بايدن يتوسّل استرجاع الثقة "لاستعادة مكانة أميركا في العالم"

بايدن يتوسّل استرجاع الثقة "لاستعادة مكانة أميركا في العالم"

01 فبراير 2021
خطاب بايدن يحدد ملامح السياسة الخارجية (Getty)
+ الخط -

يلقي الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، خلال زيارته لوزارة الخارجية، خطابه الأول حول السياسة الخارجية. من عنوان "استعادة مكانة أميركا في العالم"، يتبين أنّ كلمته ستكون أقرب إلى تحديد بوصلة إدارته في هذا الحقل، بحيث تقتصر على رسم مقاربته لهذا الموضوع، من دون الدخول في مفردات السياسات والتوجهات التي يزمع اعتمادها في الملفات الكثيرة المطروحة.

بايدن سبق أن كشف في أكثر من مناسبة، وخاصة بعد الانتخابات، عن عزمه على العمل بالقواعد التي أرستها مدرسة السياسة الخارجية التقليدية، منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي تقوم في الأساس على ركيزتين أساسيتين: توسيع التحالفات واحتواء الخصوم.

ومن المتوقع أن يتبنى هذا الخط رسمياً، مع التشديد على أهمية ومردودات الخروج من حالة الانكفاء الذي فرضته إدارة سلفه دونالد ترامب والعودة إلى الانخراط في الساحة الدولية. وما يعزز جدّيته في هذا التوجه، أنه أطاح منذ الأيام الأولى لرئاسته ومن خلال حزمة قرارات تنفيذية، معظم تركة ترامب الخارجية التي أدت إلى العزلة، حسب مقاييس هذه المدرسة. 

لكن هذه القرارات التي جرت بشحطة قلم، هي الشق السهل من عملية استعادة الموقع والدور. وبايدن يعرف أنّ المسألة تتطلب أكثر من ذلك.

أول ما تحتاجه، حسب خبراء السياسة الخارجية، استرجاع ثقة الحلفاء الذين يعتبرهم بايدن حجر الزاوية في صياغة سياسته الخارجية، خصوصاً الأوروبيين الذين لا يترك مناسبة تمرّ من دون التشديد على أهمية دورهم. وبالتالي ضرورة تصحيح ما لحق بالعلاقات معهم من أعطاب خلال رئاسة ترامب وتوجهاته الانعزالية. وبالأخص العلاقة مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) انطلاقاً من قناعته بأن شعار "أميركا أولاً" أدى إلى عزلة أميركا "بحيث بقينا وحدنا"، كما قال.

العقبة الكبيرة أمامه في هذا المجال، أنه لا يقوى على تقديم الضمانة للحليف المكتوي بانقلابات ترامب، بأن أميركا رجعت إلى الثوابت في تحالفاتها، وأن الانتخابات المقبلة أو التي تليها لن تأتي بمتقلّب آخر يرتدّ من جديد على العلاقات، خاصة أن الساحة السياسية الأميركية تمرّ في مخاض مضطرب غير معروفة بعد مآلاته، وأن "الترامبية" تلوّح بالعودة إلى الساحة في 2024.

في المقابل، فإنّ المخاوف الأوروبية من احتمالات الانفصال مع واشنطن انعكست في تعبيرات واضحة كانت من أبرزها قول المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ فترة إنّ على الأوروبيين أن يبدأوا في التموضع "للاعتماد على النفس" بعد الآن. كلامها أثار قلق كثير من نخب السياسة الخارجية التقليدية في واشنطن، التي ترى في تحالف جانبي الأطلسي ضمانة لاستمرار التمايز الغربي، وبالتالي لمواصلة الدور القيادي الأميركي في العالم.

يضاف إلى صعوبة ردم فجوة الثقة هذه، أن الرئيس بايدن قد يواجه عقبة محلية في تصحيحاته للعودة إلى الساحة الدولية كحليف أو شريك. ذلك أن بعض الخطوات اللازمة لاستكمال هذا التوجه، تستدعي موافقة الكونغرس الذي قد لا يتعاون وفق ما يريده الرئيس بحيث يمانع في منح موافقته على خطوات مثل العودة إلى "اتفاقية السماء المفتوحة" وأيضاً العودة إلى منظمة الأمم المتحدة للثقافة والعلوم "يونيسكو".

حزب الرئيس لا يملك سوى أغلبية ضئيلة في مجلسي الكونغرس، وخاصة في مجلس الشيوخ (صوت واحد). وهذا وضع قد لا يسهل مهمته لكسر طوق العزلة الخارجية كما يرغب. ولا سيما في هذا الوقت الذي تتعمق فيه الخصومات الحزبية والانقسامات السياسية الحادة التي تحضّ على العرقلة وليس التعاون بين البيت الأبيض والكونغرس.

بعد فوزه قال الرئيس بايدن: "عادت أميركا إلى قيادة العالم، وليس الانسحاب منه. مستعدون لمواجهة خصومنا وعدم التنصل من حلفائنا". ومن المتوقع أن يكون خطابه صدى لهذا الكلام الموجه أساساً إلى العالم. أما ترجمته، فمسألة أخرى.
بايدن جاد في ما يريد، لكن قيود الوضع الأميركي في لحظته الراهنة وما تنطوي عليه من مخاطر، قد تحول دون تحقيق طموحات أقل من هذا العيار.

المساهمون