تريث مصري قبل توصيف "انقلاب غينيا"

تريث مصري قبل توصيف "انقلاب غينيا"

10 سبتمبر 2021
وصف الإعلام المصري ما حدث في غينيا بـ"الانقلاب"(سيلو بيناني/فرانس برس)
+ الخط -

قالت مصادر دبلوماسية مصرية إن حالة من الحذر والترقب وانتظار مواقف إقليمية ودولية أكثر وضوحاً من التطورات السياسية في غينيا هي السبب الأساس في عدم إعلان موقف مصري واضح يمكن البناء عليه في إطار العلاقات مع المحيطين الأفريقي والدولي، مشيرة إلى أنه يجري استكشاف مواقف دول تصنف بأنها "حليفة" لمصر، خصوصاً فرنسا، قبل إعلان موقف نهائي بتسمية ما حدث انقلاباً، أو الاكتفاء بموقف لا يتبنى وجهة نظر قاطعة.
وأضافت المصادر، التي تحدثت لـ"العربي الجديد"، أن ملف قضية سد النهضة، وعدم استغلال دول أفريقية ما حدث في غينيا والقرارات التي يمكن اتخاذها حيال الملف على المستوى الأفريقي، للتصويب من جديد ناحية النظام المصري الحالي، هما العاملان الأكثر بروزاً في عدم التسرع بإعلان موقف مصري واضح حتى الآن. وأشارت المصادر إلى أن هذه الحالة قد لا تستمر طويلاً إذا ما كانت هناك إشارات واضحة من الحلفاء الدوليين، باتخاذ موقف ما، خصوصاً أن القاهرة كانت تتمتع بعلاقات يمكن وصفها بالجيدة، مع الرئيس الذي جرى الانقلاب عليه ألفا كوندي.

قضية سد النهضة، وعدم استغلال دول أفريقية ما حدث في غينيا للتصويب على القاهرة، وراء عدم التسرع بإعلان موقف مصري واضح حتى الآن

وتجنب الموقف المصري الرسمي توصيف ما حدث في غينيا الأحد الماضي بـ"انقلاب"، وذلك بعدما أعلنت قوات خاصة تابعة للجيش الغيني يقودها مامادي دومبويا، القبض على كوندي وحل الحكومة ووقف العمل بالدستور. وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان مقتضب غداة انقلاب غينيا، إن مصر "تؤكد متابعتها عن كثب ‏وببالغ الاهتمام التطورات المتسارعة التي تشهدها جمهورية غينيا، والمنعطف الخطير الذي آلت ‏إليه الأزمة الراهنة في البلاد"، داعيةً "جميع الأطراف الغينية إلى ضبط النفس والالتزام بالطرق السلمية والحوار، لتسوية الأزمة والوصول بالبلاد إلى بر الأمان".

وبينما لم يستغرب مراقبون عدم وصف بيان الخارجية المصرية ما حدث في غينيا بأنه "انقلاب"، نظراً لكون النظام المصري جاء بعد انقلاب عسكري قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي بنفسه، وأطاح بأول حكم مدني منتخب في تاريخ مصر، استغرب كثيرون تناول الإعلام المصري لأحداث غينيا بطريقة مختلفة عن التوجه الرسمي للحكومة. جميع المواقع والصحف والبرامج التلفزيونية التي تتبع غالبيتها العظمى لجهاز المخابرات العامة، تحدثت عن الموضوع بوصفه "انقلاباً". كما أن البعض استطرد في شرح "خطورة الانقلابات العسكرية على القارة الأفريقية"، مثل المذيع المقرب من النظام نشأت الديهي، وهذه من المرات النادرة الذي يكون فيها توجه وسائل الإعلام مخالفاً للتوجه الرسمي للدولة.

وانتقد الديهي، الأحد الماضي، "الانقلاب الجديد" الذي حدث في غينيا، باعتباره خامس انقلابات القارة الأفريقية هذا العام، بعد أفريقيا الوسطى، والنيجر، وتشاد ومالي. وتساءل: "هل هناك أيادٍ للمستعمر القديم في هذه الانقلابات؟".

وقال الديهي إنّ "أفريقيا شهدت أكثر من 200 محاولة انقلاب منذ بدء استقلال دولها في الستينيات، نجح منها 50 في المائة"، مؤكداً أنه "لا بد من إعادة النظر في هذا الإطار لكونه يؤثر على الدول الأفريقية، فالانقلابات تؤخر الدول". وتابع: "ربما تكون بعض الانقلابات علاجاً، وربما، وفي أكثر الأوقات، تكون ردة إلى الوراء"، مشيراً إلى أن "تداعيات الانقلابات في أفريقيا تعاني منها الكثير من دول القارة".

أما موقع "مبتدا"، الذي أسسته المخابرات الحربية إبان التحضير لانقلاب الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013، ويتبع بشكل مباشر لمكتب رئيس المخابرات العامة اللواء عباس كامل، فكثّف تغطيته لأحداث غينيا، مع التركيز على وصف "انقلاب" في تناول الأخبار الخاصة بالموضوع. وكان "مبتدا" من أوائل المواقع المصرية التي نشرت بيان الاتحاد الأفريقي الصادر الأحد الماضي، والذي دعا خلاله الأخير إلى إطلاق سراح كوندي، مديناً الاستيلاء على السلطة بالقوة في البلاد.

وقال الاتحاد الأفريقي، الذي كانت مصر من أولى الدول التي شاركت في تأسيسه، في بيانه، إن "الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي فيليكس تشيسكيدي ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، يدينان أي استيلاء على السلطة بالقوة ويدعوان إلى الإفراج الفوري عن الرئيس ألفا كوندي". وأضاف البيان أن رئيس الاتحاد ورئيس المفوضية "يدعوان مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي إلى الاجتماع بشكل عاجل لبحث الوضع الجديد في غينيا واتخاذ الإجراءات المناسبة في ظل هذه الظروف".

التعليمات التي صدرت إلى وسائل الإعلام، هي التعامل مع أحداث غينيا من دون محاذير، ووصف ما حدث بأنه انقلاب

وأكدت مصادر من داخل "المجموعة المتحدة للخدمات الإعلامية"، وهي الشركة المملوكة للمخابرات العامة وتمتلك جميع محطات التلفزة والصحف والمواقع الإخبارية، باستثناءات بسيطة، أنّ "التعليمات التي صدرت إلى وسائل الإعلام، هي التعامل مع أحداث غينيا من دون محاذير، ووصف ما حدث بأنه انقلاب".

وبعيداً عن التناول الإعلامي للأحداث في غينيا، علق وزير الخارجية المصري سامح شكري مرة أخرى على الأزمة، بعد يومين من بيان وزارته، وأيضاً من دون ذكر كلمة "انقلاب"، وذلك خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده مع نظيره البوروندي ألبرت شينجيرو، الثلاثاء الماضي، في ختام جلسة مباحثات بين الوزيرين في القاهرة. ورداً على سؤال حول الاهتمام المشترك بقضايا القارة الأفريقية، والتطورات الأخيرة في غينيا، قال شكري: "إننا نتابع عن كثب وباهتمام بالغ التطورات التي حدثت في غينيا، ونرى ضرورة التوصل إلى حل عبر الحوار والابتعاد عما يزعزع استقرار الدولة في هذه الآونة، ومواجهة التحديات من خلال الاستقرار والخروج من هذه الأزمة بشكل يؤدي إلى مصلحة الشعب الغيني". وتابع: "إننا نعمل في إطار الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن، لاتخاذ الإجراءات الملائمة لمواجهة هذه الظروف، وبالتالي نعمل في الإطار الأفريقي الجامع، للخروج من هذه الأزمة واستقرار الأوضاع". وشدد على أنه "نهتم باستقرار الأوضاع في كل الساحة الأفريقية لأن أي اضطراب له تأثيرات ممتدة".

وقرّر قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، أول من أمس الأربعاء، تعليق مشاركة غينيا في هيئات المنظمة وإرسال بعثة إلى هذا البلد إثر الانقلاب الذي وقع الأحد. ووصل وفد من التكتل السياسي والاقتصادي الرئيسي في غرب أفريقيا إلى العاصمة الغينية كوناكري أمس الخميس، بينما أفاد بيان من "إيكواس" بأن المندوبين "سيقيّمون الوضع" في أعقاب الإطاحة بالرئيس ألفا كوندي.

تقارير دولية
التحديثات الحية

المساهمون