انفجار عكار... الاستثمار السياسي بدأ ومطالبات باستقالة نواب

انفجار عكار... الاستثمار السياسي بدأ ومطالبات باستقالة نواب المنطقة

15 اغسطس 2021
تعدّدت الروايات حول كيفية حصول انفجار عكار (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

جريمة جديدة يُسجّلها شهر أغسطس/آب دوّت في لبنان وراح ضحيتها ما لا يقلّ عن 22 قتيلاً وأكثر من 79 جريحاً على خلفية انفجار خزان وقود، فجر الأحد، داخل قطعة أرض تستخدم لتخزين البحص في بلدة التليل – عكار شمال لبنان، كان قد صادره الجيش اللبناني لتوزيع ما بداخله على المواطنين.

وأوقفت مديرية المخابرات قيد التحقيق المدعو (ر.س)ـ نجل صاحب قطعة الأرض التي انفجر فيها خزان الوقود، فيما أُقيمت ورشة مكثفة لتأمين المستشفيات العاجزة عن استيعاب الجرحى والمصابين بجروح خطرة في وقتٍ تنقطع فيه الأدوية والمستلزمات الطبية عدا عن انقطاع المازوت والكهرباء وقلّة الإمكانات التي دفعت بالمعنيين إلى التواصل مع تركيا لبحث إمكانية نقل الجرحى إلى أنقرة لمعالجتهم.

وتشهد بلدة التليل – عكار حالة غضب شعبية عارمة، تطورت إلى قيام محتجين بإحراق منزل صاحب الأرض، وقد بدأت مطالبات باستقالة نواب المنطقة سريعاً، وإلّا فإنّ الشارع سيشهد انتفاضة غير مسبوقة.

وتعدّدت الروايات حول كيفية حصول الانفجار من بينها إشعال قداحة وارتطامها في الأرض، ما أدى إلى حصول حريق وانفجار المواد المخزنة وأخرى تفيد بإطلاق نجل صاحب الأرض النار على الخزان ما تسبب بالكارثة التي وقعت في خلال تجمهر عددٍ من الناس للحصول على كمية من المحروقات التي أراد الجيش اللبناني توزيعها بعد مداهمة المكان ومصادرة موجوداته.

الحقيقة الواحدة الثابتة، بحسب معارضين للطبقة السياسية، تتمثل في أن "ما حصل في عكار يفضح مرّة أخرى فساد السلطات والأحزاب التقليدية المسيطرة في لبنان ومنطقة الشمال تحديداً والحامية للتجار والمهربين والخارجين عن القانون، ويتكرّر فيه سيناريو نأي المسؤولين بنفسهم عن الجريمة، وتقاذف كرة الاتهامات واستثمار الكارثة في إطار المعارك السياسية وتصفية الحسابات".

وترأس رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا اجتماعاً دعا إليه المجلس الأعلى للدفاع، طلب في مستهله من "الأطقم الإسعافية والطبية والاستشفائية أعلى درجات الاستنفار لمواجهة تداعيات هذه الفاجعة".

وقال عون، الذي التقى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب قبيل الاجتماع "إن الأزمات التي نمر بها وما ينجم عنها، تحثّنا جميعاً على عدم التهرّب من المسؤوليات الأخلاقية والإنسانية والدستورية التي تحتّم علينا اتّخاذ ما يلزم من تدابير لمواجهتها".

انفجار عكار

وطالب عون "السلطات القضائية المختصة بالإسراع في إجراء التحقيقات التي من شأنها الكشف عن الملابسات والأسباب التي أدت الى وقوع الكارثة في التليل، ومحاكمة مسبّبيها ومن يقف وراءهم وفق القوانين المرعية الإجراء".

وحذر الرئيس اللبناني من "تسييس المأساة التي وقعت في التليل واستغلال دماء الشهداء لرفع شعارات وإطلاق دعوات تكشف بوضوح نيات مطلقيها وضلوعهم في مخططات هدفها الإساءة إلى النظام ومؤسساته".

وقال عون، "سبق أن عرضت في الجلسة الأخيرة للمجلس تقريراً عن الوضع في منطقة الشمال، وتحديداً أنشطة جماعات متشددة لخلق نوع من الفوضى والفلتان الأمني، وطلبت من قادة الأجهزة الأمنية الاجتماع للتنسيق في ما بينهم واستنتاج الخلاصات حتى يُبنى على الشيء مقتضاه".

من جهته، قال دياب المعتكف رغم حجم الأزمات عن عقد جلسة لمجلس الوزراء "منذ سنة ونصف ونحن نطلب من الأجهزة العسكرية والأمنية ملاحقة هؤلاء الفاسدين الفاجرين، ونطالب القضاء أن يتشدد بالأحكام حتى نوقف هذا الفجور. واليوم، المطلوب من الجميع اتخاذ كل الإجراءات الصارمة وأن يضربوا بيد من حديد كل الذين تاجروا ويتاجرون بلقمة عيش اللبنانيين".

وخرج المسؤولون في لبنان بمواقفٍ وتصريحات تستنكر ما حدث، وتتقاذف الاتهامات خصوصاً على خطّي "التيار الوطني الحر" (برئاسة صهر رئيس الجمهورية ميشال عون النائب جبران باسيل) و"تيار المستقبل" (يترأسه سعد الحريري) اللذين يتمتعان بنفوذ في المنطقة، وارتفعت حدّة الهجوم لتصل إلى مطالبة الحريري الرئيس عون بالاستقالة، ووصف عهده بـ"عهد جهنم".

وقال الحريري، "مجزرة عكار لا تختلف عن مجزرة المرفأ، ما حصل في الجريمتين لو كان هناك دولة تحترم الإنسان لاستقال مسؤولوها، بدءاً من رئيس الجمهورية إلى آخر مسؤول عن هذا الإهمال". وعرّضه هذا الكلام لهجوم من قبل الناشطين عبر "تويتر" الذي يعتبرونه من ضمن الطبقة السياسية المتهمة وأساس العهد الذي وصل بفضل التسوية السياسية التي عقدها مع باسيل.

من جهته، دخل باسيل على خطّ الاستغلال السياسي ليضغط باتجاه عقد جلسة لمجلس الوزراء كان رفضها دياب وتمرّد فيها على دعوة عون وفي إطار معركته ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

وقال باسيل "حذرنا من أسبوعين أن عكار صارت وكأنها خارج الدولة بسبب عصابات المحروقات التي تقفل الطرقات والمحطات وتخطف الصهاريج"، داعياً إلى "إعلان عكار منطقة عسكرية حماية لأمنها وكل أهلها، واجتماع الحكومة لاتخاذ القرار ووقف قرار حاكم مصرف لبنان الذي يسبب بدوره الفوضى ويولّد الفتنة وهذه أولى نتائجه".

واتهم "تيار المستقبل"، بأنّ صاحب الأرض ينتمي إلى "التيار الوطني الحر" ومدعومٌ من نائبه أسعد درغام، الذي سارع إلى النفي ورمي الاتهامات نفسها في ملعب "المستقبل" ونائبه عن المنطقة وليد البعريني.

وقال درغام، النائب عن عكار، إن "صاحب المستودع لا ينتمي إلى التيار الوطني الحر ولا صلة لنا به أو بأحد أفراد عائلته على الإطلاق، بل ينتمي لتيار آخر وعلاقاته التجارية مع بعض النواب من كتلة أخرى معروفة، ومن مسؤولية الأمن تحديد كيفية اشتعال المستودع والكشف عنها".

في المقابل، نأى البعريني عن نفسه من المسؤولية والاتهامات، مؤكداً أنها "محض افتراء وإشاعات لمحاولة تبييض صفحة فريق سياسي واتهام فريق آخر".

ويقول المواطن العكاري بلال حسين لـ"العربي الجديد" إن "ما حصل اليوم تكرار للسيناريوهات نفسها، تقاسم المسؤولين للجبنة، وعندما تقع المصيبة تُرمى الاتهامات ويبدأ الاستغلال السياسي والتحريض علماً أنّ كل من يعيش في المنطقة يعلم أن آلهة التهريب في عكار هما درغام والبعريني بغض النظر لمن ينتمي صاحب الأرض".

ويشير حسين إلى أنه "في الفترة الأخيرة، قام شبان من مجموعات الانتفاضة بإقفال طرقات السهل عن وادي خالد وهي ممرات أساسية للتهريب وبات المنفذ الأكبر للتهريب طريق مشمش وهي محروسة من بعريني ورجاله وسلاحه، أما تاريخياً فمعروف أن طرقات التهريب كانت وادي خالد، أكروم، وسهل عكار وغيرها".

ويتخوف حسين، كسائر العكاريين، من التحريض السياسي الحاصل وانعكاساته الطائفية، محذراً من أن ذلك قد "يتطور إلى مكانٍ آخر من شأنه أن يؤدي إلى كارثة أخرى، وفتنة نرفض وقوعها، ومن هنا ضرورة ألا يتحوّل ما حدث إلى مشكلة بين التلال ذات الوجود المسيحي والمناطق المحيطة حيث الوجود السُني، لأن أصل المشكل هو بين المهربين المحسوبين عل كلّ من بعريني ودرغام من جهة والأهالي، خصوصاً الذين فقدوا أفراداً من عائلاتهم".

وأشار إلى أن "الانفجار حصل في خراج التلال، ومن أصيبوا هم من خارج البلدة، وكانوا توجهوا إليها للحصول على الوقود الذي أراد الجيش توزيعه على الناس".

في السياق، أكد حسين أن "الأهالي لن يقبلوا بكل الروايات التي بدأت تخرج إلى العلن من قداحة إلى إطلاق رصاص وغيرها، وكذلك بالاستغلال السياسي، والنائبان سيتحمّلان المسؤولية، وفي حال لم تأخذ الدولة حقنا خصوصاً بعد تجربة انفجار مرفأ بيروت ومسار التحقيقات الذي مرّ عليه سنة عكس الوعود بإجراء تحقيقات في خمسة أيام والتدخلات السياسية للإفلات من العقاب وكف يد المحقق العدلي، فإننا كأهالي سنأخذ حقنا بيدنا".

وفي المواقف الدولية، قالت السفيرة الفرنسية لدى لبنان آن غريو، "إن الصعوبات القصوى التي يواجهها اللبنانيون ليست قدراً محتوماً، يكفي أن يتحلى من في موقع المسؤولية بقدر قليل من الشجاعة واللياقة لتلبية حاجات اللبنانيين واحترام حقوقهم الأساسية".

ووقع الانفجار في ظلّ سلسلة المداهمات التي تنفذها الأجهزة الأمنية والعسكرية على المحطات لمصادرة مواد المحروقات خصوصاً البنزين والمازوت المخزنة في المحطات والمستودعات علماً أنّ الخطوة لاقت انتقاداً شعبياً لكونها أتت متأخرة جداً في وقتٍ تستمرّ الأزمة منذ فترة طويلة، ولم تحرك أي جهة ساكناً، فيما المواطن يعيش الذل يومياً ويتحكم بمصيره التجار والمحتكرون الذين يستغلون الكارثة اللبنانية لجني أرباح طائلة، عدا عن أنّ هذه المداهمات تبقى غير كافية إذا لم يتم مكافحة التهريب الذي ينشط على المعابر والحدود بغطاء سياسي وحزبي فاضح.