لم يكتف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالحديث عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، خلال كلمته بمناسبة الذكرى الثامنة والأربعين لحرب السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1973، الأربعاء، إذ بلغ به الحال إلى الإشادة بقرار الرئيس الراحل أنور السادات التطبيع مع إسرائيل في عام 1979، بل ودعا جميع الحكام العرب إلى حذو هذا المسلك، من دون الاكتراث بدماء آلاف الشهداء ممن ضحوا بحياتهم في سبيل تحرير الأرض المصرية.
وقال السيسي، في الندوة التثقيفية الـ34 للقوات المسلحة، إنّ "الرئيس السادات تجاوز أدبيات ومفاهيم مستقرة بعد حرب أكتوبر، كان لا بد من تجاوزها بمفاهيم جديدة، من خلال إطلاقه مبادرة السلام التي أثبتت قدرته على قراءة الواقع بعد 40 عاماً وأكثر"، مستطرداً "أتمنى من الحكام المسؤولين عن إدارة الأزمات في منطقتنا أن يستطيعوا تجاوز هذه الأدبيات والمفاهيم، وأن ينطلقوا إلى أعماق أفضل من ذلك"، في إشارة صريحة إلى التطبيع مع الاحتلال.
وأضاف: "يوجد جدار آخر، بخلاف الحرب، لم يتحدث عنه أحد، لأن أدبيات وثقافة كل عصر تشكل حاجزاً وجداراً أمام صناع القرار في عصرهم"، متابعاً "قد يكون لدى بعض الحكام القدرة والاستعداد لاقتحام هذه الأدبيات، وتجاوزها، مثلما فعل الرئيس السادات في مبادرته للسلام، حيث كان لديه قراءة واستعداد لتجاوز أدبيات مستقرة في عصره".
واستكمل السيسي زاعماً: "لا يوجد مقال للرأي نُشر في جميع جرائد مصر، إلا وقد قرأته، منذ أن كان عمري 9 سنوات فقط، مع اختلاف الكتاب وألوانهم واتجاهاتهم السياسية"، مضيفاً "لم يكن هناك ثقة في قدرتنا على العبور، وتحقيق كل ما حققناه، ولذلك أقدم التحية للجيش الذي استطاع بكل عزم وقوة وتضحية تحقيق هذا النصر، وكل التحية للشهداء وأسرهم لأنهم أفرزوا هذه الحقبة".
وزاد بقوله: "أكتوبر 1973 هي روح مُلهمة ستظل في مصر، لتلهمنا بدروسها التي لن تندب (على حد قوله)، ونحن لا ننسى الشهداء والمصابين من أبناء الجيش والشرطة والقضاء، وكل المجتمع، فكل التحية لهم، ولأسرهم، والذين لولاهم ما كنا متواجدين هنا الآن، وننعم بالأمن والسلام"، مستكملاً "بعزيمة الرجال سنحقق أكثر من ذلك رغم وجود تحديات وصعاب، ولكن بفضل الله تعالى سنتجاوزها، وغداً ترون عطاء الله لبلدنا".
وقال السيسي: "التلاحم ساهم في صون الدولة المصرية، وازدهار حضارتها، ومصر التي حاربت، واستردت أرضها، هي مصر ذاتها الساعية إلى تحقيق السلام، وليس للحروب أو النزاعات من أجل تحقيق أطماع غير شرعية، أو الاستيلاء على مقدرات الآخرين"، مردفاً "تمر الأيام، وتتعاقب السنوات، وتتغير أشكال الصراعات والحروب التقليدية التي اعتدنا عليها في الماضي، إلى حروب غير نمطية تستهدف تدمير الأوطان من داخلها".
وواصل قائلاً: "قضية مصر الأولى الآن هي الوعي، الذي أصبح مسؤولية مشتركة بين كافة مؤسسات الدولة، ومنظمات المجتمع المدني، للحفاظ على وطننا، ومقدرات شعبنا، باعتبارها الأمانة التي ارتضينا أن نحملها"، مواصلاً "ما حدث في أكتوبر ليس نصراً عسكرياً وحسب، بل نموذج فريد في التكاتف، والوعي الشعبي، وملحمة متكاملة لأمة حشدت قوتها الشاملة لتحقيق الانتصار، وتأخذ بأسباب النجاح في المنهج العلمي للتخطيط".
وكعادته، مضى السيسي في ادعاءاته، بالقول: "لقد طالت جهود البناء والتنمية جميع مناحي الحياة في مصر بلا استثناء، لتحقيق هدف محدد هو تعظيم قدرة الدولة في جميع المجالات، من أجل تغيير الواقع، وبناء الإنسان، سعياً لحاضر ومستقبل أفضل لمصر والمصريين"، مستدركاً: "ستبقى التضحيات والبطولات التي قدمها جيل أكتوبر خالدة في وجداننا، وشاهدة على صلابة هذه الأمة، ونبراساً ونموذجاً ملهماً لنا جميعاً، للعمل بجد ودأب لإعلاء شأن الوطن، وحفظ ترابه، وصون كرامته".
وتابع: "أنا من الجيل الذي شهد هزيمة 1967، والعبرة ليست بالسن (عمره حينها كان 13 عاماً)، بل بحجم الاهتمام، والوعي، وهذه الفترة، كما عايشتها، كانت من أقسى الفترات التي مرت على مصر، وكتير ممن عاصروها ربما غير موجودين، لكنني لن أنسى ما حدث فيها، وكذلك التداعيات الناجمة عنها"، متابعاً "لم يكن هناك ثقة أو أمل، وأقول للشباب أن هناك فارقاً بين أن تسمع، وأن تعيش الأحداث، وتتذوق تأثيرها!".
وقال السيسي: "حان الوقت لكي يرد الجيش الجميل للشعب المصري، وما تحقق في السبع سنوات الماضية (فترة حكمه) كل المؤسسات شاركت فيه، حتى الجيش الذي يرتكز دوره على مواجهات الصراعات، غير أنه ساهم بكل إمكانياته في التنمية، ولا يجب أن يفرق أي كلام بين المصريين وبعضهم البعض، ويجب أن يكون الجميع على قلب رجل واحد، مثلما حدث مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 1967، حينما قال إنه سيستقيل، لكن الدولة وقفت إلى جواره، واستعادت قوتها، وهذا درس هام للغاية"، وفق قوله.
وختم الرئيس المصري، قائلاً: "أوجه الشكر للأهالي في منطقة شبه جزيرة سيناء على كل ما قدموه، وأؤكد لهم أننا لن نترك أرضاً يمكن تنميتها في سيناء، إلا وسنعمل على تنميتها، وأرض سيناء ستشهد قريباً مشروعات في السياحة والزراعة والصناعة والتعدين، والدولة المصرية تبذل أقصى جهد لها لتحقيق هذا الهدف، في ظل ظروف استثنائية كالتي يعيشها العالم بأسره منذ إعلان جائحة كورونا".