العسكر… من كتاب واحد

العسكر… من كتاب واحد

27 أكتوبر 2021
غريزة الحكم والسيطرة لدى العسكر هي نفسها (فرانس برس)
+ الخط -

عبد الله حمدوك مثل محمد البرادعي، وقوى التغيير في السودان مثل حركة "كفاية" المصرية، والعسكر هم العسكر، والسودان مثل مصر، الكتاب واحد والحبل على الجرار. الخيار الخاطئ نفسه الذي وقعت فيه القوى الإسلامية في مصر، حين قررت التحالف مع المجلس العسكري لإنجاز انتقال ديمقراطي بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ثم القوى التقدمية حين قررت التحالف مع الجيش وعبد الفتاح السيسي بزعم تصحيح المسار في يونيو/حزيران 2013، هو نفسه التقدير السيئ الذي وقعت فيه القوى التقدمية واليسارية في السودان، عندما وضعت ثقتها في المجلس العسكري لإنجاز انتقال ديمقراطي كان واضحاً منذ بدايته أنه لن ينجز.
ومثلما ابتلع العسكر في مصر القوى التقدمية التي ساعدتهم على الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي، ووجدت كثير من قوى جبهة الإنقاذ في مصر نفسها بعد 2013 بين المعتقلات والمطاردة والمنافي، كذلك فعل عسكر السودان؛ ابتلعوا القوى التقدمية التي شاركتهم الثورة على حكم عمر البشير، ووجدت قوى الحرية والتغيير، والتقدميون، أفراداً وكيانات، أنفسهم قيد الاعتقال والتجميد وخارج اللعبة، وكأنما يقرأ العسكر في الأقطار المختلفة من كتاب واحد.

قوى التغيير والتيارات التقدمية في السودان، كانت تدرك أن المكون العسكري الذي شاركهم السلطة، وبكل رموزه التي برزت في المشهد بعد ديسمبر/كانون الأول 2019، كان شريكاً في عقود الحكم البائسة فترة الرئيس السابق عمر البشير، ويتحمل بالقدر نفسه المسؤولية عن النكبة السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي وصل إليها السودان، وعن تقسيم البلد الذي صار بلداناً، ومع ذلك وافقت على إقامة شراكة غير مضمونة مع هذا المكون، الذي لم تكن الديمقراطية يوماً في بيداغوجيا تكوينه أو في سطور تنشئته إطلاقاً.

الصدفة وحدها هي التي جعلت من اسم عبد الفتاح مشتركاً بين مصر السودان، وعلى الرغم من أن المثل يقول إن لكل من اسمه نصيبا، إلا أن "عبد الفتاح" في مصر والسودان يغلق باب المسارات الديمقراطية ولا يفتحها. كما أن تفاصيل التجربة تتشابه في بعض جزئياتها، إذ يحرص العسكر على تقديم أنفسهم في صورة المنقذ الأخير، بحيث يتيح لهم التقدير، بحكم الخبرة، إدراك مخاطر الفترة الأولى من الحكم بعد الثورات، ولذلك يتأخرون والقوات السياسية الموالية لهم زمنياً، في الإمساك بالحكم بعد فورة الشارع، لكونها فترة تشهد في الغالب تعطل الانتاج والحركية الاقتصادية وطغيان النقاش السياسي، وهذا ينسحب سريعاً على الوضع الاجتماعي للمواطنين، لذلك يصبح من السهل إثارة الشارع ضد القوى الجديدة، على أساس أنها فاشلة في إحداث مقاربات التغيير المعيشي.

غريزة الحكم والسيطرة لدى العسكر، هي نفسها لدى كل الطبقة العسكرية في دول العالم الثالث، يسميها المناضل الجزائري الراحل عبد الحميد مهري "شهوة السلطة"، ولذلك يصعب في المجتمعات التي ما زالت تحنّ إلى مشاهد القوة تجاوزها. ومهري له قولة مشهورة أيضاً بأن "الديمقراطية التي تحميها الدبابة هي ديمقراطية مريضة". يمكن أن تكون الجزائر نموذجاً لذلك أيضاً، على الرغم من أن ظروف وملابسات تمركز العسكر في قلب نظام الحكم في الجزائر، مرتبطة بسياقات تاريخية وموضوعية، مغايرة لظروف هيمنة العسكر على الحكم في دول أخرى، وعلى الرغم من وجود رمزي للمؤسسة المدنية في الحكم، إلا أنّ النتائج والمآلات تتحدث عن نفسها بنفسها.