الفلسطينيون والتطبيع الإقليمي

الفلسطينيون والتطبيع الإقليمي

25 سبتمبر 2022
رسم لـ عماد حجاج (العربي الجديد)
+ الخط -

رفض الفلسطينيون مسار التطبيع الإقليمي، انطلاقاً من تداعيات التطبيع السلبية على النضال الفلسطيني، وعلى يوميات الفلسطيني تحت الاحتلال. يتقاطع الرفض الفلسطيني مع رفض شعبي إقليمي داخل وخارج الدول المطبعة، يمكن تلمسه من الامتناع الشعبي عن الانخراط في مسارات التطبيع العملية، كذلك في الاحتجاجات المتواصلة عند القدرة على الاحتجاج؛ في مصر والأردن والسودان والمغرب.

كشف التطبيع الإقليمي الرسمي اللثام عن معضلتين، تتمحور الأولى حول كيفية مواجهة المسار التطبيعي الرسمي شعبياً، في ظل أنظمة استبدادية قمعية أمنية لا تعترف بالإرادة الشعبية وتقصيها. تتعلق المعضلة الثانية بظهور شريحة شعبية؛ محدودة نسبياً، تؤيد أو تبرر التطبيع الإقليمي، وهو موضوعنا الراهن.

طاولت اتفاقات أبراهام العديد من الجوانب، التعليمية والثقافية والإعلامية، التي تساهم في صناعة الرأي العام، معبرةً عن مسعى صهيوني يستهدف صناعة رأي عام شعبي إقليمي مؤيد ومقر بالاحتلال وديمومته.

فرضت اتفاقيات أبراهام على الفلسطينيين الدخول في معركة جديدة، تتعلق بصناعة الرأي العام الإقليمي، رغم المؤشرات الإحصائية الراهنة، التي تعبر عن رجاحة الكفة الفلسطينية بفارق شاسع عن كفة الاحتلال.

لكن علينا أخذ المتغيرات المحتملة مستقبلاً بعين الاعتبار، خصوصا تأثير الخطاب الإعلامي والتعليمي والثقافي الموجه لصالح الاحتلال، داخل الدول المطبعة وفي مجالها الإقليمي الذي تؤثر فيه، عبر الكتب والدراسات المنشورة والمواقع الإلكترونية العربية، ومن خلال القنوات الإعلامية الفضائية العابرة للحدود الوطنية. كما يملك الاحتلال أدواته الخاصة بهذا الشأن أيضاً، إذ يعمل على تطوير أدواته وأساليبه الساعية إلى صناعة رأي عام عربي داعم ومتقبل ومتفهم وجود الاحتلال وبقاءه.

طاولت اتفاقات أبراهام العديد من الجوانب، التعليمية والثقافية والإعلامية، التي تساهم في صناعة الرأي العام، معبرةً عن مسعى صهيوني يستهدف صناعة رأي عام شعبي إقليمي مؤيد ومقر بالاحتلال وديمومته.

بناء عليه، على الجانب الفلسطيني؛ لا سيما الشعبي، إيلاء مسألة صناعة الرأي العام الإقليمي أهمية كبرى، بعد سنوات من الركون إلى حتمية تأييد شعوب المنطقة قضية فلسطين وحقوق شعبها.

يملك الجانب الفلسطيني العديد من مقومات النجاح في معركة صناعة الرأي العام الإقليمي، استناداً إلى التاريخ واللغة المشتركة ووحدة المصير والانتماء، في مقابل جوانب ضعف مقلقة استغلها خطاب التطبيع في سياقات تبرير التطبيع وترويجه.

تتمثل جوانب الضعف الفلسطيني في ثلاث مسائل، أولاها ازدواجية المعايير، ففي حين ترفض الغالبية الفلسطينية التطبيع الإقليمي مع الاحتلال، يؤيد بعض الفلسطينيين بل ويتماشون مع تطبيع الجانب الفلسطيني الرسمي أو الفصائلي، ممثلاً في تأييد اتفاق أوسلو وإفرازاته، وفي تأييد انخراط بعض أحزاب فلسطينيي 48 في نظام الاحتلال السياسي وحكومته.

يمثل نكوص العلاقة الشعبية السياسية الفلسطينية مع شعوب المنطقة ثاني تلك المسائل، إذ سعى الجسم السياسي الفلسطيني؛ المنظمة والسلطة وكافة الفصائل، إلى نسج علاقات رسمية مع دول المنطقة، على حساب العلاقة مع شعوب المنطقة. الأمر الذي أضعف النفوذ الفلسطيني في الأوساط الشعبية الإقليمية، وجعل الجسم السياسي الفلسطيني جزءاً لا يتجزأ من النظام الرسمي العربي.

ثالثاً، مركزية وأولوية القضية الفلسطينية، لا يصح الجدال حول ذلك فلسطينياً. في المقابل، لا بد من تفهم أولويات شعوب المنطقة الآنية، المتعلقة بتهديد حياتهم اليومية، أمنياً واقتصادياً وسياسياً، سواء كان مصدر التهديد داخلياً، متمثلاً في النظم القمعية والاستبدادية والنهبية، أو خارجياً عبر دول أخرى، إيران وتركيا وروسيا وأميركا.

تلك هي أبرز جوانب الضعف الفلسطيني أخيراً، التي يجدها الكاتب عاملاً أساسياً في اختراق الخطاب التطبيعي إقليمياً، بعد سنوات من استعصاء دول ومجتمعات الإقليم على الاختراق الصهيوني، وهي ذات العوامل التي قد تساهم في صناعة رأي عام إقليمي يتفهم وجود الاحتلال وبقاءه، بغض النظر عن مجمل حقوق الفلسطينيين السياسية والوطنية والاجتماعية.

المساهمون