تصعيد روسي في إدلب: ضغوط قبيل الاستحقاقات السياسية

تصعيد روسي في إدلب: ضغوط قبيل الاستحقاقات السياسية

11 يونيو 2021
تعرضت ابلين لقصف مكثف (عبدالعزيز كيتاز/فرانس برس)
+ الخط -

تبيّن الوقائع الميدانية في الشمال الغربي من سورية أن الطرفين، الروسي والتركي، لم يردما بعد هوّة الخلافات بينهما حول العديد من الملفات، لعل أبرزها مسألة المعابر، مع قرب موعد مداولات مجلس الأمن الدولي من أجل تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية، والتي تصر روسيا على أنها يجب أن تدخل إلى البلاد من المعابر التي يسيطر عليها النظام حصراً.

وجرت الثلاثاء الماضي مشاورات على مستوى الخبراء، في مقر وزارة الخارجية الروسية، بين الأتراك والروس، للبحث في العديد من الملفات، ولكن تبع ذلك تصعيد عسكري أمس الخميس في محافظة إدلب من قِبل الروس والنظام السوري. وعن هذا التصعيد، قالت مصادر تركية مطلعة على الملف السوري، لـ"العربي الجديد"، إن "روسيا اعتادت على ممارسات تسبق وتتبع أي مفاوضات إقليمية ودولية تجري، وذلك بهدف ممارسة ضغوط على بقية الأطراف في الملفات العالقة، وذلك بعدما شهدت موسكو لقاءات رفيعة مع الجانب التركي حول سورية وليبيا، وقبيل لقاءات دولية متعددة في الأيام المقبلة تستضيفها أوروبا، وستكون مهمة في عدد من الملفات الدولية المختلفة، ومنها الملف السوري".

وأضافت المصادر أن "أنقرة لا تتوقع حصول خروقات على نطاق واسع من قبل قوات النظام وحلفائه، بل على العكس فإن عملية التصعيد الواسعة والخروقات والتقدم الميداني ليست بالسهلة، بسبب التموضعات الميدانية للجيش التركي في المنطقة، ما يعرقل أي أهداف من قبل النظام للتقدم في هذه المنطقة، ونظراً للاستعداد الكامل لهذه القوات التركية لأي تطور ميداني، بسبب الاتفاقيات الهشة المؤقتة. ولهذا فإن أهداف هذا التصعيد في إدلب هي الملفات المرتبطة بالمنطقة، عبر الآلية الدولية لإدخال المساعدات إلى إدلب عبر باب الهوى، واللقاءات الدولية الأخرى".

أنقرة لا تتوقع حصول خروقات على نطاق واسع من قبل قوات النظام وحلفائه

وحول اللقاءات في موسكو بين الطرفين، قالت المصادر إن "اللقاءات في روسيا كانت إيجابية بشكل عام، ولكن لا تزال هناك مطالب روسية باتجاه الوصول إلى حدود الطريق الدولي حلب اللاذقية أم 4، في ظل رفض تركي، فيما تم التوافق على عقد جولة جديدة لاجتماعات أستانة 16 بمشاركة الأطراف المعنية، وهي الدول الضامنة والنظام والمعارضة والوفود المراقبة، وتم تحديد موعد أولي في الأسبوع الأول من يوليو/تموز المقبل، فيما مصير اللجنة الدستورية غير واضح حتى الآن، ويتوقع أن يعرف مصيرها مع انتهاء اللقاءات الدولية نهاية هذا الشهر".

أما في الميدان، فذكر مصدر محلي، لـ"العربي الجديد"، أن الطائرات الحربية الروسية قصفت قرى وبلدات ابلين ومجدليا وكفر عويد والموزة وسفوهن في ريف إدلب الجنوبي، ما تسبّب في مقتل 3 مدنيين من عائلة واحدة، سقطوا في قرية ابلين، التي تعرضت في الوقت نفسه لقصف مدفعي مكثف من قوات النظام. وأوضح المصدر أن 8 أشخاص آخرين أصيبوا جراء القصف، مشيراً إلى أن قوات النظام قصفت براجمات الصواريخ بلدة البارة في جبل الزاوية جنوبي إدلب. كما قصفت قوات النظام، المتمركزة في محاور ريف اللاذقية، بالمدفعية الثقيلة قرية كندة في ريف إدلب الغربي، ما أدى إلى إصابة عدد من المدنيين بجروح.

من جهته، ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن مدنيين ومقاتلين، قُتلوا في القصف الجوي والمدفعي، بينهم المتحدث العسكري باسم "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة سابقاً) أبو خالد الشامي، مشيراً إلى أنه وثّق نحو 15 غارة روسية، و150 قذيفة صاروخية ومدفعية وُجهت إلى بلدات ريف إدلب حتى ظهر أمس الخميس. وكان القيادي في فصائل المعارضة السورية في شمال غربي سورية العقيد مصطفى البكور توقع، قبل نحو أسبوع تصعيداً من قبل الروس والنظام. وفي هذا الصدد، قال في حديث مع "العربي الجديد": "مع الأسف كانت التوقعات صحيحة. ونعتقد أن التصعيد العسكري سيستمر، وربما يشتد أكثر حتى موعد القمة الروسية الأميركية منتصف الشهر الحالي". وأضاف: "ربما يهدأ بعد القمة، ثم يشتد مرة أخرى حتى موعد الجولة المقبلة من مباحثات أستانة، والمقررة خلال الصيف الراهن". وعن إمكانية قيام قوات النظام بتقدم بري، قال البكور: "لننتظر نتائج أستانة".

ويسبق هذا التصعيد القمة التي ستجمع الرئيس الأميركي جو بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في 16 يونيو/حزيران الحالي في جنيف السويسرية، حيث سيلتقيان للمرة الأولى منذ وصول بايدن للحكم. وقال مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جيك سوليفان، الأربعاء الماضي، إن بايدن سيبحث القضايا المتعلقة بسورية خلال القمة مع بوتين. وشدد على أنّ "موقف واشنطن من قضية وصول المساعدات الإنسانية واضح جداً". وأكد أنّ "الولايات المتحدة تتمسك بوجود ممرات إنسانية في سورية لوصول المساعدات وإنقاذ الأرواح، وهذا بالتأكيد سيناقشه الرئيسان".

مصطفى البكور: نعتقد أن التصعيد العسكري قد يشتد حتى موعد القمة الروسية الأميركية

ومن المقرر أن يبدأ مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل اجتماعات بهدف تمديد العمل بآليات دولية لإدخال مساعدات إلى الشمال الغربي من سورية، والتي تنتهي قريباً. وتدخل هذه المساعدات إلى الشمال الغربي من سورية من خلال معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا منذ بضع سنوات، لكن الجانب الروسي يصر على أن الآلية المتبعة حالياً تعد "انتهاكاً لسيادة النظام"، ويطالب بحصر إدخال المساعدات عبر معابر يسيطر النظام عليها، في محاولة لإعادة تأهيله دولياً. ولكن المجتمع يدرك أن النظام سيحتكر هذه المساعدات لتوزيعها على المناطق التي يسيطر عليها حصراً، وتوجيه بعضها إلى قواته وأجهزته الأمنية والمليشيات التابعة له.

ومنذ أيام، اعتبر فريق "منسقو استجابة سورية" معبر باب الهوى "الشريان الوحيد للشمال السوري". وأشار، في بيان، إلى أنه "في حال عدم تجديد آلية التفويض بدخول المساعدات الإنسانية، ستشهد المنطقة انهياراً كاملاً في النواحي الإنسانية والاقتصادية". وبحسب الفريق، فإن المساعدات الدولية عبر آلية التفويض "تشكل 60 في المائة من مقومات الحياة للمدنيين في شمال غربي سورية". ومن الواضح أن التصعيد العسكري الروسي يحمل العديد من الرسائل للجانبين التركي والأميركي، لعل أبرزها أن موسكو قادرة على خلط أوراق الصراع في حال عدم الاستجابة لمطالبها الخاصة بموضوع المعابر وملفات سورية أخرى.

واستبعد المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن يلجأ الروس والنظام إلى خيار التصعيد الشامل في الشمال الغربي من سورية، مضيفاً: "المشهد السوري يخضع لتوازنات دولية تلعب دوراً فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومن ثم فإن المعطيات تشير إلى أن شن عمل عسكري في محافظة إدلب مستبعد". وتابع: "هناك 4 ملايين مدني في محافظة إدلب ضمن بقعة جغرافية صغيرة، وأي عمل عسكري واسع النطاق يعرّض حياتهم للخطر، وهو ما يؤدي ربما إلى اختراق الحدود التركية من قبل المهددة حياتهم، وهو ما لا تريده تركيا والغرب عموماً".

مصطفى فرحات: روسيا تريد إخضاع منطقة جبل الزاوية، ومدينتي أريحا وجسر الشغور

ورأى فرحات أنه "من غير المسموح للروس القيام بعمل عسكري في محافظة إدلب"، مضيفاً أن "النظام لا يملك من أمره شيئاً، ومن بقي من جيشه ليس لديه إرادة قتال على الإطلاق". واعتبر أن فشل الجانب الروسي في إقناع المجتمع الدولي بالانتخابات التي أجراها بشار الأسد "دفعه إلى زاوية ضيقة"، مضيفاً: "العقوبات لا تزال مفروضة على النظام، وجزء كبير من الجغرافيا السورية خارج سيطرة النظام، كما أن الشريان الاقتصادي بين الساحل وحلب، وهو الطريق الدولي أم 4، لا يزال مقطوعاً". وبيّن أن مسألة تمديد آلية إدخال المساعدات "تتحكم اليوم بالتحركات الروسية"، مضيفاً: "لا يمكن للروس قطف ثمار تدخلهم في سورية من دون إضفاء الشرعية الدولية على نظام الأسد، وهذا لم يحصل". وأوضح أن الجانب الروسي "يريد إخضاع منطقة جبل الزاوية، ومدينتي أريحا وجسر الشغور، والمنطقة الواصلة بينهما، من أجل الوصول إلى الطريق الدولي أم 4"، مشيراً إلى أن هذه المنطقة "محصنة طبيعياً، ومن ثم أي هجوم لن يكون نزهة في ظل وجود آلاف المقاتلين من فصائل المعارضة السورية". وقال "هناك نحو 25 ألف مقاتل تركي في الشمال الغربي من سورية. هؤلاء ليسوا للمراقبة فقط، بل لخوض أعمال قتالية دفاعية أو هجومية".

وأشار إلى أن فصائل المعارضة "ستقاتل حتى النهاية في حال شنت قوات النظام، بدعم روسي، أي هجوم، حيث لا إدلب بعد إدلب"، مضيفاً: "أقصى الطموح الروسي في شمال غربي سورية فتح الطرقات وتسيير دوريات مشتركة مع الجانب التركي لتحقيق هذه الغاية". وأعرب عن قناعته بأن الجانب الروسي "يغوص اليوم في المستنقع السوري ولا مخرج له"، معتبراً أن الوضع سيستمر على ما هو عليه طالما لا يوجد حل سياسي يبعد بشار الأسد عن السلطة.