"العمال الكردستاني" خارج مخمور العراقية: تفاهمات مع بغداد

حزب العمال الكردستاني خارج مخمور العراقية: تفاهمات مع بغداد بعد ضغوط تركية

26 أكتوبر 2023
عناصر من "العمال الكردستاني" في مخمور، أكتوبر 2014 (Getty)
+ الخط -

تعود منطقة مخمور، شمالي العراق، إلى واجهة الأحداث من جديد بعد التطورات الأخيرة التي شهدتها خلال الأيام الماضية من انسحاب مسلحي "حزب العمال الكردستاني" المعارض لأنقرة من المنطقة بشكل مفاجئ، وترك مواقعهم التي كانوا يتحصنون فيها في جبال قره جوغ، المقابلة لمنطقة مخمور، جنوبي محافظة نينوى، المحاذية لإقليم كردستان العراق، شمالي البلاد.

انسحاب نحو 400 عنصر من مسلحي "الكردستاني" مع أسلحتهم وترك مواقعهم، بما فيها من خنادق وكهوف في جبال قره جوغ، باتجاه جبال قنديل على الحدود بين العراق وإيران، جاء بناء على تفاهمات بين الحكومة العراقية وقيادة الحزب خلال الفترة الماضية، حسب ما أفاد ضابط كبير في البشمركة.

وقال الضابط، الذي رفض الكشف عن هويته، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن الضغوط التركية المتواصلة على بغداد، حيال انتشار مسلحي "الكردستاني"، تمّت بناء على ورقة تركية شكّلت أساساً لأي تفاهم مع العراق في ملفات المياه والطاقة والتجارة.

وكشف أن بغداد طالبت عناصر "الكردستاني" بمغادرة محافظة نينوى، وشكّلت الخطوة الأولى الانسحاب من مخيم مخمور للنازحين وإنهاء أنشطتهم فيه، وكذلك إخلاء مواقعهم في جبال قره جوغ، بتنسيق مسبق مع الجيش العراقي الذي بدأ بتسلم تلك المواقع منهم.

تفاهمات مع بغداد بعد ضغوط تركية

وأوضح الضابط نفسه أن الضغط التركي بدا واضحاً خلال الأسبوع الذي سبق انسحاب المسلحين، من خلال تكثيف الضربات الجوية على مواقع الحزب في محيط مخيم مخمور، وهو ما عجل في قبوله الحزب التنسيق مع بغداد والانسحاب من تلك المواقع، مع بقاء عائلات المسلحين في مخيم مخمور للاجئين. وأكد الضابط أن غالبية مَن في المخيم هم من المؤمنين بأفكار الحزب وخيار العمل المسلح ضد أنقرة.


محما خليل: انسحاب "الكردستاني" من بعض النقاط الأمنية في مخمور لا يعني نهاية وجوده

 

وأشار الضابط في البشمركة إلى أن مسلحي "الكردستاني" انسحبوا إلى مواقع أخرى في شمال العراق، منها جبال قنديل، شمالي أربيل، ومحافظة السليمانية، حيث ينشطون في الفترة الأخيرة، لكن النقطة الأكثر تعقيداً، مرتبطة بمدى إمكانية انسحابهم من سنجار، التي يعتبرها "الكردستاني" نقطة اتصال مهمة مع الحسكة السورية، التي تسيطر عليها "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، وهو أمر لا يبدو أنه سيكون سهلا أو قابلا للتحقق على الأقل هذه الفترة. وتحدث عن أن "انشغال العالم بالحرب على غزة، لم يوقف الهجمات التركية داخل العراق وسورية على مواقع الحزب".

وكان "حزب العمال الكردستاني" قد أعلن في 19 أكتوبر/ تشرين الأول الحالي، عن انسحاب قواته بالكامل من مخيم مخمور. وذكرت "القيادة المركزية للدفاع الشعبي" التابعة له في بيان أنها "سحبت قواتها من مخمور إلى مناطق الدفاع المشروع (جبال قنديل) بطريقة خفية ومنظمة ومخططة وذلك لأسباب أمنية".

وأضافت "القيادة المركزية" أنه "تم إرسال قوات الكردستاني إلى مخيم مخمور في عام 2014 لحماية اللاجئين والتصدي لهجمات تنظيم داعش، وبعد إتمام المهمة، قررت قيادة الحزب سحب القوات من مخمور، ومنذ مطلع شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بدأ الحزب بسحب قواته من القضاء".

لكن في المقابل، اعتبرت العديد من المصادر أنّ انسحاب "الكردستاني" من قضاء مخمور انسحاب شكلي، غرضه التمويه، لأن بقاء الحزب مستمر في المنطقة عبر مخيم اللاجئين حيث أُسر وعائلات مسلّحيه.

وأكدت مصادر في مخمور أن "الكردستاني"، بات يُجند المقاتلين في مخيم مخمور، يشارك بشكل أو بآخر في الهجمات على القوات التركية، ويستقبل آخرين وافدين من مناطق القتال، ويسعى للتمدد والسيطرة على مناطق في محيط المخيم، الذي تحول إلى مركز قيادة له، بحسب وجهة النظر التركية التي لم تنفها أو تؤكدها بغداد وأربيل.

وفي مايو/أيار الماضي أخفق الجيش العراقي في دخول مخيم مخمور وفرض سيطرته الأمنية هناك، مع تحرّك الجيش العراقي في محيط المخيم محاولاً دخوله، لكنه واجه رفضاً ومقاومة من موالين لـ"الكردستاني"، الذين هاجموا قوات الجيش بالحجارة.

من جهته، أكد النائب عن الحزب "الديمقراطي الكردستاني" محما خليل، أن الوجود الفعلي لـ"الكردستاني" مستمر في مخيم مخمور، الذي يضم مسلحي الحزب.

وأوضح في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن مشكلة منطقة مخمور شبيهة إلى حد ما بمشكلة مدينة سنجار، التي تخضع لنفوذ وسيطرة الحزب والمليشيات الموالية له، مؤكداً أن انسحاب مجموعة من مسلحي "الكردستاني" من بعض النقاط الأمنية في مخمور لا يعني نهاية وجود الحزب.


فراس إلياس: يسعى "الكردستاني" لإعادة التموضع في بيئات جديدة

وشكّك خليل في المعلومات حول انسحاب مسلحي "الكردستاني" من جبال قره جوغ في مخمور، لافتاً إلى أنه "لا يعول كثيراً على ما جاء في إعلان انسحاب مسلحي الكردستاني من مخمور لأن هذا الانسحاب هو شكلي وغرضه التمويه".

وحذر من أن "بقاء المسلحين في مخيم مخمور يشكل خطراً على الأمن العراقي وأمن إقليم كردستان، لا سيما أنه سبق للمسلحين أن استخدموا المخيم منطلقاً لأنشطتهم". وشدّد خليل على ضرورة أن تأخذ الدولة العراقية دورها الحقيقي في إنهاء وجود "الكردستاني" في مخمور وسنجار وباقي مناطق العراق، لأن الدستور العراقي يضع مسؤولية منع انتهاك سيادة البلاد على عاتق الحكومة الاتحادية.

انسحاب "العمال الكردستاني" من مخمور

أما الباحث فراس إلياس، فوصف انسحاب "الكردستاني" بـ"التكتيكي لا الاستراتيجي، وذلك من أجل إعادة التموضع ضمن بيئات جديدة، بعيدة عن دائرة الاستهداف التركي".

وأشار إلياس في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن "انسحاب مسلحي حزب العمال الكردستاني من قضاء مخمور يشكّل تحولاً مهماً في عمل الحزب، خصوصاً بعد تعدد الضربات الجوية التركية لمواقعه، إذ بنتيجة الجهد الاستخباري الذي مارسته الاستخبارات التركية خلال الفترة الماضية، أصبحت تركيا على دراية تامة بخطوط الدعم اللوجستي وممرات تحرك الحزب.

وهو ما دفع الكردستاني أخيراً لتغيير مسارات التحرك والعمل العسكري، في الإطار الذي يقلل من تأثير الضربات الجوية التركية، فضلاً عن تدارك الضغوط المستمرة من قبل الحكومة العراقية لتقليل النشاطات العسكرية داخل الساحة العراقية".

وأضاف أن "ما حصل هو انسحاب تكتيكي وليس استراتيجيا، من أجل إعادة التموضع ضمن بيئات جديدة بعيدة عن الاستهداف التركي". وأضاف: "في مقابل ذلك فإن مخيم اللاجئين لا يزال قائماً في القضاء، خصوصاً أنه يحظى برعاية أممية، ومن ثم فإن ما جرى هو إعادة تغيير خطط الانتشار وليس تغيير مخيم اللاجئين".

وأشار إلى أن جبال قنديل تمثل قاعدة عمليات الحزب، وهي منطقة لا يمكن لتركيا أو حتى الحكومة العراقية أن تفرض تأثيرها على وجود "الكردستاني" أو عملياته العسكرية، موضحاً أن الضربات التركية على عناصر الحزب في مخمور أدت إلى انتقالهم إلى قنديل للهروب منها، وكذلك لتقليل الضغط على الحكومة العراقية المشغولة بالعدوان الإسرائيلي على غزة، وهو وضع يخشى "الكردستاني" أن تستغله تركيا لصالحها.

ويضم مخيم مخمور أكثر من 12 ألف شخص، ويقع في مركز قضاء مخمور الواقع بين محافظتي نينوى وأربيل. ويربط قضاء مخمور بين محافظات نينوى وأربيل وكركوك، ويسكنه خليط من الأكراد والعرب. ويتكون من ثلاث نواح: القراج، ديبكة، الكوير، إضافة إلى مركز مخمور، وهو من الأقضية المتنازع عليها بين حكومتي بغداد وأربيل.

وتبرز أهمية قضاء مخمور من زاوية صراع النفوذ والتمدد فيه من قبل الأطراف الأربعة التي تمتلك السلاح فيه: القوات العراقية، قوات البشمركة، تنظيم "داعش"، و"حزب العمال الكردستاني".

والاثنين الماضي، أعلن متحدث عسكري عراقي، وقوع قتلى وجرحى جراء اشتباكات اندلعت بين قوة من الجيش العراقي وقوات البشمركة في مخمور، وذلك على أحقية الانتشار داخل 3 نقاط عسكرية موجودة في جبال قره جوغ انسحب منها عناصر "الكردستاني".