"القضاة التونسيين": الحركة القضائية تكرّس قبضة السلطة التنفيذية

"القضاة التونسيين": الحركة القضائية تكرّس قبضة السلطة التنفيذية وتستعيد منظومة الجزاء والعقاب

05 سبتمبر 2023
من اجتماعات "القضاة التونسيين" (العربي الجديد/أرشيف)
+ الخط -

اعتبرت جمعية القضاة التونسيين أنّ الحركة القضائية للقضاة العدليين لسنة 2023 -2024، بموجب الأمر الرئاسي الصادر بتاريخ 29 أغسطس/ آب الماضي، هي حركة لـ"إحكام قبضة السلطة التنفيذية على القضاء"، واستعادة منظومة "الجزاء والعقاب".

وقالت الجمعية، في بيان لها، اليوم الثلاثاء، إنّ هذه الحركة القضائية، الأولى بعد إجراءات الرئيس قيس سعيّد بحل المجلس الأعلى للقضاء وتعويضه بمجلس مؤقت "تابع كلياً في تعيين أعضائه وفي صلاحياته للسلطة التنفيذية"، تمثّل "حلقة جديدة من حلقات استهداف استقلال القضاء والقضاة"، واعتماد منطق "زبونية جديدة تقوم على الانعدام الكلي للمعايير في إدارة المسارات المهنية للقضاة، عدا معياري القرب أو البعد من رغبات السلطة وتوجهاتها".

وأضافت أنه "تبين بشكل جلي لا يدع مجالاً لأي شك أو تردد أن الحركة القضائية هذه السنة كانت بالكامل من تصور وتصميم وإعداد وزيرة العدل (ليلى جفال) وفي سياق حملات استهداف بيّنة للقضاة تولتها غرف مظلمة تدعي النشاط السياسي لفائدة رئيس الجمهورية".

وأكد البيان أن موافقة رئيس الجمهورية على الحركة بكل "خروقاتها"، تجعل "حركة السلطة التنفيذية في إحكام القبضة على القضاء، واستعادة نظام الجزاء والعقاب".

وعبّر مكتب الجمعية في هذا السياق عن "عميق انشغاله لما آلت إليه الأوضاع من مزيد اختلال التوازن كلياً بين السلطة التنفيذية والسلطة القضائية من خلال سلب القضاة كل مقومات الأمان في مساراتهم المهنية بما سيفضي إلى مزيد إضعاف دورهم في إقامة العدل وتكريس علوية القانون وحماية الحقوق والحريات".

وتأتي هذه الحركة، بحسب "القضاة التونسيين"، بعد "حجبها السنة الماضية في سابقة تاريخية لم تحصل من قبل وفي خرق بعدم تقيد بالمرسوم عدد 11 لسنة 2022 الذي وضعه رئيس الجمهورية بنفسه والذي ينص على إمضاء الحركة في أجل 21 يوماً من إحالتها عليه، وعلى نشرها بالرائد الرسمي في أجل 7 أيام، إذ لم تتضمن الحركة أي إشارة إلى تاريخ إحالتها إلى رئيس الجمهورية، وما نتج عن ذلك الحجب من تعطل مصالح المتقاضين وكل المتعاملين مع الشأن القضائي بشكل لافت بمفعول الشغورات الكبيرة التي لم يقع سدها، ومن حرمان القضاة بموجب ذلك الحجب من حقهم في النقلة والترقية وإسناد الوظائف القضائية".

وأشارت الجمعية في بيانها إلى أنّ هذه الحركة القضائية "شملت 1088 قاضياً وقاضية، وهي تعتبر بذلك من أكبر الحركات القضائية عددياً إلا أنها شهدت إخلالات عديدة"، موضحة أنّ الحركة لم تشمل "أي قاض من القضاة المعفيين بموجب الأمر الرئاسي عدد 516 المؤرخ في 01 جوان (يونيو) 2022، المتحصلين على أحكام باتة من المحكمة الإدارية منذ 09 أوت (أغسطس) 2022 بتوقيف تنفيذ أمر الإعفاء الظالم الصادر ضدهم".

مما يعني، برأي البيان، التأكد من إصرار السلطة "على عدم الالتزام بالأحكام القضائية وبعلويتها وانتهاكها مبدأ سيادة القانون، وانتهاجها نهج التسلط والانغلاق، وعدم الانصاف في التعاطي مع ملف القضاة المعفيين ظلماً".

وأدان البيان المساس "بتركيبة المجلس الأعلى المؤقت للقضاء العدلي وبسلطة القرار داخله لفائدة السلطة التنفيذية"، وأكد "انتهاك معياري الكفاءة والنزاهة في أكثر من تسمية وتعيين، بما ينزع على الحركة التوجه الإصلاحي المزعوم الذي تذرعت به السلطة للاستئثار بكامل الشأن القضائي، ولتقويض مكتسبات القضاء المستقل".

واعتبرت الجمعية أنّ "الحركة كرّست عملية فرز ممنهجة على خلفية مدى التزام القضاة بالتحركات الرافضة لكل الاعتداءات التي طالت المؤسسة القضائية، بدءاً بحل المجلس الأعلى للقضاء الشرعي، وانتهاء إلى التصدي لقرارات الإعفاء الجائرة، إذ نشهد من خلالها إغداقاً للخطط على الكثير من القضاة الذين ساندوا الوزارة في محاولات إفشال تحركات القضاة، وعبروا بوضوح على صفحاتهم على شبكة التواصل الاجتماعي فيسبوك عن مساندتهم لمسار السلطة، وعلى استعدائهم لجمعية القضاة، إذ تم إسنادهم الخطط بمحكمة الاستئناف بتونس في خرق فاضح لقواعد الأقدمية".

وتابع البيان أن أفضل الخطط وأماكن العمل منحت لـ"قضاة ممن وافقت أعمالهم توجيهات السلطة التنفيذية العلنية، من ذلك إسناد منصب وكيل الجمهورية بالمحكمة الابتدائية بتونس ومنصب عميد قضاة التحقيق، وهما من أخطر المناصب القضائية وأهمها".

وقال البيان إن "الحركة القضائية الأخيرة كشفت عن استهداف السلطة جمعية القضاة التونسيين بشكل واضح، من خلال تسليط العقوبات الجماعية على رموزها التاريخية، ومسؤوليها الحاليين من أعضاء مكتبها التنفيذي وهيئتها الإدارية، وعدد كبير من نشطائها ومنخرطيها، بغاية إسكاتهم وترهيبهم وثنيهم عن مواصلة مواقفهم وتحركاتهم المدافعة عن مقومات القضاء المستقل وضماناته المهدورة وعن حقوق المواطنين وحرياتهم".

وختم البيان بالقول إنّ هذه الحركة "تستبق تركيز المحكمة الدستورية وتهيئ لتسمية أعضائها من القضاة العدليين"، داعياً القضاة "إلى التمسك باستقلاليتهم وحيادهم وبأداء رسالتهم النبيلة، في إقامة العدل وتطبيق القانون بشكل سليم، وحماية الحقوق والحريات على أكمل وجه، وعدم الانسياق وراء أي طلبات قد تقدم إليهم أو تأثيرات قد تسلط عليهم من أي جهة كانت".

وأعلنت الجمعية نيتها عقد ندوة صحافية لـ"مزيد إنارة الرأي العام القضائي والوطني"، حول "مخرجات الحركة القضائية وتداعياتها"، سيجري الإعلان عن تاريخها ومكان انعقادها في وقت لاحق.