العراق: تلاشي وعود الانتخابات المبكرة

العراق: تلاشي وعود الانتخابات المبكرة

16 سبتمبر 2023
من الانتخابات التشريعية في بغداد، أكتوبر 2021 (أحمد الربيعي/فرانس برس)
+ الخط -

لا تظهر أي مؤشرات إلى عزم رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني المضي بتنفيذ أبرز ما تضمنه برنامج حكومته، وهو إجراء انتخابات مبكرة في البلاد، والذي جاء ضمن توافق سياسي بين قوى "الإطار التنسيقي" وباقي الأطراف السياسية الأخرى سعياً لضمان التهدئة عقب انسحاب التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر من العملية السياسية.

الانتخابات المبكرة التي صوّت البرلمان عليها ضمن بنود البرنامج الحكومي للسوداني تخلو من البيانات التي يصدرها "الإطار التنسيقي" عقب كل اجتماع له منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، في ظلّ التركيز على إجراء الانتخابات المحلية (مجالس المحافظات) من دون التطرق لموضوع إجراء انتخابات تشريعية في العام المقبل، بعد الانتهاء من إقرار قانون الانتخابات الجديد، كما كان مطروحاً.


سعد المطلبي: هناك اتفاقات سياسية قضت بإجراء الانتخابات التشريعية في عام 2025

رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي كان أول زعماء "الإطار التنسيقي" الذي لم يضمر موقفه من الانتخابات المبكرة، مع إشارته إلى أن "العراق لم يعد بحاجة إليها"، قائلاً في لقاء مع محطة تلفزيون محلية إنه "لا حاجة للانتخابات المبكرة بالوقت الحالي لأن الوضع السياسي سليم ولا يعاني من انسداد، والحكومة تقوم بعملها بصورة طبيعية وتنفذ برنامجها الذي وعدت به، فضلاً عن أن المشاركة في الانتخابات السابقة كانت أقل من المطلوب وربما أقل من النسبة المعتمدة دولياً، وربما كانت أقل من 20 في المائة وهذه كانت نكبة".

سقوط فكرة الانتخابات المبكرة

وأجرى البرلمان في نهاية مارس/ آذار الماضي، تعديلات جذرية على القانون الانتخابي، وأعاد صيغة "سانت ليغو" التي تعتمد الدائرة الواحدة، أي أن كل محافظة هي دائرة كبيرة، إلا أن الاهتمام تلاشى بفكرة إجراء الانتخابات المبكرة، وهو ما قد يعتبر استفزازاً آخر للتيار الصدري وزعيمه مقتدى الصدر، الذي اختار مغادرة حكومة السوداني لإفساح المجال أمام بقية القوى لإظهار إمكانياتها في تحقيق التغيير والإصلاح والنجاحات على مستوى الخدمات وسيادة البلاد.

السياسي المقرب من "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، عضو مجلس محافظة بغداد السابق سعد المطلبي، علل التوقف عن المطالبة أو الحديث بإجراء الانتخابات المبكرة لعدة أسباب، من بينها "عدم الحاجة إليها، لا سيما أن حكومة السوداني مستقرة حالياً وتقوم بواجباتها كاملة، وأن الوضع السياسي يشهد استقراراً".

وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "معلوماتي تؤكد أن هناك اتفاقات سياسية قضت بإكمال هذه الحكومة الحالية دورتها كاملة، وإجراء الانتخابات التشريعية في عام 2025".

وأضاف المطلبي أن "المشاكل السياسية التي حصلت خلال العامين الماضيين جعلت زعماء الأحزاب يعتقدون أن الحكومة التي خلفت حكومة مصطفى الكاظمي قد تكون قلقة أمام سلسلة التحديات الخدماتية والسياسية والأمنية وحتى الاجتماعية، لكن يبدو أن السوداني نجح في التقدم بملف الخدمات، كما أن مجلس النواب يواصل مهامه التشريعية بشكلٍ جيد، بالتالي فإن الشروع بالانتخابات المبكرة قد يربك الوضع العام".

وينص المنهاج الوزاري لحكومة السوداني، الذي أقره مجلس النواب في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، على "تعديل قانون الانتخابات النيابية خلال ثلاثة أشهر، وإجراء انتخابات مبكرة خلال عام"، فيما أكد التزام الحكومة بـ"القيام بواجبها بدعم المفوضية المستقلة للانتخابات في جميع المجالات، لتمكينها من القيام بإجراء الانتخابات المقبلة لمجلس النواب الاتحادي وانتخابات مجالس المحافظات، وذلك بتوفير المخصصات المالية، وتهيئة الأجواء الآمنة والمستقرة لإجراء الانتخابات لضمان نجاحها ونزاهتها".

ويُعدّ التيار الصدري من أشد المعارضين لحكومة السوداني، وقد عطّل بعد إعلان ترشح الأخير لرئاسة الحكومة عمل البرلمان، عبر اقتحام أنصاره له واعتصامهم فيه لأكثر من شهر. وطالب التيار بحل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة، ثم انسحب من البرلمان باستقالة جماعية، على الرغم من أنه كان الأكثر عدداً بـ73 نائباً.

من جهته، كشف الناشط السياسي المقرب من التيار الصدري عصام حسين أن "الأحزاب الحاكمة حالياً تجد أن حكومة السوداني تشهد استقراراً سياسياً، لكن في الحقيقة هناك مشاكل كثيرة أمام هذه الحكومة، من بينها عدم تطبيق الميزانية المالية حتى الآن، ولا نعرف ما أسباب ذلك، إضافة إلى اعتراف السوداني بنفسه بأن هناك مشاكل في إيرادات الدولة، ونحن نجد أن الاستقرار الاقتصادي هو الذي يخلق الاستقرار السياسي، والعكس".


عاصم محمد: الحكومة الحالية تتعامل مع قوى السلاح وتتحالف معها

وأوضح حسين، في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "أحزاب الإطار التنسيقي ستلجأ إلى الانتخابات المبكرة حالما تفشل حكومة السوداني، لأنها ستعتبرها حلاً يساهم في بقائها بالسلطة، ولكن طالما أن الوضع الحالي مرتكز على مبدأ المحاصصة والغنائم والسرقات، فإن هذه الأحزاب لن تطالب بإجراء الانتخابات المبكرة".

السوداني تنصل من ملف الانتخابات المبكرة

من جانبه، لفت عاصم محمد، عضو حزب "البيت الوطني"، أحد الأحزاب التي تمثل الحراك المدني والعلماني في العراق، إلى أن "ملف الانتخابات المبكرة كان من أهم الملفات، لكن حكومة السوداني تنصلت منه، وتجد حالياً الانتخابات غير مهمة"، مشيراً في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، إلى أن "بنود عدة تنصلت منها حكومة السوداني، مثل إعادة النازحين والخدمات والكهرباء، وكذلك محاسبة الفاسدين والمقصرين في الدولة".

وأضاف محمد أن "الحكومة الحالية تتعامل مع قوى السلاح وتتحالف معها، رغم أن السوداني وعد بإجراء خطوات حقيقية بما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة، كما أنه أعطى وعوداً تخص احتلال الفصائل المسلحة للمدن المحررة ولم ينفذها، وكذلك الأحزاب الكردية التي فشل في حل خلافات المناطق المتنازع عليها معها، وتحديداً كركوك"، معتبراً أن "عدم تنفيذ الوعود لا يتعلق بالانتخابات المبكرة فقط، بل يشمل المجالات كافة".

بدوره، رأى الباحث عبد الله الركابي أن "السوداني يسعى إلى إرضاء الأحزاب الداعمة له بكل قوته، ويقربها منه لتحميه، لأنه لا يملك أي قوة شعبية أو برلمانية داخل مجلس النواب، وبما أن القوى السياسية وتحديداً الشيعية مستفيدة من الوضع الحالي، لا سيما مع غياب غريم الأحزاب المقربة من إيران، وهو التيار الصدري، فإنهم يرفضون إجراء أي انتخابات".

ورأى في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الأحزاب لا تريد انتخابات مبكرة، وبالتالي لن تحصل، لكن يبقى الخطر متمثلاً بالصدر الذي يزداد غضبه المكتوم تدريجياً، وهو ما قد يؤدي بالنهاية إلى تحريك الشارع من خلال أنصاره ضد حكومة السوداني مرة أخرى في بغداد والجنوب".