انقلابيو السودان يسعون للتقرب إلى الأحزاب.. ومجلس الأمن يواصل الضغط

انقلابيو السودان يسعون للتقرب إلى الأحزاب... ومجلس الأمن يطالب بقيادة المدنيين للحكومة الانتقالية

28 أكتوبر 2021
فرض الانقلابيون حال الطوارئ في السودان (عمر أردم/الأناضول)
+ الخط -

تنديد وقلق في مجلس الأمن

بايدن يدعو العسكريين لإعادة مؤسسات الحكم الانتقالية

بعد إحساسهم بالعزلة الداخلية والخارجية، بدأ الانقلابيون في السودان، على ما يبدو، يهرولون للقاء قيادات من أحزاب قوى إعلان الحرية والتغيير، وذلك بحثاً عن مخرج من الورطة التي أدخلوا فيها البلاد، منذ تنفيذ قائد القوات المسلحة عبد الفتاح البرهان، يوم الإثنين الماضي، انقلابه على السلطة الانتقالية وحلّه مجلس السيادة (الذي يرأسه البرهان) ومجلس الوزراء، المكونين العسكري والمدني لهذه السلطة بعد الإطاحة بحكم عمر البشير.

وتأتي محاولات قادة الانقلاب من العسكريين، والتي تبدو أيضاً "غير مقنعة"، في وقت لا يزال الضغط الدولي والأممي متواصلاً على قادة الانقلاب للتراجع عن خطوتهم، حيث طالب مجلس الأمن الدولي بالإجماع، اليوم الخميس، العسكريين في السودان بـ"عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون".

أبلغ حزب الأمة القومي الانقلابيين رسمياً بأنه لا مجال لمقترحات أو حوار معهم إلا بعد إعادة العمل بالوثيقة الدستورية المجمدة

وأكد الأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير، لــ"العربي الجديد"، صحة المعلومات التي تواترت عن لقاء الانقلابيين بمسؤولين في الحزب، لافتاً إلى أن حزب الأمة "أبلغ الانقلابيين رسمياً بأنه لا مجال لمقترحات أو حوار معهم إلا بعد إعادة العمل بالوثيقة الدستورية المجمدة كما كانت قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول الحالي (تاريخ الانقلاب والتي جمّد البرهان بعض موادها)، وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ومن ثم الجلوس إلى طاولة حوار حقيقي وشفاف للخروج من الورطة التي أدخلوا البلاد وأنفسهم فيها".
وأوضح البرير أن وفد الانقلابين استمع إلى وجهة نظر الحزب، وطلب دراستها والعودة بالرد، لكنه لم يعد إليه حتى الآن، مرجحاً أن يكون تفكير المجموعة الانقلابية "هو قياس مواقف الأحزاب، وليس رغبة حقيقية في إيجاد مخرج، بل هم ماضون في انقلابهم". وفي هذا الإطار، استشهد بسلوكهم خلال اليومين الماضيين، بزيادة معدل العنف ضد الثوار، والاستمرار في الاعتقالات، مبيناً أن عدداً كبيراً من قواعد الحزب في الخرطوم وولاية شرق دارفور وسنار لا يزالون رهن الاعتقال.    

ولفت الأمين العام لحزب الأمة القومي إلى أن قيادات أخرى في مجموعة التوافق الوطني، الداعمة للانقلاب، اتصلت أيضاً بالحزب وبأحزاب أخرى من "الحرية والتغيير" للبحث عن مخرج من الأزمة الراهنة، مجدداً رفض حزب الأمة القومي لأي تعامل مع السلطة الانقلابية، وهو أمر "يحكمه دستور الحزب"، بحسب قوله.

نقل عدد من المعتقلين السياسيين إلى المستشفى للعلاج بعد تعرضهم للتعذيب

في غضون ذلك، كشفت مصادر خاصة لـ"العربي الجديد"، عن نقل عدد من المعتقلين السياسيين إلى مستشفى للعلاج بعد تعرضهم للتعذيب، من بينهم وجدي صالح، عضو لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، ومحمد ضياء الدين، القيادي في حزب البعث الاشتراكي، ومدير شركة مواصلات ولاية الخرطوم.

مجلس الأمن يطالب بـ"عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون" في السودان

إلى ذلك، يواصل المجتمع الدولي ضغطه على قادة الانقلاب في السودان، ومعه منظمة الأمم المتحدة. وفي هذا السياق، طالب مجلس الأمن الدولي، اليوم الخميس، العسكريين في السودان بـ"عودة حكومة انتقالية يديرها مدنيون"، مبدياً "قلقه البالغ حيال الاستيلاء العسكري على السلطة"، وذلك في بيان صدر بإجماع أعضائه. 

وبعد مباحثات شاقة استمرت أياماً، طالب بيان مجلس الأمن، الذي أعدته بريطانيا وعمدت روسيا إلى التخفيف من وطأة مضمونه، باستئناف الحوار السياسي "من دون شروط مسبقة"، و"الإفراج فوراً" عن المعتقلين، واحترام "حق التجمع السلمي". كما ندّد البيان بـ"تعليق (عمل) بعض المؤسسات الانتقالية" في السودان، وبـ"حال الطوارئ (التي فرضها البرهان)، واعتقال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك وأعضاء مدنيين آخرين في الحكومة". وأورد دبلوماسي، كما نقلت عنه وكالة "فرانس برس"، أنه بناء على إلحاح الصين، أخذ بيان المجلس في الاعتبار عودة رئيس الوزراء إلى منزله مساء الثلاثاء الماضي، على الرغم من أنه لا يزال محروماً من حرّية التحرك، وفق الأمم المتحدة.

ما هو سبب الاعتراض الروسي على بيان مجلس الأمن حول السودان؟

وأحد الاعتراضات الروسية الرئيسية كان الاعتراض على تسمية سيطرة الجيش على الحكم بـ"انقلاب عسكري"، وهي صيغة استخدمها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس لوصف ما يحدث في السودان وإدانته، وكذلك عدد من الدول الغربية، من بينها بريطانيا. وتوصلت الأطراف في مجلس الأمن إلى صيغة مشتركة في بيانها اليوم تعبّر عن "قلق" بدلاً من "إدانة"، وتتحدث عن "سيطرة الجيش" بدلاً من "انقلاب عسكري". 

ودعا أعضاء مجلس الأمن السلطات العسكرية السودانية "إلى إعادة الحكومة الانتقالية بقيادة مدنية على أساس الوثيقة الدستورية وغيرها من الوثائق التأسيسية للمرحلة الانتقالية"، وحثّوا جميع الأطراف على الانخراط في "حوار دون شروط مسبقة، من أجل تمكين التنفيذ الكامل للوثيقة الدستورية واتفاقية جوبا للسلام، والتي تدعم التحول الديمقراطي في السودان".

وعبّر أعضاء مجلس الأمن عن تضامنهم مع شعب السودان، وأكدوا "استعدادهم لدعم الجهود المبذولة لتحقيق التحول الديمقراطي في السودان، بما يحقق آمال وتطلعات الشعب السوداني في مستقبل شامل وسلمي، ومستقر، وديمقراطي، ومزدهر". كما أكد أعضاء مجلس الأمن أن "أي محاولة لتقويض عملية التحول الديمقراطي في السودان تعرّض أمن السودان واستقراره وتنميته للخطر"، وأكدوا على "التزامهم القوي بسيادة السودان واستقلاله وسلامته الإقليمية ووحدته الوطنية".

وأعرب أعضاء المجلس عن دعمهم القوي للجهود الإقليمية ودون الإقليمية، بما في ذلك الجهود التي تبذلها الهيئة الحكومية للتنمية (إيقاد)، والاتحاد الأفريقي، وجامعة الدول العربية، وشددوا على أهمية استمرارها.

وأشار البيان كذلك إلى أن "أعضاء مجلس الأمن أحيطوا علماً بقرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في 26 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي". وكان المجلس آنف الذكر قد أعلن تجميد عضوية السودان بعد الانقلاب العسكري. وعبّر أعضاء المجلس عن دعمهم لجهود بعثة الأمم المتحدة في السودان وتطبيق مهامها، مؤكدين عزمهم على إبقاء الأمر تحت المراقبة ومتابعة التطورات في السودان. 

يذكر أنه لإصدار بيان صحافي أو رئاسي، فإن ذلك يجب أن يتم بموافقة جميع الدول الـ15 الأعضاء في المجلس، وهو ما حدث. واللافت أن البيان الصحافي الصادر عن المجلس، على الرغم من كونه وثيقة مهمة ورسمية من وثائق مجلس الأمن، إلا أنه "أقل" قوة، مقارنة بالبيان الرئاسي أو القرارات الملزمة. ومع ذلك، فإن إصدار المجلس للبيان يبعث رسالة للجيش في السودان بأن هناك قلقاً دولياً من الخطوات التي اتخذها، وخصوصاً من الدول الفاعلة على الساحة الدولية، وبأنها غير راضية تماماً عن مجرى الأمور. 

بايدن يدعو العسكريين في السودان لإعادة مؤسسات الحكم الانتقالية

من جانبه، حث الرئيس الأميركي جو بايدن القادة العسكريين في السودان، اليوم الخميس على الإفراج عن المعتقلين فوراً، وإعادة مؤسسات الحكومة الانتقالية.

وقال بايدن، في بيان صدر بعد وقت قصير من مغادرته واشنطن لحضور اجتماع مجموعة العشرين في روما، وفق ما نقلت وكالة "رويترز": "الأحداث التي وقعت في الأيام الماضية تمثل انتكاسة خطيرة لكن الولايات المتحدة ستواصل الوقوف مع شعب السودان وكفاحه السلمي لدعم أهداف ثورة السودان".

ومضى قائلًأ: "رسالة المجتمع الدولي للسلطات العسكرية في السودان واضحة وتتمثل في ضرورة إعادة الحكومة الانتقالية والسماح للشعب بالاحتجاج سلمياً".