المجر: أوربان يفشل في إصدار قرار حول أولوية التشريعات الوطنية

المجر: أوربان يفشل في إصدار قرار حول أولوية التشريعات الوطنية

11 ديسمبر 2021
يلعب أوربان على سياسة الهجرة لحصد مزيد من الاصطفاف الداخلي (Getty)
+ الخط -

لم يأت قرار المحكمة الدستورية المجرية، أمس الجمعة، تماما بما اشتهته رياح السفن القومية المتشددة لرئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، حول أولوية التشريعات والأحكام الوطنية على الأوروبية في قضايا المهاجرين واللاجئين. 

أراد أوربان الاستفادة من أجواء فوضى السياسات الأوروبية الناشئة على حدود بيلاروسيا- بولندا لاستدعاء قرار من المحكمة الدستورية يتيح له رسم خطوط حمراء تمكنه من تعزيز سلطة تحالفه اليميني بالانتخابات في الربيع القادم.

ومنذ عام 2016 أصبحت خطابات وسياسات أوربان المتشددة عنوانا لتصادم متواصل مع عاصمة الاتحاد الأوروبي، بروكسل، ومع كتل البرلمان الأوروبي، إذ إن أوربان استغل مشهد تدفق لاجئي 2015، في "مسار البلقان" عبر بلاده لبث خطاب قومي متشدد، رغم أن كثيرين يرون أن ذلك التدفق ليس هو المشكلة، بل عموم توجهات بودابست المتناقضة مع دولة القانون في فصل السلطات والالتزام بالمعايير الديمقراطية.

وأكد تقرير سنوي صدر العام الحالي لـ"فريدوم هاوس"، أن المجر تذهب بعيدا عن تصنيف الدول الحرة والديمقراطية، وهو بحسب كثير من المراقبين، ما جعل الرئيس الأميركي جو بايدن، يستثنيها من بين الدول الأوروبية من اجتماع "قمة تحالف الديمقراطيات" يومي الخميس والجمعة الماضيين.

الصدام مع أوروبا.. اللاجئون ليسوا سوى عنوان 

سياسات أوربان، المتهم بالتحول من الليبرالية إلى القومية المحافظة، أخذت جرعة قوية بعيد استفتاء شعبي عام 2016 رفض قبول بلاده تقاسم حصص اللاجئين، بحسب الخطة الأوروبية بعد "أزمة لاجئي 2015".
اعتمد أوربان بعد أقل من 5 سنوات على تصدره المشهد السياسي (بعد عام 2010) على تحويل خطاب ائتلافه اليميني، نحو رؤية قومية محافظة. ورغم أن المجر لا تضم جاليات مهاجرة، ولم تستقبل لاجئين بأعداد معتبرة، إلا أن أوربان صوّر تدفق اللاجئين باعتباره "اجتياحا" يستهدف القيم الأوروبية.

وخلال الأعوام الماضية استطاع أوربان اللعب على متناقضات السياسة الأوروبية بشأن الهجرة لحصد مزيد من الاصطفاف الداخلي. فقبل أن تنشأ سياسات الجدران والأسلاك الشائكة الأوروبية كانت المجر تُسيج حدودها الجنوبية (منذ 2015) وتصد اللاجئين نحو صربيا. وجاءت الأزمة على حدود بولندا والبلطيق منذ مايو/أيار الماضي، مع بيلاروسيا لتصب في رياح خطابه القومي المتشدد.

معضلة بروكسل.. خشية من تحول الأنظمة إلى "تسلطية"

سياسة أوروبا في انتقاد "الصد" واعتقال طالبي اللجوء وترحيلهم الإجباري على حدود المجر، وانتقاد معاقبة المواطنين الذين يساعدونهم، بدت متناقضة مع سياسة الصد في حدود بيلاروسيا وغيرها في جنوب ووسط القارة.
قضية "سياسات الهجرة" ليست في الواقع إلا ذريعة في مواجهة الأوروبيين لأزمة تتعلق بتوجه دول مثل المجر وبولندا، وجمهورية التشيك إلى حد ما، وغيرها ممن تقلد التشدد القومي؛ إذ تنظر بروكسل بعين قلقة إلى تنامي شعبوية الخطاب السياسي عن "المصالح الوطنية"، للهيمنة على القضاء والإعلام وإزالة الفصل بين السلطات. سطوة السلطة التنفيذية الموصوفة بأنها "غير ليبرالية" من خلال "فيديز" في بودابست و"القانون والعدالة" في وراسو، هي ما يخشاه الأوروبيون حين يتحدثون عن عدوى التحول إلى أنظمة "تسلطية".

وتبدو النتيجة في بودابست أوضح، إذ ومنذ عام 2016 تتنامى عملية تطويع الإعلام وجزء من القضاء وإضعاف المعارضة، سواء يمين الوسط أو يسار الوسط التقليديين، وهو ما تراه أوروبا "إضعافا للقيم والمبادئ الأوروبية"، ما يشكل أيضا ضربة لمبدأ تداول السلطة.

هيمنة أوربان بأفكار قومية متشددة وتمددها إلى دول أخرى، هي ما تقلق الأوروبيين، رغم أن المحكمة الدستورية في بودابست لم تمنح الرجل كل ما أراده، أي ليس على طريقة وارسو التي هيمن فيها حزب "القانون والعدالة" على مفاصل القضاء وحاصر الإعلام، حين أصدرت الجمعة حكما اعتبر التشريعات الوطنية "ملزمة".

اللغة المستخدمة في قرار الدستورية المجرية جاء على غير الرغبة التي أرادها أوربان، وهو ما يعكس عدم سيطرته المطلقة بعد على قضاتها، كما جرى في وراسو، كما يعكس ذلك "خسارة المعركة السياسية مع بروكسل"، كما قال الأستاذ المساعد في قوانين الاتحاد الأوروبي بجامعة آرهوس الدنماركية، غراهام بتلر، في تعقيبه للصحافة الدنماركية.

ويؤكد بتلر أن فيكتور أوربان "أراد أن يكون توقيت قرار المحكمة الدستورية المجرية مناسبا قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة في ربيع 2022، لكنه جاء قرارا غير حاسم له"، مطلقا عليه وصف "مناورة فكرية"، من حيث اللغة المستخدمة.

وفي كل الأحوال، يبدو أن الاتحاد الأوروبي، المتناقض في سياساته حيال اللاجئين، ماض نحو "اتجاه تصادمي" مع الطرفين المجري والبولندي. فالمعسكر الأوروبي، وبالأخص في صفوف أغلبية البرلمان الأوروبي، يعتقد أن ما يجري "تقويض للديمقراطية الليبرالية ويقود نحو أنظمة استبدادية".

وسيحاول تحالف "فيديز" وعلى رأسه أوربان تصوير ما يجري مع أوروبا باعتباره محاولة نزع سيادة البلد، باستحضار الهجرة كعنوان شعبوي، للاستفادة من ذلك كله نحو الانتخابات البرلمانية القادمة.