"بيغاسوس" يستنفر المغرب: تحركات مكثفة لمواجهة اتهامات التجسس

"بيغاسوس" يستنفر المغرب: تحركات مكثفة لمواجهة اتهامات التجسس

26 فبراير 2023
تُصنّع "إن إس أو" الإسرائيلية برنامج "بيغاسوس"(جاك غويز/فرانس برس)
+ الخط -

تكثّف السلطات المغربية تحركاتها، في محاولة دحض الاتهامات بـ"التجسس" باستخدام برنامج "بيغاسوس" لاستهداف هواتف شخصيات عامة وأجنبية، وذلك بالتزامن مع مواصلة البرلمان الأوروبي التحقيق مع العديد من الدول المتهمة باستخدام البرنامج، الذي طورته شركة "إن إس أو غروب" الإسرائيلية، والاستماع إلى بعض الذين يفترض أنه جرى التجسس عليهم.

خطوتان مغربيتان لدحض اتهامات التجسس

وخلال أسبوع واحد، أقدمت السلطات المغربية على خطوتين لافتتين في سياق تحركاتها الحثيثة لدحض اتهامات التجسس باستعمال "بيغاسوس"، وهو برنامج يسمح بالتحكم في الجهاز المحمول للهدف، والوصول إلى جميع البيانات.

أول خطوة كانت مبادرتها إلى إعادة تحريك المسار القضائي من خلال استئناف الدعاوى القضائية التي كانت قد أقامتها أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد وسائل إعلام فرنسية.

وثاني خطوة، قرار هيئة حكومية متخصصة في مراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي، وعقد جلسات استماع مع الخبراء التقنيين، الوطنيين والدوليين، الراغبين في تقديم تحليلاتهم واستنتاجاتهم بشأن ما سمتها السلطات الادعاءات التقنية غير المثبتة لمختبر "سيتيزن لاب" (Citizen Lab) ومنظمة العفو الدولية وجمعية "فوربيدن ستوريز".

وكانت منظمة "العفو الدولية" و"فوربيدن ستوريز" (مجموعة صحافية غير ربحية تتخذ من باريس مقراً لها) قد حصلت على قائمة بخمسين ألف رقم هاتف، اختارها زبائن لشركة "أن اس أو غروب" الإسرائيلية منذ عام 2016، بهدف القيام بعمليات تجسس محتملة.

وأرسلت المنظمتان القائمة إلى مجموعة من 17 وسيلة إعلامية دولية نشرت في يوليو/ تموز 2021 تحقيقاً تحدث عن تعرّض سياسيين وصحافيين ونشطاء حقوقيين للتجسس من بعض الحكومات، ومن بينها الحكومة المغربية. لكن الرباط نفت، في مناسبات متعددة، اتهامات التجسس على هواتف شخصيات عامة وأجنبية باستخدام البرنامج الإسرائيلي، فيما قررت النيابة العامة المغربية فتح بحث قضائي في ما وصفتها بـ"المزاعم"، و"تحديد الجهات التي تقف وراء نشرها".


محمد السكتاوي: رصدت أمنستي اختراق هواتف صحافيين وحقوقيين

وفي 21 يوليو 2021، أعلنت الحكومة المغربية اللجوء إلى "المسعى القضائي" أمام المحكمة الجنائية بباريس ضد وسائل الإعلام الفرنسية التي اتهمتها، وهي "لوموند" و"راديو فرنسا" و"فرانس ميديا موند" و"ميديابارت" و"لومانيتيه"، وطالبتها بتقديم البراهين على تنفيذ عملية التجسس الكبرى هذه.

وفي 22 يوليو 2021، شرع المغرب بأول إجراء يتعلق بالتشهير ضد منظمة "العفو الدولية" و"فوربيدن ستوريز". وأعلنت السلطات المغربية، في 4 أغسطس/ آب 2021 رفع دعوى قضائية ضد شركة نشر صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية.

وبعد 19 شهراً على نشر تقارير إعلامية أشارت إلى احتمال تورط المغرب في استخدام برنامج "بيغاسوس"، بدا لافتاً استنفار السلطات المغربية وتكثيف تحركاتها على الجبهة القضائية، من خلال إعلان محامي السلطات المغربية في فرنسا، في 17 فبراير/ شباط الحالي، إعادة تفعيل المسار القانوني والقضائي أمام محكمة الاستئناف بباريس، بعد أن كان القضاء الفرنسي قد رفض في وقت سابق قبول 15 شكوى تقدم بها المغرب بدعوى أنه "لا يمكن لدولة أن تباشر ملاحقات قضائية بتهم التشهير". ويُنتظر أن يصدر القضاء الفرنسي أحكامه في 12 إبريل/ نيسان المقبل بشأن شكاوى "التشهير" التي تقدّمت بها الرباط.

وفتحت "اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي"، الحكومية المغربية، هذا الأسبوع ملف اتهام المغرب بـ"التجسس"، من خلال عقد جلسات استماع إلى خبراء وطنيين ودوليين.

وحتى الآن، استقبلت اللجنة، في سياق الجلسات التي باشرتها أول من أمس الجمعة وأمس السبت، الخبير الأميركي في برامج التجسس جوناثان سكوت، وخبيراً كندياً وصفته بالمستقل من دون أن تكشف عن هويته. في المقابل، شكلت جلسة الاستماع إلى ممثلي منظمة العفو الدولية (أمنستي المغرب)، الخميس الماضي، حدثاً فارقاً في العلاقات المتوترة منذ سنتين بين الرباط والمنظمة، على خلفية تقريرها الصادر في يوليو 2020 والمتضمن اتهامات للسلطات المغربية بـ"التجسس" على عدد من الشخصيات باستعمال "بيغاسوس".

غير أن اللافت في خلاصات جلسة الاستماع إلى ممثلي "أمنستي المغرب"، كان تأكيدهم عدم حصول المنظمة على المعطيات التقنية للرد على تساؤلات اللجنة الوطنية، في مقابل ترحيبهم برغبة اللجنة الوطنية في دعوة خبراء تقنيين من منظمة "أمنستي" بألمانيا، وخبراء تقنيين من مختبر "سيتيزن لاب" بكندا، واقتراحهم تسهيل ربط الاتصال مع هاتين الهيئتين، بحسب بيان صادر عن اللجنة أول من أمس الجمعة.

خطوة اللجنة الوطنية إيجابية

ورأى المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية في المغرب، محمد السكتاوي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن الخطوة التي أقدمت عليها اللجنة الوطنية بخصوص قضية اختراق هواتف بعض المدافعين عن حقوق الإنسان، تُعَدّ "أمراً إيجابياً"، لافتاً إلى أنه "كان من المفترض أن تتحرك هذه اللجنة تلقائياً بمجرد إثارة هذا الموضوع من طرف أمنستي".

‎وأوضح السكتاوي أن اللجنة أنشئت لحماية ومراقبة سرية الاتصالات الشخصية وما يرتبط بها من خصوصية مادية وخصوصية المعلومات بقوة دستور المغرب، الذي ينص في فصله الـ24 على أنه "لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة"، وهو ما يرتب أن حماية الخصوصية هي حق من حقوق الإنسان.

وقال إنه من هذه الزاوية رصدت المنظمة موضوع اختراقات هواتف بعض الصحافيين والمدافعين عن حقوق الإنسان، إثر كشف مؤسسة "فيسبوك" مارك زوكربرغ أن آلاف هواتف زبائنها عبر العالم تعرضت للاختراق من برنامج "بيغاسوس" الاِسرائيلي.

ومن ضمن هؤلاء 10 مواطنين مغاربة عرضوا حالتهم على اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الخاصة، كما طرح ثلاثة منهم المسألة على "أمنستي" طلباً لمؤازرتها. ‎

وأشار السكتاوي إلى أن "أمنستي" تحركت وحققت في الموضوع بمساعدة مؤسسات مختصة في المجال السيبراني، وأنه كان من المفترض أن تقوم اللجنة الوطنية لحماية المعطيات الخاصة بتحقيق مماثل، ولا سيما أنها مختصة بحكم القانون بمراقبة عدم المس بالهوية والحقوق والحريات الجماعية والفردية للإنسان، وتبليغ الأشخاص المعنيين بنتائج بحثها.

وأكد أن منظمته تضع الأولوية في برامجها لحماية حقوق الإنسان ومساعدة الحكومات في سياستها على هذا الصعيد بعيداً عن كل تحيّز عقائدي وإيديولوجي أو مصلحي، وأنه من خلال تجربتها الطويلة في رصد أوضاع حقوق الإنسان في العالم تتعرض دائماً للهجوم على تقاريرها أو توظيفها سياسياً من طرف الدول في إطار حرب المصالح.‎


محمد شقير: الاستماع لخبراء يهدف للرد على القرارات الأوروبية

وأضاف السكتاوي: "غالباً ما تسعى أمنستي للتعاون مع المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بهدف استجلاء الحقائق ومعالجة المزاعم المتعلقة بانتهاكات حقوق الإنسان، استناداً إلى معايير النزاهة والشفافية والحياد بما يخدم أمن المواطن وحقوقه"، معتبراً أن مبادرة اللجنة الوطنية الأخيرة "تفتح الباب لمقاربة جديدة في معالجة إشكالات الأمن الرقمي وحقوق الإنسان والتفاعل مع المنظمات الحقوقية المهتمة بهذا الموضوع".

وجوب دحض أي ادعاء أوروبي

من جهته، اعتبر المحلل السياسي، محمد شقير، أن إعلان اللجنة الوطنية الاستماع لخبراء وطنيين ودوليين حول ملف "بيغاسوس" خطوة جديدة تهدف إلى الرد بشكل أعمق على قرارات البرلمان الأوروبي، وخصوصاً تلك التي تهمّ مدى صحة إمكانية تجسس أجهزة الدولة على الحياة الخاصة لبعض الصحافيين.

ورأى شقير في حديث مع "العربي الجديد"، أنه يمكن استغلال جلسات الاستماع للخبراء والتقنيين لـ"دحض أي ادعاء أوروبي في ما يتعلق بالحجج التي وردت في تقارير بعض المنظمات الحقوقية الدولية".

وفي قراءته لحيثيات فتح ملف "بيغاسوس" من قبل اللجنة الوطنية، رأى الخبير في الدراسات الجيواستراتجية والأمنية، الشرقاوي الروداني، في الخطوة "إجابة سياسية على قناعة الدولة المغربية بأهمية حماية المعطيات الشخصية لمواطنيها"، و"خطوة مهمة جداً في سياق الحرب العالمية حول تكاثر التطبيقات الخبيثة على مستوى العالم، ومحاولة بعض الدول الغربية توريط المغرب في مسألة بيغاسوس".

واعتبر الروداني في حديث مع "العربي الجديد "، أن ما سماها "الخطوة المؤسساتية المغربية، هي للرد على بعض الخصوم الذين يحاولون زعزعة الاعتبار السياسي والاستراتيجي للمغرب في علاقاته مع بعض الدول الأوروبية ومجموع دول العالم". ورأى أن "جلسات الاستماع الحالية خطوة ذات أهمية استراتيجية واستشعار استراتيجي للمغرب لأهمية التعاون بين الدول في حماية المعطيات الشخصية".