تزايد رفض التونسيين لمشروع "الجمهورية الجديدة": من بقي مع سعيد؟

تزايد رفض التونسيين لمشروع "الجمهورية الجديدة": من بقي مع سعيد؟

28 مايو 2022
رفض عمداء كليات الحقوق اللجان الاستشارية القانونية التي أقرها سعيد (Getty)
+ الخط -

تزايد حجم الرافضون لمشروع "الجمهورية الجديدة" الذي يقوده الرئيس التونسي قيس سعيد، وتصاعدت دعوات مقاطعة الاستفتاء والتصدي له، وسط تساؤلات عمن بقي في صف سعيد، بعد أن انتفض حتى على ما بقي من الموالين له.

وغذت مواقف الأحزاب والمنظمات الوطنية والائتلافات المدنية الرافضة للمشاركة في الحوار الوطني، والداعية للتصدي له، جبهة مناهضي مسار بناء "الجمهورية الجديدة" التي ينوي الرئيس هيكلته عبر دستور جديد سيتم الاستفتاء عليه في 25 يوليو/تموز المقبل.

ومثل تواتر المواقف الرافضة للمرسوم الرئاسي بشأن اللجنة الاستشارية لبناء الجمهورية الجديدة، ودعوات مقاطعة الاستفتاء على الدستور المرتقب، منعرجا جديدا في المشهد التونسي وفي مسار تنفيذ الرئيس لأجندته التي أعلنها نهاية ديسمبر /كانون الأول 2021.

وقال المحلل السياسي، والباحث في فلسفة التاريخ المعاصر، شكري عيسى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "السؤال المطروح اليوم هو ما بقي من مشروعية ومصداقية ما يقوم به سعيد، فما وصلنا له من تشظ داخل أجندته بسبب أن سعيد لا يملك مشروعا"، مفسرا بأن "المشروع يتضمن فكرا وتصورا ورؤية وخلقا وابتكارا وحلما".

وتابع: "اليوم انفض الكل عنه تقريبا، بل إنه خلق شرخا عميقا على مستوى أتباعه ودائرته الذين هم أنفسهم لا يمتلكون مشروعية ولا وزنا سياسيا على غرار حزب تونس إلى الأمام والتيار الشعبي وعديد الحزبيات التي لا وجود لها على الأرض". وشدد على أن "مشروعية سعيد تآكلت، ومصداقية وجدوى ما يقدمه خلق شرخا وتفتتا على مستوى كل من دعمه".

وتابع بن عيسى: "علاوة على موقف اتحاد الشغل والأطراف الرافضة، فإن سعيد خلق شرخا في الهيئات التي دعمه ممثلوها، على غرار ما وقع في هيئة المحامين والرابطة التونسية للدفاع لحقوق الإنسان". وبين أن "ما يقدمه سعيد أجندة شخصية للاستيلاء الكامل على السلطة مليئة بالتناقضات بعيدا عن أحلام الشعب وتطلعاته وما وعدهم به في 25 يوليو".

وأوضح أن "هناك مؤشرات تفيد بنهاية هذه الأجندة الشخصية لسعيد، أولها الرفض الكامل والواضح لاتحاد الشغل، وثانيا رفض العمداء والجامعيين المتخصصين في القانون الذين يعتمد عليهم لشرعنة أجندته الشخصية، وثالث التشظي صلب الهيئات التي دعمته في المحامين والرابطة" مشددا على أن "الموقف الأخطر حسب تقديره هو رفض الطرف الدولي الذي بات رافضا بوضوح لهذه الأجندة التي يريد أن يفرضها سعيد بالمرور بالقوة.

وذكر بن عيسى أن "تقرير لجنة البندقية (مجلس أوروبا) المتخصصة في الدساتير والانتخابات والانتقال الديمقراطي زعزع كل ما ذهب فيه سعيد، وخصوصا مرسوم تعديل تركيبة هيئة الانتخابات الذي قالت إنه ليس فقط مخالفا للدستور والمعايير الدولية للانتخابات، بل مخالف حتى للأمر الرئاسي 117 الذي هو نفسه خارق للدستور" معتبرة أن معيارا باستفتاء في 25 جويلية بهيئة لا تتوفر فيها شروط الاستقلالية وشروط عدم الانحياز غير متوفر".

وشدد بن عيسى على أن "كل المسار سقط بسقوط مشروعيته وبسقوط المصداقية وبسقوط الوعود التي بنى عليها 25 جويلية وانحرف عنها". 

ورجح المحلل وأستاذ التاريخ بالجامعة التونسية، رياض المرابط، في تصريح لـ"العربي الجديد"، فشل مشروع الرئيس في بناء جمهورية جديدة بسبب المسار الذي يسلكه، مشددا على أن "الاستفتاء في حد ذاته لن ينجح وحتى من سيشارك في الاستفتاء سيجد أغلبية من الأصوات تقول لا".

وأضاف بالقول: "يبدو لي أن الخناق الوطني والدولي شُدد على الرئيس والسيناريو الأكثر مدنية في أن يستعفف الرئيس ويستقيل ويعهد لأي هيئة ممثلة أو ذات سلطة بالتسيير حد تنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها".

وأكد المرابط أن "الرئيس أصبح معزولا داخليا وخارجيا، وهو من عزل نفسه وشدد الخناق حوله، وهناك تقريبا إجماع من النخب المتناقضة، ولكنها متفقة على أنه لا يسع الرجل أن يقود البلاد وأن يكون مشروعه في صالح تونس". وتابع المرابط أن "موقف الجزائر الأخير حول مساعدة تونس للعودة للديمقراطية رسالة واضحة وتؤكد العزلة الخارجية". 

وتابع: "لدينا شكوك كبيرة إن كان للرئيس مشروع حقيقي"، مضيفا أن "التونسيين انفعاليون وينحازون لمن يرون فيه نزاهة ونظافة، ولكنهم بشكل عام لا يقبلون المغامرة والسير نحو المجهول"، مستنتجا أن "تداعيات ما تبشر به هذه الجماعة التي رمزها رئيس الجمهورية قيس سعيد هذا المشروع لا يمكن أن ينجح".

وحسم الاتحاد العام التونسي للشغل موقفه، معلنا رفضه المشاركة في الحوار الذي دعا إليه سعيد. واستغربت المنظمة العمالية، عدم استشارتها من قبل سعيد قبل تعيينها في اللجنتين الرئاسيتين، بشكل أحادي، ومتمسكة برفضها أي حوار "شكلي صوري" نتائجه مسبقة وجاهزة.

وقال الأمين العام لاتحاد الشغل التونسي نور الدين الطبوبي، في تصريح صحافي الجمعة: "لن نحضر لقاءات رئاسة الجمهورية ولن نشارك في الهيئة الاستشارية وسنقدم البديل". وشدد الطبوبي على أن الرئيس سعيد ماض في مشروعه دون الاستماع لأي كان.

ورفض عمداء كليات الحقوق والعلوم القانونية في تونس المشاركة في اللجان الاستشارية القانونية ولجنة الحوار التي أقرّها سعيد لكتابة دستور لـ"جمهورية جديدة". وأكدوا في بيان "التمسك بحياد المؤسسات الجامعية وضرورة النأي بها عن الشأن السياسي".

وطالب مجموعة من العمداء السابقين، ومن الرؤساء المتعاقبين على الهيئة الوطنية للمحامين، العميد الحالي إبراهيم بودربالة، بالانسحاب من المشاركة في اللجنة الاستشارية الاقتصادية والتي وصفوها "بهيئة شكلية لا تهدف إلا لإضفاء شرعية على دكتاتورية ناشئة بما يتعارض مع قيم المحاماة ومبادئها ونضالاتها على مرّ الأجيال المتعاقبة".

وقالت نقابة الصحافيين، في بيان لها، إنها "ترفض أي محاولة احتكار لتصوّرات الحوار الوطني ومشروع الدستور الجديد وأحادية الخيارات المستقبلية"، وطالبت المنظمة بضرورة "إشراك كل القوى الوطنية المدنية في الحوار الوطني وتوسيع دائرة التشاور والقرار من أجل الخروج بالبلاد من الأزمة".

وفي علاقة بالاستفتاء الذي دعا إليه الرئيس قيس سعيد والمزمع في الخامس والعشرين من يوليو القادم أعلنت منظمة "أنا يقظ" (رقابية مستقلة) عن استعدادها "التام للدخول في تحركات نضالية من أجل حث المواطنين على عدم المشاركة في مهزلة استفتاء الدستور".

من جانبها، أعلنت رئيسة حزب "الدستور الحر" عبير موسي أنها ستنفذ مسيرة بالعاصمة في الثامن عشر من الشهر المقبل لمناهضة إجراءات الرئيس سعيد. وأعلنت موسي عن دخول حزبها في حالة استنفار قصوى للدفاع عن الجمهورية ورفضا لقرارات سعيد وخاصة منها الاستفتاء وكتابة دستور جديد.