الصين وانقلاب غينيا: مخاوف على الاستثمارات ومن الدور الأميركي

الصين وانقلاب غينيا: مخاوف على الاستثمارات ومن الدور الأميركي

09 سبتمبر 2021
عارضت الصين الإطاحة بالرئيس الغيني ألفا كوندي (Getty)
+ الخط -

أعلنت الصين، يوم الإثنين الماضي، رفضها للانقلاب العسكري الذي نفّذته قوات خاصة في الجيش الغيني، الأحد الماضي، ضد حكم الرئيس ألفا كوندي، واحتجازه. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، وانغ ون بين، في إفادة صحافية، إن بكين تعارض أي محاولة للاستيلاء على السلطة في كوناكري عن طريق الانقلاب، وتدعو إلى الإفراج الفوري عن كوندي، كما تحثّ الأطراف المعنية على ممارسة ضبط النفس، ومراعاة المصالح الأساسية لغينيا، وحلّ جميع القضايا من خلال الحوار والتشاور. ويعتقد مراقبون أن الصين تخشى من أن يؤثر تدهور الأوضاع في غينيا على استثماراتها الكبيرة في هذا البلد الواقع في غرب أفريقيا، خصوصاً في مجال استخراج خام البوكسيت الذي يستخدم في صناعة الألمنيوم، على اعتبار أن التنين الآسيوي هو أكبر بلد منتج ومستهلك للألمنيوم في العالم. ففي عام 2020، استوردت الصين أكثر من 52 مليون طن من البوكسيت من غينيا، الغنية بخام البوكسيت، ولدى الصين في هذا البلد 14 شركة مملوكة للدولة، تعمل في هذا المجال.

لدى الصين 14 شركة مملوكة للدولة في غينيا، تعمل في استخراج البوكسيت

سياسياً، أشارت وسائل إعلام صينية، إلى أن قائد الانقلاب، اللفتنانت مامادي دوموبيا، تربطه صلات بالولايات المتحدة، وتكهنت أن واشنطن تقف وراء الأحداث الأخيرة في غينيا، على الرغم من إدانتها لها. ودعت بكين إلى الحذر من هذا الارتباط وتداعياته على المصالح الصينية في القارة السمراء. وسط ذلك، ساد في الأوساط الصينية حديث عن ضرورة تغيير بكين استراتيجيتها في ما يتعلق بسياستها الخارجية القائمة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وذلك مع تسارع وتواتر الاضطرابات السياسية في دول عدة ترتبط معها الصين بمشاريع ضخمة. وقد فُسّر نشر مثل هذه الأقاويل في صحف رسمية ناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، بأنه دعوة صريحة للتلويح بخيار التدخل العسكري من أجل حماية المصالح الصينية في الخارج.

عدم اليقين

وفي ما يتعلق بمخاوف الصين على استثماراتها الضخمة في غينيا، أوضح الباحث في المركز الصيني للدراسات الاقتصادية بجامعة فودان، تشاو تشيانغ، أن غينيا هي موطن خام البوكسيت المستخدم في صناعة المعدن غير الحديدي الأكثر حاجة في العالم (تنتج غينيا حوالي ربع الاحتياج العالمي)، كما أن الصين تعد البلد الأكثر استهلاكاً لهذا الخام الذي يدخل في صناعة الطائرات والمركبات وأجهزة الهواتف الذكية، ولديها في غينيا مشاريع كبيرة وُقّع آخرها في يونيو/حزيران 2020، بقيمة 14 مليار دولار، فضلاً عن مشاريع استراتيجية في مجالات أخرى تتجاوز كلفتها الـ50 مليار دولار.

ورأى تشيانغ، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الاضطرابات الأخيرة خلقت حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل هذه المشاريع التي قد تواجه مخاطر كبيرة، نتيجة عدم الاستقرار السياسي، وكذلك احتمال عدم الاعتراف الدولي بأي حكومة جديدة يفرزها الانقلاب، ما يعني أن البلاد قد تكون معرضة لعقوبات دولية تؤثر بشكل مباشر على الاستثمارات الأجنبية، بما فيها الصينية. ولفت الباحث الصيني، إلى أن بكين حاولت خلال السنوات الأخيرة تقليل اعتمادها على خام البوكسيت المستورد من أستراليا بسبب توتر العلاقات مع كانبيرا، في مقابل تكثيفها لمشاريعها في غينيا. وأوضح أن الشركات الصينية حصلت العام الماضي على حقّ التنقيب عن خام البوكسيت في موقعين شمالي البلاد، بموجب عقد طويل الأجل كانت الحكومة الغينية طرفاً فيه. لذلك تجد الصين نفسها الآن في حيرة من أمرها، بانتظار ما قد تسفر عنه الأيام القليلة المقبلة. يذكر أن أسعار الألمنيوم قفزت في أعقاب الانقلاب إلى أعلى مستوياتها منذ عشر سنوات، ما أثار مخاوف دولية من احتمال تعطل إمدادات البوكسيت.

أيادٍ أميركية

عن التداعيات السياسية، وما أثير في وسائل الإعلام الصينية حول علاقة قائد الانقلاب مامادي دوموبي بالولايات المتحدة، قال أستاذ الدراسات السياسية في جامعة "صن يات سن"، وانغ جو، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن ذلك ليس أمراً مستبعداً، بالنظر إلى أن واشنطن كانت لها يد في العديد من الانقلابات العسكرية المتكررة في القارة الأفريقية. وعن مصلحتها في ذلك، أوضح وانغ جو أن احتواء الصين هو محور السياسة الخارجية الأميركية، وعلى ضوء ذلك يمكن تفسير العديد من الإجراءات والقرارات، مثل الانسحاب التكتيكي من أفغانستان لتعزيز استراتيجية الدفاع في المحيطين الهادئ والهندي، وكذلك تغذية التوترات الحدودية بين بكين ونيودلهي، وتسخين الأجواء في مضيق تايوان، ودعم الاضطرابات والاحتجاجات الشعبية في هونغ كونغ.

لا تزال الصين تتريث في مسألة اللجوء للقوة لحماية مصالحها الخارجية

واعتبر الأستاذ الجامعي أن لواشنطن مصلحة كبيرة في تأزيم علاقة بكين بالدول الأفريقية وضرب استثماراتها الضخمة في مقتل. وتوقع أن تعيد أي حكومة جديدة النظر في العقود الموقعة مع الصين، سواء في تعديل الشروط السابقة أو تقليص أسهم الشركات الصينية أو فرض ضرائب باهظة، أو حتى إلغاء العقود والاتفاقيات، وقد يكون ثمن ذلك اعترافاً أميركياً بشرعية الحكومة الجديدة. وأكد وانغ جو أن الصين تدرك خفايا الانقلاب، ولديها فكرة شاملة، من خلال تواجدها وتعاملاتها في القارة السمراء، عن هذه الأحداث، لكن موقفها على الرغم من ذلك، جاء منسجماً مع موقف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، فهي لا تريد أن تتورط في وحول الانقلابات العسكرية، ولا ترغب في استعداء الجيش الغيني.

أما بالنسبة للحديث عن دعوات التدخل العسكري، فرأى الأستاذ الجامعي أن الصين لا تزال تتريث في مسألة اللجوء للقوة لحماية مصالحها الخارجية، لكنه لفت إلى أن مثل هذه الدعوات باتت أكثر إلحاحاً، وأن فريقاً من قادة الحزب الشيوعي يحبذ ذلك، غير أن الأمر لم يصل إلى حدّ الإجماع. وأضاف وانغ جو أن تواتر الاضطرابات السياسية في القارة السمراء، وتضرر قطاعات اقتصادية صينية كبيرة أثناء الفوضى التي أعقبت اعتقال رئيس جنوب أفريقيا السابق جاكوب زوما قبل نحو شهرين، طرح سؤالاً كبيراً في الصين عن جدوى وجود قاعدة عسكرية في جيبوتي ما لم تتحرك لحماية مصالح البلاد في الخارج.