باربادوس تتحرر من "التاج": مسار الاستقلال يكتمل

باربادوس تتحرر من "التاج": مسار الاستقلال يكتمل

01 ديسمبر 2021
احتفل أهالي الجزيرة بإنزال علم التاج البريطاني في العاصمة بريدجتاون (Getty)
+ الخط -

يصف سكّان جزيرة باربادوس، في أقصى شرق منطقة الكاريبي، تحرّرهم من التاج البريطاني، وهي خطوة احتفلوا بها رسمياً منتصف ليل الإثنين – الثلاثاء، بأنه قدر محتوم، شقّ وقته منذ قرون، وأخذ 55 عاماً إضافية بعد الاستقلال عن المستعمر البريطاني، ليصل إلى اليوم الذي أصبحت فيه الجزيرة جمهورية برلمانية، وجرّدت الملكة البريطانية إليزابيث الثانية من منصبها كرئيسة للدولة. ويتساءل بعض مواطني الجزيرة، بمناسبة الاحتفال الرسمي الذي توّج إعلان الجزيرة في سبتمبر/ أيلول 2020 انفصالها دستورياً عن التاج البريطاني، ثم إجراءها انتخاباتها الرئاسية للمرة الأولى في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عن جدوى هذا "الانفصال"، بعيداً عن الممارسة الديمقراطية التي حوّلت الحاكمة العامة المُعينة من الملكة، ساندرا ميسن، إلى أول رئيسة للدولة، منتخبة من البرلمان. لكن معظمهم يدركون أن المسألة "الرمزية" قد سطّرت تاريخهم بنفس جديد، أصبحوا فيه يقررون مصيرهم بشكل كامل، في وقت لا تزال تعاد فيه الأسئلة كل مرّة مع سقوط دول عن شجرة التاج البريطاني، إذا ما كانت دول كبرى، لا تزال ملتحقة بالعرش الإنكليزي، ككندا وأستراليا، ستلحق بالقافلة يوماً.

لا يرتبط الحدث بالمستقبل، بل بالماضي، وتاريخ من العبودية في الجزيرة

وتبدو الاحتفالية بتحرّر باربادوس، الجزيرة السياحية، من التاج البريطاني، رمزية، وبدون مفاعيل دستورية، أو تغييرات جذرية من شأنها أن تترك أثرها على حياة المواطنين. ولا يرتبط الحدث بالمستقبل، بل بالماضي، وتاريخ من العبودية في الجزيرة، ليس للسكّان الأصليين، بل لأفارقة أصبحوا لاحقاً سكان الجزيرة، حيث استقدموا من المستعمر الإنكليزي للزراعة. وتكتسب المناسبة أهمية، أولاً لأن وقتاً طويلاً قد مرّ بين انضمام باربادوس أخيراً إلى لائحة جمهوريات العالم، وما سبقها من الدول التي ابتعدت عن التاج البريطاني، ولأنها ترافقت مع حراك "حياة السود مهمة" العالمي الذي نشط العام الماضي، وترك أثره على سكان الجزيرة الذين لا يتجاوز عددهم الـ300 ألف نسمة.

وكان تصاعد الاهتمام المحلي بالذهاب إلى الانفصال، وهو أمر ظلّ مطروحاً ومتداولاً في باربادوس منذ أكثر من عقدين، قد اكتسب زخماً، مع فضيحة "ويندراش" (جيل ويندراش) في بريطانيا، التي أطاحت وزيرة الداخلية السابقة أمبر رود عام 2018، وتدور حول جيل من المهاجرين الكاريبيين قدموا إلى بريطانيا بين أربعينيات وسبعينيات القرن الماضي، واعتبروا لاحقاً مهاجرين غير نظاميين. ويضع الكثير من المتابعين للحدث في باربادوس، وقضية "ويندراش"، في سلّة واحدة، حيث يتشارك ضحايا الفضيحة، الذين لم يقبضوا بعد كل تعويضاتهم، وسكان باربادوس الأوائل، في أنهم كانوا ضحايا التحول الرأسمالي الذي حتّم العبودية في السابق، وإعادة بناء أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، على أكتافهم، لاحقاً.

تقارير دولية
التحديثات الحية

وأصبحت باربادوس، فجر أمس الثلاثاء، أحدث جمهورية في العالم بعد تحرّرها من سلطة التاج البريطاني، وذلك في حفل رسمي في العاصمة بريدجتاون، حضره ولي عهد المملكة المتحدة الأمير تشارلز، الذي تحدث عن "فظائع العبودية المروعة التي ستلطخ تاريخنا إلى الأبد". وجرّدت خلال الحفل، والدة تشارلز، الملكة إليزابيث الثانية، من منصبها كرئيسة لباربادوس، حيث أقسمت الحاكمة العامة للجزيرة الكاريبية، ميسن، اليمين الدستورية رئيسة للجمهورية الوليدة، وأُنزل علم التاج البريطاني في ساحة الأبطال. وقالت ميسن: "أنا، ساندرا برونيلا ميسن، أقسم بأن أكون مخلصة لباربادوس، وبأن أكون وفيّة لها، وفقاً لما ينصّ عليه القانون، فليساعدني الله".

وتواجه الجمهورية الوليدة، المستقلة منذ 1966، من اليوم فصاعداً بنفسها التأثير الاقتصادي لجائحة كورونا على السياحة، والتفاوتات الموروثة من الماضي الاستعماري. وكانت حوالي 20 مستعمرة بريطانية سابقة قد تخلت عن التاج البريطاني، وتحولت إلى جمهوريات، ما بعد الحرب العالمية الثانية، أبرزها الهند ونيجيريا وباكستان. وشهدت سبعينيات القرن الماضي موجة كبيرة من الانفصال عن التاج، مع مغادرة غويانا (1970)، وترينيداد وتوباغو (1976)، ودومينيكا (1978)، وكانت آخر مغادرة قد سجلّت عام 1992 لموريشيوس في المحيط الهندي. وفي هذه الدول، تمّ استبدال الملكة في أغلب الأحيان برئيس "فخري"، مع وجود رئيس وزراء على رأس السلطة التنفيذية وهو الذي يدير شؤون البلاد، ويملك السلطة الفعلية. ورئيسة وزراء باربادوس حالياً هي ميا موتلي.

ستبقى إليزابيث ثانية ملكة على 16 دولة، غير بريطانيا

مملكات الكومنويلث

وبعد تحرّر باربادوس ستبقى إليزابيث الثانية ملكة حالياً على 16 دولة، غير بريطانيا، بما فيها كندا ودول أخرى في منطقة آسيا - الهادئ والكاريبي، وهي تعرف بمملكات الكومنويلث، وهي غير دول الكومنويلث، المؤلفة من 54 دولة وكانت جزءاً من الإمبراطورية البريطانية، لكنها لم تعد تخضع بمعظمها لسلطة التاج البريطاني. وفي مجموعهم، يبلغ عدد سكان مملكات الكومنويلث، حوالي 150 مليون نسمة، وأكثرهم كثافة، بريطانيا وكندا وأستراليا وبابوا غينيا الجديدة ونيوزيلندا. وتملك الملكة بعض الصلاحيات في هذه الدول، لكنها تختلف من دولة إلى أخرى، ومنها الموافقة على تشكيل الحكومات، وقد تكون موافقتها على بعض التشريعات إلزامية. وإذا استثنيت المملكة المتحدة، فإن الملكة/ أو الملك البريطاني، يعين حاكماً عاماً في المملكة ليقوم بمهامه. وفي حالات استثنائية، للعرش البريطاني "سلطات استثنائية" أيضاً، أو سلطة الإطاحة بشكل فردي ببعض أفرع السلطة التنفيذية. وحصل ذلك بشكل نادر، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، لا سيما خلال أزمة أستراليا الدستورية في عام 1975، حين أعفى الحاكم العام رئيس وزراء من مهامه.

وكانت زيارات الملكة إليزابيث، أطول ملوك بريطانيا عمراً، والمتربعة على العرش منذ 69 عاماً، إلى مملكات الكومنويلث، قد خلقت نوعاً من العاطفة الشعبية تجاهها. وفي كندا مثلاً، لا تزال شعبية الملكة إليزابيث مرتفعة، على الرغم من تراجع نسبة المؤيدين لبقاء البلاد تحت التاج البريطاني، لكنها نسبة تبقى أكبر من 50 في المائة. وفي كندا، يحتاج التحرر من التاج إلى تعديل دستوري، أي إلى موافقة المقاطعات العشر بالإضافة إلى البرلمان. ويختلف الوضع في كندا عن باربادوس، التي يعتبر سكانها أحفاد أناس استعبدوا من قبل المستعمر البريطاني، ويشهد أرشيفهم على تاريخ من النضالات ضد العبودية، فيما لا تزال كندا أسيرة عدم إتمام مصالحة فعلية مع السكّان الأصليين.
(العربي الجديد)

المساهمون