تظاهرات الشمال ودروس الجنوب

تظاهرات الشمال ودروس الجنوب

10 مارس 2024
من التظاهرات ضد الجولاني في بنش يوم الجمعة الماضي (العربي الجديد)
+ الخط -

تواصلت الاحتجاجات ضد "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) وارتفعت وتيرتها، سواء لناحية تزايد عدد المحتجين أو لناحية زيادة عدد المدن والبلدات المنتفضة، ووصل عددها، أول من أمس الجمعة، إلى ما يزيد عن 10 نقاط تظاهر في مختلف أنحاء الشمال الغربي من سورية. وعلى الرغم من الحذر الشديد لدى فئة واسعة من المواطنين الذين لا يرغبون في حكم الهيئة، إلا أنهم في الوقت نفسه لا يرغبون في أن يتم احتسابهم على مجموعات من المتظاهرين محسوبين على كيانات أشد سوءاً من الهيئة.

ووصلت أعداد المتظاهرين من المواطنين إلى الآلاف ممن رفعوا سقف مطالبهم لإسقاط الهيئة وزعيمها أبو محمد الجولاني، غير آبهين بما قد يلحق بهم من بطش الجهاز الأمني للهيئة، الذي كان يحاسبهم على أي انتقاد يوجهونه للهيئة أو لقيادتها، ولو من خلال تعليق على إحدى وسائل التواصل الاجتماعي.

ويبدو أن التظاهرات المستمرة منذ نحو سبعة أشهر في محافظة السويداء، جنوبي البلاد، ضد نظام بشار الأسد قد أدت دوراً في خروج المواطنين في الشمال ضد الجولاني، ليوجهوا رسالة مفادها أن كل السلطات التي تحكمهم هي سلطات أمر واقع، ويجب اقتلاعها لصالح مشروع وطني شامل، يحقق أهداف ثورتهم التي خرجوا من أجلها.

في المقابل، يبدو أن سلطة الأمر الواقع في الشمال (هيئة تحرير الشام) قد استفادت أيضاً من طريقة تعاطي النظام مع تظاهرات الجنوب، فبدأت بتنفيذ الأسلوب نفسه الذي يتّبعه مع المتظاهرين هناك، فعمدت إلى أسلوب اللعب على عنصر الوقت، من خلال عدم القيام بأي ردة فعل تجاه المتظاهرين، مع توجيه اتهامات لهم بخدمة أجندات أخرى غير وطنية.

وكان النظام قد عمد إلى اتهام متظاهري السويداء بخدمة مشروع انفصالي، فيما اتهمت الهيئة متظاهري الشمال بخدمة مشروع حزب التحرير. وفي الوقت الذي يروج فيه النظام لسكان الجنوب بأن البديل عنه هي التنظيمات المتطرفة، تروج الهيئة أن البديل عنها هو النظام.

ومع اتساع زخم التظاهرات، بدأت الهيئة بإطلاق الوعود بإصلاحات خدمية، على غرار الوعود التي يطلقها النظام بين الحين والآخر بهدف تحويل المطالب السياسية بإسقاط السلطة إلى مطالب خدمية. طبعاً مع البحث عن قضية مشتركة والعمل على الحشد لها؛ فنجد أن النظام والهيئة يلجآن إلى المتاجرة بالحرب على غزة، فيعمدون في أوقات اشتداد الاحتجاجات ضدهم إلى حشد الناس للخروج في تظاهرات تأييد لغزة، كموضوع يجمع كل السوريين على تأييده.

نجاح الجولاني والأسد في إسكات التظاهرات في الشمال والجنوب، مرهون بمدى قدرة المواطنين على ضبط أنفسهم بعدم الانجرار للعنف، ومدى قدرتهم على الاستمرار في احتجاجاتهم السلمية وتنظيم أنفسهم وتوحيد خطابهم نحو هدفهم، الذي فيما لو أصروا عليه فلن تتمكن أي قوة من الصمود في وجههم.

المساهمون