تعقيدات المعركة ضد "الشباب": خريطة الانتشار وضعف استراتيجية الحكومة

تعقيدات المعركة ضد حركة الشباب: خريطة الانتشار وضعف الاستراتيجية الحكومية الصومالية

30 اغسطس 2022
من تدريبات للجيش الصومالي قبل أيام (إرسين أورتورك/الأناضول)
+ الخط -

فيما كانت تدور معارك ضارية بين القوات الصومالية وحركة الشباب وسط البلاد، أدى هجوم الحركة على فندق "الحياة" وسط العاصمة مقديشو قبل نحو أسبوع إلى إعلان السلطات استعدادها لفتح معارك مع الحركة في كل البلاد. إلا أن هذا الأمر قوبل بالتشكيك من قبل خبراء، شددوا على ضرورة استحداث استراتيجية أمنية جديدة لضبط الأمن في البلاد.

وكان هجوم "الشباب"، المرتبطة بتنظيم القاعدة، على فندق "الحياة" في مقديشو في 19 أغسطس/آب الحالي، والذي استمر لأكثر من 30 ساعة، أدى إلى مقتل 30 شخصاً وجرح 117، بينهم مدير أمن مخابرات العاصمة محيي الدين شطور.


دعا وزير الدفاع الصومالي القبائل إلى أن تحذو حذو قبائل إقليم هيران لمحاربة الشباب

وفجّر هذا الأمر غضب الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود، الذي شدد على ضرورة إنهاء تمرد حركة الشباب التي تنشط وسط الصومال وجنوبها، بعد ظهورها على الساحة في العام 2006.

وفي حين تزايدت هجمات "الشباب"، أخيراً، في منطقة القرن الأفريقي، خصوصاً في إثيوبيا وكينيا، عبر شن هجمات عصابات، فإن الحركة تراجعت وسط الصومال، بعد أن انتزعت القوات الحكومية ومليشيات قبلية مسلحة السيطرة على 10 بلدات وقرى في إقليم هيران من يد "الشباب".

وأعلن مصدر عسكري حكومي، الأربعاء الماضي، مقتل نحو 150 عنصراً من الحركة في اشتباكات في الإقليم منذ نهاية يوليو/ تموز الماضي.

نفوذ ميداني لحركة "الشباب"

وتنتشر "الشباب" في عدة أقاليم في الصومال منذ ظهورها على الساحة في 2006، حيث تسيطر بشكل كامل على إقليم جوبا الوسطى، وقرى وبلدات في إقليم جوبا السفلى، هذا إلى جانب انتشار عناصرها من جنوب البلاد إلى وسطها، حيث تسيطر على مدن مطلة على المحيط الهندي في إقليم جلمدغ.

كما تسيطر الحركة على مدينة حررطيري الساحلية وعيل طيري وعيل بور في إقليم جلمدغ وسط البلاد. وينتشر عناصرها في إقليمي شبيلي السفلى والوسطى، من دون سيطرة على المدن الرئيسية فيهما. وتحاول "الشباب" عبر شن هجمات على القوات الصومالية في المدن، التي لا تخضع لسيطرتها، إجبارها على مغادرتها.

أما في إقليم باي وبكول جنوب الصومال، فإن عناصر "الشباب" يتمركزون على مقربة من المدن الكبيرة، خصوصاً بيولي وعيل بردي. وتنشط الحركة في إقليم جدو في المناطق القريبة من الحدود الكينية والصومالية، حيث تشن هجمات على قوات هاتين الدولتين. وتملك حركة "الشباب" معاقل لتدريب عناصرها في ثلاث جزر في إقليم جوبالاند.

انطلاق عملية ضد "الشباب" وسط البلاد

وقال وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور، الخميس الماضي، أمام حشد من القوات المسلحة في منطقة هيس بإقليم هيران، إن "انطلاق العملية العسكرية في هذه المنطقة سيكون بداية لتحرير كامل التراب الصومالي من حركة الشباب، التي استباحت دماء الأبرياء ونهبت أموال المواطنين وهتكت أعراضهم".

وأشار إلى أن من "واجب المليشيات العشائرية المحلية (مليشيات مسلحة انتفضت ضد "الشباب" منذ العام 2017، تنديداً بفرضها الإتاوات وتجنيد الأطفال)، حماية أمن المناطق التي يتم تحريرها من قبضة الحركة".

حسن محمد: لم نلمس على أرض الواقع استعانة الصومال بشركائه الأجانب والقوات الأفريقية لقطع دابر الحركة

وأكد أن "القوات المسلحة ستواصل مطاردة فلول الحركة في المدن والأقاليم الأخرى في البلاد، وأن حرب المليشيات العشائرية ضد عناصر الحركة، هي التي أدت إلى تدخل الجيش الصومالي لدعم ومساندة سكان القرى والبلدات التي انتفضت ضد أعمال حركة الشباب".

وقال محمد نور: "نبعث برسالة للقبائل الصومالية مفادها أن عناصر حركة الشباب لا يتواجدون في المناطق والمدن بعدد كبير، وعلى القبائل أن تحذو حذو قبائل إقليم هيران لمحاربتها وطردها من مناطقها والتحرر منها. ولن نقبل أن تكون بعض القبائل حاضنة لعناصر الشباب، ولا يمكن السماح لهم بالعيش تحت كنف هذه الحركة". وأعلن أن الحكومة الصومالية "مستعدة لدعم القبائل للقضاء عليها".

وفي السياق، قال رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال أدواي يوسف راغي، من ساحة الجبهة، إن "عنف حركة الشباب لا يميز بين صغير وكبير، ولا امرأة أو رجل مسن، ولا عسكري عن مدني، ولهذا يجب على القوات المسلحة دحر هذه الحركة".

ودعا راغي أفراد القوات المسلحة إلى مضاعفة جهودهم وعدم الاستسلام للظروف المحيطة بالعملية العسكرية ضد "الشباب". وقال: "قطعتم 200 كيلومتر سيراً على الأقدام من أجل تقويض نفوذ هذه الحركة، حتى يعم السلام في أراضينا ونوفر الحماية والأمن للمواطنين ولإخواننا. لا نحمل أهدافاً خاصة، وغايتنا هي تحرير بلادنا من العدو".

وأكد أن القوات المسلحة ستطارد فلول "الشباب" حتى في الأحراج، وأن العملية ستستمر حتى يتحقق الأمن في البلاد، ونفك حصار الحركة المفروض على المدن، ويتمكن الجندي الصومالي من العيش بحرية دون خوف من أحد.

من جهته، حث رئيس الوزراء الصومالي حمزة عبدي بري، المجتمع الدولي على مساعدة حكومته في محاربة حركة "الشباب". وقال في كلمة له، الأحد الماضي، خلال القمة اليابانية الأفريقية التي عُقدت في تونس، إن الصومال أحرز تقدماً على الرغم من التحديات الهائلة المتمثلة في انعدام الأمن والإرهاب والتضخم والجفاف الذي طال أمده.

وكان رئيس الوزراء الصومالي قد زار إقليم هيران الخميس الماضي، لمتابعة تطورات المعارك بين القوات الحكومية والحركة والمتواصلة منذ أكثر من شهر.

طرد "الشباب" من مناطق كثيرة

وقال عبدي بري، في مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس إقليم هرشبيلي الفيدرالي علي جودلاوي في مدينة بلدوين وسط الصومال، إن "القوات المسلحة تمكنت من طرد حركة الشباب من مناطق كثيرة وعلى بعد 150 كيلومتراً، ولا تزال تطارد عناصرها في الأدغال والغابات"، ملمحاً إلى إمكانية تحرير كامل البلاد من "الشباب" في غضون عام.

وأشار إلى أن "نهضة الصومال اقتصادياً وتحسن أمنه رهن بالقضاء على حركة الشباب التي تعرقل استقرار البلاد، وأن الكبوة الأمنية التي يعاني الصومال منها ستنتهي قريباً مع بدء الحرب ضد الحركة، وذلك من خلال الاعتماد على أفراد الجيش الصومالي لإنهاء المعضلة الأمنية".

شريف حسين: لا تتوافر حتى الآن استراتيجية حكومية لهزيمة الشباب

وأكد أن الحكومة الصومالية ستوفر كل الدعم للجيش الصومالي من أجل التغلب على هذه الحركة، "التي تقتل الأبرياء وتروع المدنيين، وتستهدف العزل في كل مرة يتعرضون فيها لهزيمة عسكرية على أيدي القوات المسلحة. لكن بلا شك ستنتهي هذه النكبات الأليمة بانتهاء هذه الحركة قريباً".

وتأتي زيارة عبدي بري ووزير الدفاع إلى إقليم هيران وسط البلاد، بعد ساعات من اعتبار حسن شيخ محمود، أن "هدف حركة الشباب ليس محاربة الدولة فقط، بل ترويع الشعب الصومالي ونهب أمواله. ولهذا قطعت على نفسي منذ مجيئي إلى مكتب الرئاسة الصومالية في مايو/أيار الماضي وعداً بمحاربة هذه الحركة".

ووصف الرئيس الصومالي عناصر "الشباب" بـ"الخوارج"، وأن دواءهم يكمن في محاربتهم ومحوهم من الوجود، مشيراً إلى أن الحرب ضد الحركة بدأت في أقاليم جملدغ وهرشبيلي وجنوب غربي الصومال.

وأوضح شيخ محمود أن "الحركة تمارس أعمالاً عدائية ضد الشعب، فيحاصرون الضعفاء والأبرياء الذين هم بحاجة إلى إغاثة". وأشار إلى "أنهم في كل مرة يتعرضون لهزيمة من قبل القوات الصومالية يعودون لممارسة جرائمهم ضد الشعب، وأعمالهم الوحشية إن هي إلا الرقصة الأخيرة للشاة المذبوحة".

وأعلن أنه "يدرك أن الشعب ملّ من تصريحات التعازي التي تعقب كل تفجير انتحاري، ونعلم أيضاً أن الكثير من الأبناء يُفقدون نتيجة جرائم حركة الشباب التي تستهدف الأبرياء، ولهذا فإن الصومال سيتغلب على هذا العدو، والدولة لن تستسلم حتى تحقق العدالة والرخاء لشعبها". لكنه أشار إلى أن "مكافحة حركة الشباب تحتاج إلى بذل مزيد من الجهود والتضحيات والتحلي بالصبر".

ضرورة وضع خطط استراتيجية لدحر "الشباب"

ورأى محللون أن دحر حركة "الشباب" لا يكمن فقط في حشد الرأي العام ضدها، بل يتحقق في مواجهتها عسكرياً، من خلال إعادة ترتيب صفوف القوات المسلحة ووضع خطط استراتيجية عسكرية لتقويض نفوذها في وسط البلاد وجنوبها.

وقال الباحث الأمني حسن محمد، لـ"العربي الجديد": "في الحقيقة فإن بيان شيخ محمود كان قوياً جداً وصريحاً، لكن من المفروض أن تترجم تلك الوعود إلى أفعال على أرض الواقع. لقد سمعنا سابقاً عن استعانة الصومال بشركائه الأجانب والقوات الأفريقية لقطع دابر هذه الحركة، لكن لم نلمس حتى الآن شيئاً جديداً على أرض الواقع".

واعتبر حسن محمد أن "هذه التصريحات تحمل في طياتها مجرد طمأنة للداخل، وتعقيب على ما حدث في مقديشو من هجوم دموي كلف الكثير من الخسائر البشرية والمادية. لكنني آمل أن يكون تصريح الرئيس الصومالي الجديد معبراً عن رؤية جديدة للتشكيلة الحكومية الفيدرالية، وعن الاستراتيجية العسكرية الجديدة لمواجهة حركة الشباب".

واعتبر الخبير العسكري والضابط السابق في الجيش شريف حسين، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "خطاب الرئيس الصومالي كان مهماً جداً في هذه الفترة من أجل حشد الجهود والوعي لدى أفراد الجيش الصومالي لمواجهة حركة الشباب، لكن من المهم أولاً إعادة تشكيل قيادة المنظومة الأمنية في البلاد، واستحداث استراتيجية أمنية جديدة لضبط أمن البلاد، وخاصة مقديشو".

لا استراتيجية حكومية لهزيمة "الشباب"

وأشار حسين إلى أنه "لا تتوافر حتى الآن استراتيجية حكومية لهزيمة حركة الشباب. وما نراه في وسائل الإعلام المحلية من تصريحات وبيانات صحافية مجرد رد فعل من القيادات الصومالية تجاه الأحداث الأمنية الأخيرة، وهذا الأمر لا يضعف حركة الشباب".

وأوضح شريف أن "هزيمة حركة الشباب تتطلب فقط إعداد خطة أمنية محكمة من قبل خبراء عسكريين صوماليين، وشن حرب عسكرية ذات أبعاد استراتيجية، لأن حركة الشباب عبارة عن عناصر منتشرين في الأرياف والقرى، وليست قوة عسكرية منظمة، ولهذا تحتاج إلى تكتيكات عسكرية جديدة أكثر نجاعة من الحرب المعلنة إعلامياً فقط".

وأشار شريف إلى أن "الحرب الفوضوية ضد حركة الشباب لا تترك نتائج إيجابية، بل تتسبب بنزوح الأسر والسكان نحو المدن الكبيرة، ولهذا ينبغي وضع إطار استراتيجي وعسكري قبل شن أي حرب ضد الشباب".