اللجوء إلى أوروبا نحو معدلات عالية

اللجوء إلى أوروبا نحو معدلات عالية

04 مارس 2024
مهاجرون أنقذوا في البحر المتوسط، إيطاليا، 2023 (خوسيه كولون/الأناضول)
+ الخط -

عادت معدلات اللجوء إلى أوروبا انطلاقاً من دول الشرق الأوسط لترتفع من جديد، مسجلة أرقاماً قياسية منذ الموجة الكبرى التي شهدتها في عاميَ 2015 و2016، خلال هروب أكثر من 3 ملايين سوري حينها من الحرب، والتي لا يزال يشنّها النظام في سورية على المدنيين.

وجاء في البيانات التي صدرت عن "وكالة الاتحاد الأوروبي لشؤون اللجوء" في نهاية الشهر الماضي، أن عدد طلبات اللجوء إلى أوروبا ارتفع في عام 2023 بنسبة 18 في المائة عن العام الذي سبقه، أي ما يعادل 1.14 مليون طلب.

والملاحظ هو أن السوريين والأفغان، لا يزالون يشكلون أكبر المجموعات بين طالبي اللجوء، بينما جاء الأتراك في المرتبة الثالثة، مع زيادة في الطلبات بنسبة 82 بالمائة، مقارنة بعام 2022 بالنسبة للأتراك، و38 بالمائة بالنسبة للسوريين، و11 بالمائة للأفغان.

اللجوء إلى أوروبا ملف رئيسي في القارة

ومن المرجح أن تعمل هذه الأرقام الجديدة على تغذية نقاش محتدم بالفعل حول الهجرة، في الفترة التي تسبق سلسلة من الانتخابات في القارة، خصوصاً انتخابات البرلمان الأوروبي في يونيو/حزيران المقبل، إذ تتخذ الأحزاب اليمينية المتطرفة من موضوعَي اللجوء إلى أوروبا والهجرة غير النظامية مادة أساسية لكسب أصوات الناخبين.

من المرجح أن تغذي أرقام اللجوء إلى أوروبا نقاشاً محتدماً بالفعل حول الهجرة

كما أنها جاءت بعد وقت قصير من صدور قانون الهجرة المتشدد في فرنسا، ديسمبر/كانون الأول الماضي، ومن بين ما يتضمنه سحب تصاريح الإقامة ممن يشكلون خطراً على النظام العام، أو عدم تجديدها، وترحيل هؤلاء الأشخاص بسهولة أكبر.

وكذلك بعد إجراء تعديلات بخصوص الهجرة إلى بريطانيا، العام الماضي، والذي يتضمن تسريع ترحيل المهاجرين غير النظاميين، وسط استمرار الشد والجذب حول ترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا.

المسؤولية عن غرق القارب "أدريانا"

وقد لا يكون مصادفة التزامن بين صدور هذه البيانات، والتقرير النهائي حول مسؤولية الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل "فرونتكس"، عن غرق القارب "أدريانا" على الساحل اليوناني، في يونيو الماضي، وهو يقلّ على متنه ما يتجاوز 650 لاجئاً، معظمهم من سورية وباكستان ومصر، فيما نجا 104 فقط من الذين كانوا على متنه، وتم انتشال 82 جثة. وهو أعلى رقم للخسائر البشرية في البحر المتوسط خلال العقد الماضي.

يسلط تقرير "فرونتكس"، الذي نُشر في نهاية يناير/كانون الثاني الماضي من قِبل منظمة "تقرير قارب بحر إيجه" النرويجية غير الحكومية، الضوء على أوجه القصور في الوكالة، والتي رصدت السفينة المكتظة في بحر إيجه، و"لم تبث إشارة استغاثة لتسريع عملية الإنقاذ". كما انتقد عدم تعاون اليونان.

عقدة الربط بين التقريرين، من قِبل الاتحاد الأوروبي والوكالة الأوروبية، تترجم نفسها في عدة نقاط. الأولى هي أن وكالة خفر السواحل الأوروبية لم تتصرف بطريقة إنسانية عندما وقعت الكارثة، وذلك عن قصد. وأهملت إرسال إشارة للإنقاذ، وفي ذلك توجه رسالة لكل من يسلك هذا الطريق للوصول إلى أوروبا.

وأعرب التقرير، بشكل خاص، عن أسفه لأن "فرونتكس" لم تبث إشارة استغاثة، على الرغم من أن إحدى طائراتها لاحظت أن القارب كان مكتظاً، وأن ركابه لم يكن لديهم سترات نجاة.

صحيح أن التقرير لم يتهم "فرونتكس" صراحة بتحمّل المسؤولية، ولكنه شكك في أنشطتها، وقد سبق أن وُجهت لها اتهامات بمهاجمة السفن، التي تقلّ مهاجرين غير نظاميين في عرض البحر، وعدم تلبية نداءات الاستغاثة، وعرقلة عمل السفن التابعة للمنظمات الإنسانية الدولية.

النقطة الثانية هي أنّ الإجراءات الأمنية الكبيرة، التي اتخذتها هيئة خفر السواحل الأوروبية لم تحد من الهجرة غير النظامية إلى بلدان الاتحاد الأوروبي. بل على العكس من ذلك ارتفعت النسب بمعدلات تفوق الأعوام الماضية.

النقطة الثالثة هي أنّ سياسات الهجرة الأوروبية التي تتبّعها الحكومات لم تحد من الهجرة، ومثال ذلك إجراءات الحكومة اليونانية حيال سفن المهاجرين. وسلط التقرير الضوء على عدم اهتمام اليونانيين بقبول "عروض المساعدة المتكررة من فرونتكس" في ذلك اليوم، عندما كانوا يتحملون مسؤولية تنسيق عمليات البحث والإنقاذ في المنطقة.

ويتساءل التقرير عما إذا كانت الوكالة الأوروبية ستحافظ على وجودها في اليونان. ويشير إلى أن "هناك توتراً واضحاً بين التزامات فرونتكس في ما يتعلق بالحقوق الأساسية، وواجبها في دعم الدول الأعضاء في السيطرة على إدارة الحدود".

ولا تختلف سياسة الحكومة اليونانية في جوهرها عن مواقف بقية الدول الأعضاء، خصوصاً التي تستقبل الأعداد الكبيرة من اللاجئين، كما هو حال إيطاليا. وهي تدعو إلى تشديد الإجراءات إلى أقصى قدر ممكن من أجل منع سفن الهجرة.

ولم تواجه مواقف الحكومة اليونانية بردود فعل عكسية أو انتقادات من الاتحاد الأوروبي، عندما أحجمت في عدد من المرات عن تقديم المساعدة. وبدلاً من تقديم المساعدة للسفينة "أدريانا"، قامت بعمل خطير لسحبها، مما تسبب في انقلابها.

وفي المحصلة، قرر مكتب أمين المظالم الأوروبية، إميلي أوريللي، في يوليو/تموز الماضي، فتح تحقيق لتوضيح "الطريقة التي تحترم بها فرونتكس التزاماتها". وبموجب القانون الأوروبي، "يُطلب من الدول الأعضاء تقديم المساعدة لأي سفينة أو شخص يتعرض للخطر في البحر"، وينطبق هذا الالتزام "على فرونتكس عندما تقدم المساعدة الفنية والتشغيلية" للدول، في حدود إطار العمليات البحرية المشتركة.

تزايد أعداد المهاجرين رغم تشديد الإجراءات

السؤال الذي يطرح نفسه هو أنّه إذا كانت الصورة على هذه الدرجة من التعقيد، فلماذا تزداد أعداد المهاجرين، بل على العكس ترتفع في كل عام عن العام الذي سبقه؟ والجواب لا يكمن في عدم فعالية الإجراءات الأوروبية مائة بالمائة، إذ هناك أسباب أخرى يجرى تجاهلها.

أبرز الأسباب هو عدم وضع سياسات تعالج أسباب الهجرة، خصوصاً أنها تتم على مدى العقد الماضي من دول بعينها، وهي سورية وأفغانستان، والآن تنضم إليهما تركيا، وهو أمر يطرح أكثر من سؤال، كون تركيا بلداً مستقراً، ولا يعاني من عوارض البلدين الآخرَين.

عدم حل المسألة السورية سياسياً، يشكّل عامل دفع للسوريين إلى اللجوء

عدم حل المسألة السورية سياسياً، يشكّل عامل دفع للسوريين إلى اللجوء، بدلاً من عودتهم إلى بلدهم من دول الجوار، خصوصاً من تركيا ولبنان، أو البقاء داخل بلدهم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في شمال غرب سورية، والواقعة تحت سيطرة الفصائل الحليفة لتركيا، وفي الشرق الذي تحكمه الإدارة الذاتية الكردية.

يرفض النظام السوري عودة المهاجرين من تركيا ولبنان، فيما تعرّض الذين عادوا للاعتقال والتنكيل، وسيق أبناؤهم للخدمة العسكرية من أجل محاربة الفصائل المعارضة، ما أدى إلى تراجع العديد من السوريين عن فكرة العودة.

أما أسباب النظام فهي مختلفة، إذ يريد من جهة الحصول على مكاسب مالية وسياسية مقابل مقايضة عودة اللاجئين، ومن جهة ثانية يستخدم ورقة اللاجئين للضغط على أوروبا من أجل ابتزازها لصالح روسيا وإيران، في خضم صراعاتهما مع الاتحاد الأوروبي.

اللاجئون ورقة ضغط تركية تجاه أوروبا

بدورها، تستخدم تركيا ورقة اللاجئين السوريين في أكثر من اتجاه. الأول هو توظيفها في الداخل التركي لأغراض انتخابية، فبدل أن يبقى الأمر بيد أحزاب المعارضة، خصوصاً العنصرية منها، صار حزب "العدالة والتنمية" الحاكم يزايد في هذه الورقة، ويستثمر فيها من أجل مكاسب انتخابية، مثلما يجري حالياً في تصريحات المرشحين قبيل الانتخابات البلدية، والمقررة أواخر الشهر الحالي.

نفّذت تركيا حملات ترحيل إلى داخل سورية شملت أكثر من نصف مليون شخص

وقد شدّدت السلطة إجراءاتها على مدى العامين الأخيرين، ونفّذت حملات ترحيل إلى داخل سورية شملت أكثر من نصف مليون شخص، حسب الأرقام الرسمية. وتمكنت أعداد كبيرة من المرحّلين من سلوك طرق التهريب إلى أوروبا.

وحسب ما هو واضح، فإن أنقرة تلعب هذه الورقة مع أوروبا، حسب مصالحها، فتتشدّد عندما ترضخ أوروبا، وترخي الإجراءات عندما لا تستجيب لمطالبها الكثيرة. ولم يتغير هذا الأسلوب منذ بداية انفجار الوضع في سورية.

ويبدو أن هذا الطريق سيبقى مفتوحاً في المدى المنظور، وهو يخدم تركيا في التخلص من الأعداد الكبيرة من اللاجئين على أراضيها، ليس من السوريين فقط، بل من الأفغان الذين يتدفقون إليها عن طريق إيران.

وحتى الآن، لا يبدو أن المساعدات التي تقدمها أوروبا والمنظمات الدولية، تشكل معادلة مربحة لتركيا، التي لا تريد أن تتحول إلى شرطي يحمي حدود القارة، من دون الحصول على ثمن كبير، أقله العضوية في الاتحاد الأوروبي، وهذا حلم يبدو بعيد المنال لأسباب كثيرة، منها مآخذ أوروبا على الحكم التركي.

وتأتي هجرة الأتراك من بلدهم لتزيد من تعقيد العلاقة بين تركيا وأوروبا. فالتقرير الأوروبي الرسمي يشير إلى أنهم باتوا يحتلون المرتبة الثالثة بعد السوريين والأفغان، وهذا أمر على درجة عالية من الخطورة، في بلد يبدو مستقراً من الناحيتين السياسية والاقتصادية.

تشكّل الهجرة التركية إلى أوروبا مخاوف لعدة أسباب: الأول أن هجرة الأتراك ليست كهجرة السوريين أو الأفغان من حيث صعوبة اجتياز الحواجز لدخول أوروبا، بل يستطيع الأتراك دخول بعض الدول الأوروبية عن طريق جواز السفر، مثل بلغاريا وبلدان البلقان وحتى هنغاريا.

والثاني أن التسهيلات التي يحظى بها حملة جواز السفر التركي تهدد بحصول هجرة واسعة من تركيا إلى أوروبا، وهو ما تتحسب له دول أوروبا بعد صدور هذا التقرير، والذي يشكل لها مصدر قلق على المديين القريب والمتوسط.

المساهمون