"القانون والتشريع": وسائل إسرائيل لترهيب الفلسطينيين وتكميم أفواههم

"القانون والتشريع": وسائل إسرائيل لترهيب الفلسطينيين وتكميم أفواههم

26 نوفمبر 2023
اعتقال متظاهرة ضد اعتقال بعض قيادات المجتمع العربي في الداخل (أحمد غربلي/فرانس برس)
+ الخط -

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبالتزامن مع إعلان إسرائيل الحرب العسكرية على قطاع غزّة، أُعلنت حربٌ ضروسٌ على الرواية الفلسطينية، وكلّ من يرويها في الإعلام الكلاسيكي ووسائل التواصل الاجتماعي، والتنكيل بكلّ ما هو فلسطيني، في مختلف أماكن تواجدهم، ومن ضمنهم الفلسطينيون في الداخل، وفي شرق القدس المحتلة، مستخدمةً كلّ وسائل التضييق وسياسات تكميم الأفواه لمنعهم من نصرة أبناء شعبهم في قطاع غزّة.

من أجل التضييق على الفلسطينيين، ومنعهم من إظهار الحقيقة، لم تُبق إسرائيل في ترسانتها أيّ وسيلةٍ، سواء كانت قانونيةً أم غير قانونيةٍ، مستخدمةً في ذلك كلّ أذرعها ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية، وجهات تطبيق القانون، والجامعات والمعاهد الأكاديمية، والشركات وأرباب العمل والمشغلين، وصولًا إلى الشركات التي تشغل شبكات التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى وحدة السايبر، التابعة للنيابة العامّة، التي كانت تتجسس على مدار سنواتٍ على الفلسطينيين، وما ينشرونه، وتلاحقهم وتعتقلهم على هذه الخلفية. كما أنشأ وزير الأمن القومي المتطرّف إيتمار بن غفير هيئةً أخرى تابعةً للشرطة، أسماها "طاقم رصد التحريض"، وظيفتها متابعة كلّ ما ينشره الفلسطينيون في الداخل، وفي شرق القدس المحتلة، وفي الضفّة الغربية المحتلة، واعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة، بذريعة دعم الإرهاب، أو التحريض على الإرهاب والعنف، أو التماهي مع منظّمةٍ إرهابيةٍ (يقصد حركة حماس).

بالإضافة إلى المستوى الرسمي، أُنشئت ميليشياتٌ إلكترونيةٌ من يهودٍ متطرّفين (وغير متطرّفين)، عملت تطوعًا على رصد منشورات الشباب الفلسطيني في الداخل، لا سيّما في الأكاديميات، ومن يعملون في القطاع الصحي، تقدّم شكاوى للشرطة، أو لإدارة الأكاديميات، أو المؤسسات الصحية، أكبرها من سموا أنفسهم "صياد النازيين"، في محاولةٍ لوصم كلّ من يخالف رواية إسرائيل أو ينتقد مجازرها في قطاع غزّة بأنّه نازيٌ، وكارهٌ لليهود، ومعادٍ للسامية، وهي كلّها تهمٌ يعاقب عليها القانون الإسرائيلي، وحصلوا على التعاون التام من هذه المؤسسات.

الترهيب والاعتقال

رصد مركز عدالة القانوني، حتّى تاريخ 21/11/2023، 259 حالة اعتقالٍ، أو تحقيقٍ، أو "محادثةٍ تحذيريةٍ"، وهي التسمية الرسمية لمحادثات الترهيب، التي تقوم بها الشرطة، أو جهاز الأمن العامّ (الشاباك)، كان من بينها 121 حالةً على خلفية منشورات على شبكات التواصل الاجتماعي، و31 حالةً على خلفية المشاركة في مظاهراتٍ احتجاجيةٍ ضدّ الحرب على غزّة، وضدّ المجازر الإسرائيلية، وباقي الحالات تفرقت بين شكاوى من مدنيين، أو محادثاتٍ شخصيةٍ. من بين كلّ هذه الحالات قدّم 132 طلب تمديد اعتقالٍ من قبل النيابة العامّة، وفي 84 حالةٍ إطلاق سراح الأشخاص بعد التحقيق، سواء في الشرطة أو الشاباك (تشمل من حقق معهم لساعاتٍ طويلةٍ، أو اعتقلوا لليلةٍ دون تقديمهم للمحاكمة في اليوم التالي). من بين طلبات تمديد الاعتقال؛ قدّمت لوائح اتهامٍ ضدّ 70 شخصًا، توزعت بالتساوي بين الداخل والقدس المحتلة، ويفصل بينهم في شرطة المحاكم، بسبب الحالة القانونية لهم، ونوع الإقامة التي يحمّلونها.

قالت نائبةٌ في الكنيست إنّه "بحسب الفيلم لم يكن هناك ذبحٌ للأطفال، ولا اغتصابٌ للنساء، ولا قطع رؤوس"

التضييق الأكاديمي:

لم يسلم طلاب الجامعات من الملاحقات والتضيق، وفرضت عليهم إدارات المعاهد الأكاديمية عقوباتٍ قاسيةً وصلت حدّ الفصل من التعليم للأبد، إذ قُدّم 110 طالبٍ إلى لجان الطاعة، في مختلف المعاهد الأكاديمية في البلاد، على خلفية منشوراتٍ على شبكات التواصل الاجتماعي؛ بحسب معطيات مركز عدالة، 8 منهم أبعدوا للأبد عن المؤسسات الأكاديمية في إسرائيل، و49 منهم لم يتخذ أيّ إجراءٍ ضدّهم بعد، و52 منهم فصلوا مؤقتًا، لفتراتٍ تتراوح بين فصلٍ دراسيٍ حتّى أربعة فصولٍ، وحالةٌ واحدةٌ عادت إلى مقاعد الدراسة، بعدما تبيّن أنّ الشكّوى التي قدّمت من زملائها كانت ضدّ مستخدمٍ آخر يحمل الاسم نفسه، ومن قدّم الشكّوى كانت إحدى الميليشيات الإلكترونية العاملة في الجامعات، ما يثبت حالة السُّعار التي كانت، وأنّ المهّم هو الترهيب والردع، وليس الحقّ كما يزعمون.

قمع المظاهرات والاحتجاج:

قمعت الشرطة الإسرائيلية كلّ محاولات الاحتجاج والتظاهر، والتعبير عن الرأي، بكلّ الوسائل، واستخدمت القوّة في كلّ مكانٍ حاول الفلسطينيون فيه التظاهر ضدّ الحرب، واستعملت سياسة الاعتقالات الاستباقية، أو فض التظاهرات بالقوّة قبل أن تبدأ، مثل ما حدث في الناصرة يوم 2023/11/9، إذ اعتقلت قيادات الأحزاب السياسية للفلسطينيين في الداخل؛ منهم من شغل عضوية نائب سابق في الكنيست الإسرائيلي، واقتادتهم للتحقيق قبل بدء وقفةٍ احتجاجيةٍ كانوا قد دعوا إليها في المدينة، وحققت معهم لساعاتٍ طويلةٍ، ومن ثم أفرجت عنهم بشروطٍ مقيدةٍ، منها الإبعاد عن مدينة الناصرة.

كما اعتقلت الشرطة 9 أشخاصٍ في وقفةٍ احتجاجيةٍ في أم الفحم، بعد الاعتداء على المتظاهرين، باستعمال العنف المفرط والضرب، وكلّ وسائل تفريق التظاهرات، ولاحقًا أطلقت سراح سبعةٍ منهم، بشروطٍ مقيدةٍ، فيما يواجه اثنان منهم لوائح اتهامٍ حتّى اليوم.

في مدينة حيفا، سُعِرت قوات الشرطة على المتظاهرين قبل بدء التظاهرة، واعتقلت خمسة أشخاصٍ قبل أن يبدأ المتظاهرون في التجمع، وأغلقت الشوارع حتّى لا يتمكّن المتظاهرون من الوصول إلى مكان التظاهرة، واعتدت الشرطة على كلّ من وصل راجلًا بالضرب المبرح، بعدما نشرت قواتٍ مدججةً في كلّ أرجاء المنطقة، واعتقلت إحدى الناشطات في طريقها إلى التظاهرة، من أجل منعها من الوصول.

كذلك رفضت الشرطة منح أيّ تصريحٍ لتنظيم أي تظاهرةٍ، ولو في داخل البلدات العربية، زاعمةً أنّ هذه التظاهرات في زمن الحرب تشجع على التحريض، والإخلال بالنظام العامّ، و"المس بمشاعر اليهود".

قوانين لمنع الرواية الفلسطينية:

لم تكتف إسرائيل بما سبق من أجل الترهيب والتضييق، ومنع الرواية الفلسطينية من الانتشار، بل انضمت سلطتها التشريعية إلى محاربة الفلسطينيين معنويًا وإعلاميًا، وصادقت على قانونٍ يجرم "استهلاك المحتوى الإرهابي". ووفقًا للقانون، فإنّ "المنظّمات الإرهابية" المُدرجة في نص القانون هي "حماس" و"داعش"، ومن "يستهلك" هذا المحتوى معرّضٌ لعقوبةٍ قد تصل حدّ السجن.

بالإضافة لهذا القانون، صرّح وزير القضاء ياريف ليفين، وعضو حزب يسرائيل بيتينو عوديد فورير، كلٌّ على حدة، بأنّهما ينويان تقديم مشروع قانون بموجبه تفرض عقوبةٌ على كلّ من ينكر أحداث السابع من أكتوبر، أو يقلّل منها، قد تصل حدّ السجن، بمعنى آخر إمّا أن تكرّر ما تقوله إسرائيل الرسميّة، أو تعاقب. وجاء هذا الاقتراح بعدما عرض مكتب الناطق بلسان الجيش شريطًا لأحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وسمّاه توثيق الفظائع، ومن ضمّن المجموعات المخصّصة الّتي عرض أمامها الفيلم، كانت مجموعةٌ من أعضاء الكنيست. بعد أيّامَ من عرض الشريط قالت نائبةٌ في الكنيست إنّه "بحسب الفيلم لم يكن هناك ذبحٌ للأطفال، ولا اغتصابٌ للنساء، ولا قطع رؤوس".

ومن الجدير بالذكر أنّ هذه النائبة لم تكن أوّل من قال ذلك، إذ نقلت وسائل إعلامٍ عدّةٌ، منها I24 news وCNN خبرًا مفاده العثور على جثثٍ مقطوعة الرأس، ليدحض الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي الخبر قائلًا أنّه لا يوجد تأكيدٌ لديهم على حدوث مثل ذلك، لتعتذر مراسلة الـ CNN لاحقًا عن خبرها.