الغموض يلف المشهد السياسي التونسي: ترقب وتنديد بالاعتداء على الحريات

الغموض يلف المشهد السياسي التونسي: ترقب وتنديد بالاعتداء على الحريات

02 سبتمبر 2021
ليس لدى أنصار سعيّد رؤية أو تصور وليس حوله كادر سياسي ولا أفكار حقيقية (Getty)
+ الخط -

تعيش تونس حالاً من التوتر والترقب الشديدين بسبب الغموض الكامل حول مستقبل المشهد السياسي وامتناع الرئيس قيس سعيد عن تقديم أي ملمح لخارطة طريق توضح نواياه.

وامتزج الغموض بغضب كبير في الساعات الأخيرة بعد الاعتداءات الأمنية على صحافيين ونشطاء أمس الأربعاء في وقفة احتجاجية وسط العاصمة، ما زاد من مخاوف الاعتداء على الحقوق والحريات ودفع أحزاباً ومنظمات إلى إصدار بيانات إدانة شديدة لهذه الاعتداءات غير المبررة.

وتوالت مواقف الإدانة لهذه التطورات الخطيرة، من نقابة الصحافيين والأحزاب والاتحاد العام التونسي للشغل الذي أدان هذه الاعتداءات وطالب بـ"فتح تحقيق جدّي وتحميل المسؤوليات لكلّ من تورّط في هذا الاعتداء الهمجي"، واعتبر أنّ "المساس بالحريات والتضييق على ممارسة الحقوق الأساسية والدستورية؛ وأوّلها الحقّ في التعبير والتظاهر هي خطّ أحمر لا يمكن قبول المساس به"، وجدد "تمسكه بضرورة كشف الحقيقة كاملة بخصوص ملفّ الاغتيالات وتقديم كلّ من تورّط تمويلاً وتخطيطاً وتنفيذاً وتواطؤاً للمحاكمة".

وعبر "الحزب الجمهوري" عن "رفضه وتنديده بالعنف المسلط على الشباب المحتج وعلى الصحافيين"، معتبراً إياه "مصادرة لحق فئة من التونسيين في التظاهر السلمي المكفول دستورياً وانتهاكاً لحرية العمل الصحفي وكرامة الصحافيين"، وشدد على أنه "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تشكل الأحكام الاستثنائية التي أعلن عنها رئيس الجمهورية مدخلاً لانتهاك الحقوق الأساسية للمواطنين".

وفي اجتماع مع مسؤولي وزارة الداخلية مساء اليوم الخميس، دعا سعيد إلى "ضرورة التعامل مع المتظاهرين في إطار ما يضبطه القانون، والالتزام باحترام حقوق المواطنين في التظاهر السلمي وحرّية التعبير".

وشدّد في بيان للرئاسة على "ضرورة اعتماد مقاربة جديدة تضمن مقومات دولة القانون وترسّخ مبادئ الأمن الجمهوري وتحفظ النظام والأمن وتحمي المواطنين وممتلكاتهم وتكفل لهم ممارسة حقوقهم".

وفي جانب آخر، أُعلن اليوم الخميس عن إيقاف المحامي مهدي زقروبة من طرف قاضي تحقيق المحكمة العسكرية في ما يُعرف بقضية المطار، مع العلم أن زقروبة هو محامٍ للمتهمين من نواب "ائتلاف الكرامة" في هذه القضية، وهو ما سيزيد من التوتر مع عمادة المحامين الغاضبة أصلاً بسبب إجراءات سابقة مماثلة.

واتهم الرئيس سعيد مساء أمس الأربعاء، أطرافاً لم يسمها، بجلب مرتزقة إلى تونس، دون تقديم أي توضيحات حول هذه الاتهامات الخطيرة التي تزيد من حجم المخاوف لدى التونسيين، خصوصاً وأنها تأتي بعد ترويج شائعات على مدى أيام بوجود مخططات اغتيال واهية، كذّبها وزيرا الخارجية في تونس وليبيا، وساهمت بشكل كبير في توتير العلاقة بين البلدين.

ويفسر المحلل السياسي، الحبيب بوعجيلة هذا المشهد بأننا "أمام أزمة حقيقية باعتبار أن رئيس الجمهورية، وهو سلطة من السلطات الثلاث في الدولة، استفرد بكامل السلطة على قاعدة إجراءات استثنائية جاءت من مبررات حقيقية، لأن هناك فعلاً أزمة سياسية في إدارة البلاد على امتداد أكثر من سنة".

وشدد على أن "رئيس الجمهورية قام بإيقاف أزمة سياسية سببها تشتت السلطة ليضعنا في أزمة سياسية أخرى سببها تمركز السلطة في يد طرف يبدو أنه لا يملك رؤية للخروج من الأزمة".

وتابع: "إلى الآن لا وجود لإشارات لتجاوز الأزمة وسط حال من الضغط الدولي بينما وضعية السقف الوطني ضعيفة جداً، لا على مستوى الاقتراح ولا حضور الطبقة السياسية القادرة على أن تكون شريكة في صياغة مستقبل البلاد".

وأكد المتحدث أن "هناك حال شللٍ تعيشه الطبقة السياسية وحالاً من انعدام الخيال وحالاً من الإحباط، وفي مقابل حال من الحماس العاطفي الذي لا معنى له من أنصار قيس سعيد دون أن يكون لهم رؤية أو تصور، وليس حوله كادر سياسي ولا أفكار حقيقية، ودخلت البلاد في حال من التنجيم السياسي في انتظار الفرد، ماذا يفكر وماذا يريد".

بدأ الرئيس سعيّد يفقد بعض التأييد من المزاج العام الذي يشهد بعض التململ، كما أن الأحزاب السياسية بدأت تراجع الموقف

وحول الزيارة المنتظرة للسيناتور الأميركي كريس مورفي، السبت، وتتالي المواقف الدولية القلقة من سقوط التجربة التونسية، قال بوعجيلة: "أعتقد أن التجربة الديمقراطية التونسية لم تكن تجربة تونسية فقط، بل هي أيضاً جزء من تصور جديد للعالم تقوده أميركا، نحو تقديم نموذج آخر للمنطقة العربية قوامه كيف نستطيع أن نتخلص من عبء أنظمة استبدادية، برغم خدمتها للمصالح، ولكنها أنظمة غير مضمونة على مستوى شرعيتها من شعوبها".

وتابع: "بدأ التصور الجديد في المنطقة العربية على قاعدة دمقرطة الدول من خلال تشجيع النخب الوطنية على إنتاج نظم أكثر شرعية واستقراراً وتضمن بدورها قدراً أكبر من تبادل المصالح، وفي هذا الإطار تندرج تجارب الربيع العربي التي فشلت في أغلب الدول وبقيت التجربة التونسية كحال فريدة وكمخبر وكنموذج للعالم العربي".

وتوقع بوعجيلة أن "زيارة أعضاء الكونغرس ستكون لمطالبة رئيس الجمهورية بخارطة طريق واضحة لا تتجاوز سقف الدستور والانتقال الديمقراطي كما تم إقراره وفقاً لدستور 2014، ولكن المشكل الحقيقي في غياب نخبة وطنية وسقف وطني برؤية واضحة قادرة على توضيح أنه صحيح أن مرحلة ما قبل 25 يوليو/تموز كانت أزمة سياسية ومرذلة ومزعجة للشعب التونسي وديمقراطية لم تقدم إنجازاً للشعب التونسي؛ ولكن في المقابل فإن الانفراد بالسلطة لا يمكن أن يقود إلى حل، وأنه يمكن إصلاح الديمقراطية التونسية وتحصينها من الفساد وتحويلها إلى إطار للإنتاج والتنمية وتحويل 25 يوليو/تموز إلى فرصة حقيقية للإصلاح".

بدوره، أكد أستاذ القانون الدستوري، رابح الخرايفي أن "الرئيس سعيد في موقف صعب من الناحية الدّستورية والسياسية أيضاً، بمعنى أنه دستورياً لا توجد مؤشرات تصور لما بعد الاستثناء، وسياسياً بدأ يفقد بعض التأييد من المزاج العام الذي يشهد بعض التململ، والأحزاب السياسية أخذت وقتها وبدأت تراجع الموقف، وبدأت المواقف تتغير في اتجاه تصاعد نبرة الاحتجاج".

وبين أن "السلوك السياسي لرئيس الجمهورية يعتمد الغموض والمباغتة، ورغم أن هذه السياسة المعتمدة كسبت الرأي العام في البداية؛ فإنه وجب التنبيه إلى أن المزاج العام متغير وقد يصطدم مع الرئيس، وحتى مع أنصاره الذين لهم أيضاً طلبات، ولكن الدولة لن تتمكن من تلبيتها بحكم الأوضاع الاقتصادية المعلومة، والدليل هو هذه الورطة التي يجد فيها الرئيس نفسه، حيث أن كل جهة يطلب منها الرئيس تخفيضات في الأسعار (اللوازم المدرسية والسلع الغذائية والحديد) تكون النتائج عكسية"، مبيناً أن "من ينصحون الرئيس بصدد توريطه".

وحول المخارج الدستورية المتاحة أمام الرئيس سعيد؛ قال الخرايفي: "إنها مبنية كلّها على فرضيات، من بينها أن الرئيس قد يسير في اتجاه صياغة دستور جديد، ولكن الورطة التي قد يقع فيها وتقع فيها الدولة التونسية بصفة عامة هي؛ هل سيكتب هذا الدستور بمفرده ويعرضه على الناس؟ نظرياً هذا يسمى بالدساتير الممنوحة المعتمدة في الأنظمة الملكية مثل دستور 1861 في تونس مثلاً، أو سيقوم بإصلاح هذا الدستور؟ كلها فرضيات ولا أحد يملك الإجابة عليها".