذا "الخطاب الشعبوي غايته تخدير العقول، ولكنه ساقط لا محالة لأن الخطابات وحدها لا تكفي، إذ لا بد من برامج ومشاريع".

وعن انقسام المعارضة وتشتّتها، واستغلال سعيّد هذا العامل، قال الصغير إن "الاستبداد يقتات من الأزمات والمحن، واليوم نعيش أزمة متعددة الأبعاد، داخل أروقة الحكم، وحتى داخل المعارضة وداخل الحركة الديمقراطية بمختلف توجهاتها، النقابية والمدنية".

وأردف "الفتور لم يضرب النخب السياسية فقط، بل جزءاً من المجتمع التونسي أيضاً، ولا يمكن حصول تغيير إن لم تبرز فئة تشتغل وتعمل لترفع صوتها لتحقيق الديمقراطية، وبالتالي نعيش فترة أزمة ومحنة مثلما عشناها في الثمانينيات والتسعينيات، ولكنها لن تدوم سنوات مثل السابق".

وعن حقيقة أسباب الانقسامات بين المعارضة، وإن كانت بسبب الخلاف مع حركة النهضة والإسلام السياسي، قال الصغير "هذا يجب أن يتم الإقرار به، فالإسلام السياسي جهّز المناخ والأرضية لـ25 يوليو 2021 (تاريخ بدء خطوات الرئيس التونسي في الاستفراد بالحكم)، بمعنى أنه لم يحسن التعامل مع 10 سنوات من الانتقال الديمقراطي، وأفقده مضامينه المعنوية، وجعله قائماً على التناكف الانتخابي السطحي".

وتابع "فقد طبّعوا مع الاستبداد ومع المنظومة القديمة، وجرى نسف مفهوم العدالة الانتقالية، وعقد تحالفات على شكل صفقات مما نتج عنه ثقافة فعل سياسي قائم على الربح والخسارة، وهو ما عفّن المشهد، وسهّل صعود الشعبوية التي اخترقت المشهد بسهولة"، مستدركاً بالقول "صحيح هناك محنة وتكلفة ستدفع، ولكن هذه المرحلة ستطوى، لأن الاحتقان الاجتماعي وتعمق الأزمة ووجود ضمائر تتمسك بالديمقراطية ضد الديكتاتورية ستطوي الصفحة على المدى المتوسط".

الحامدي: تصحير للحياة السياسية

أما الوزير السابق، محمد الحامدي، فاعتبر في تصريح لـ"العربي الجديد" أن ما يحدث هو "حالة تجريف وتصحير للحياة السياسية، عبر استهداف الفضاء العمومي بغاية غلقه، وإخراس كل الأصوات المعارضة والمختلفة مع السلطة، وهو واضح منذ 25 يوليو 2021، بإغلاق المؤسسات الدستورية ومجلس النواب والمجلس الأعلى للقضاء، وضرب استقلالية القضاء، واستهداف المعارضين والمجتمع المدني والصحافيين".

وتابع "أعتقد أن المقاومة موجودة والقوس الذي فتحته الثورة لن يغلق، وتونس التي بدأت الثورات العربية، ستستعيد الموجة الثانية، وستستأنف الحياة الديمقراطية ولو بعد حين، وهذه الفترة الاستبدادية التسلطية هي أقرب للعبث، وستكون كلفتها غالية، ولكنها ستنتهي حتماً".

وأفاد الحامدي أن "هناك حالة تشظٍّ وتشرذم في المعارضة، ما بين الأحزاب والمنظمات الوطنية الكبرى، ولكن السلطة نفسها ستساعدنا وتدعمنا في توحيد المعارضة، عبر استهدافها للجميع، لأنها لن تترك لهذه الكيانات من حل لوجودها سوى التوحد".

وتابع "وهي ستطاول حتى الذين انتسبوا لما سُمي بالمساندة النقدية، ومن ساند 25 يوليو، وستدفعهم بالممارسات التسلطية وبعجزها في الأداء الاقتصادي والاجتماعي إلى التوحد، لأن هؤلاء يلاحظون أن البلد يغرق بسبب العجز وتفاقم ذلك بقمع الحريات".

وبين الحامدي أن "هذا النظام فاقد لشروط الاستدامة، وليس له سوى القوى الصلبة لاستدامته، وعلّمنا التاريخ أن هذه القوى حبلها قصير، وهذا النظام لا يمتلك شروط الديمومة، وعادة الأنظمة الاستبدادية أنها توزع الغنيمة وتوزع القمع، ولكن هذا النظام لا يوزع سوى القمع، وليس لديه آليات لخلق أصدقاء، بل هو يومياً يوسع جبهة خصومه".

وعن العامل الدولي، شدد الحامدي على أن "القناعة راسخة" منذ زمن الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بأن "هذا الغرب ليس معنياً بأن نتحول إلى أنظمة ديمقراطية، بل إنه يرى أن مصلحته مع الأنظمة الديكتاتورية التي يبتزها، لأنه يجد صعوبة في تطويع الديمقراطية".

وأضاف "أنا لا أعول على الغرب في دعم الديمقراطية، وأعلم حجم التوظيف الغربي لهذه القضية، واعتقادي أن المقاومة في غزة عرّت الغرب وعرّت كذلك كل هذه الأنظمة العربية الفاشلة غير القادرة على الدفاع عن نفسها، ونحن أمام مفارقة مفادها أنه حيثما غابت الدولة حضرت المقاومة".