السوداني يصطدم بمعضلة إخراج الفصائل المسلحة من مراكز المدن

السوداني يصطدم بمعضلة إخراج الفصائل المسلحة من مراكز المدن

06 يناير 2023
تهيمن المليشيات على المشهد في مدن عديدة (حسين فالح/فرانس برس)
+ الخط -

كشفت مصادر سياسية عراقية في العاصمة بغداد عن مشاكل تواجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لتطبيق خطة إعادة انتشار الفصائل المسلحة خارج مراكز المدن والأحياء السكنية، بسبب رفض عدد من زعماء الفصائل هذه الخطوة.

هذا الوضع الذي يربطه البعض بمصالح اقتصادية لبعض الفصائل، ما يحول دون خروجها، يعتبر آخرون أن له أهدافاً سياسية، وصولاً إلى خلق حالة تغيير في ديمغرافية تلك المدن، فيما تبرر تلك الفصائل وجودها بحماية تلك المناطق من أي محاولات إرهابية.

وعلى الرغم من تخفيف وحدات الجيش العراقي من وجودها داخل مراكز المدن، وتفكيك ثكنات ومقار لها، والخروج إلى أطرافها، وتولية الشرطة المحلية دوراً أكبر، إلا أن المليشيات المسلحة، خصوصاً تلك التي تُعرف بقربها من إيران، ما زالت تهيمن على المشهد العام في مدن عديدة تحت أشكال وعناوين مختلفة.

نائب عراقي: ثلاثة فصائل مسلحة تربط انسحابها بمحور المقاومة في العراق وسورية ولبنان

وتفرض هذه المليشيات تصورها في كثير من جوانب وفعاليات المجتمع والاقتصاد والسياسة في تلك المناطق، أبرزها الموصل وتكريت وكركوك ومناطق أعالي الفرات غربي الأنبار، المجاورة للأراضي السورية.

وبحسب تصريحات وتأكيدات سابقة من أعضاء في البرلمان وسياسيين، فإن وقف عسكرة المجتمع وإخراج الجماعات المسلحة من مراكز المدن، وإنهاء صفحة المدن منزوعة السكان التي تحتلها المليشيات وترفض إعادة أهلها، أبرز شروط القوى السياسية العربية السنّية للتصويت على حكومة السوداني.

وبعد مرور أكثر من شهرين على تشكيل حكومة السوداني في 27 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلا أن أي خطوة واضحة في هذا السياق لم تتخذها الحكومة لغاية الآن. ولا يبدو أن حراك وزيرة الهجرة إيفان جابرو والمبعوثة الأممية جنين بلاسخارت، ولقاءاتهما مع زعماء قيادات سياسية نافذة في البلاد، قد جاءت بأي نتيجة لإنهاء معاناة عشرات آلاف الأسر العراقية الممنوعة من العودة إلى منازلها.

فصائل تربط انسحابها بمحور المقاومة

وفي هذا السياق، تحدث نائب عراقي بارز في البرلمان طلب عدم ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، عن رفض قادة فصائل مسلحة الخروج من المدن وتسليم كامل الملف للشرطة المحلية وأجهزة الأمن الداخلي الأخرى.

وقال إن "ثلاثة فصائل مسلحة تربط انسحابها بمحور المقاومة وخريطة انتشار فصائل المقاومة في العراق وسورية ولبنان، وتعتبر أنها فصائل مقاومة إسلامية، لا علاقة لها بالحشد الشعبي"، وفقاً لقوله.

ولفت إلى أن "الانفصام المعتمد الذي يمارسه عدد من الفصائل مع الحكومة متواصل منذ حكومة حيدر العبادي، إذ إنها توجد داخل الحشد الشعبي، وتتسلم رواتب وإعانات حكومية، وفي الوقت نفسه، تقدم نفسها على أنها فصائل مقاومة إسلامية، وتربط نفسها بطهران في الاجتماعات واللقاءات الداخلية، ومنها حركة عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، وكتائب حزب الله، والبدلاء، والإمام علي، والأشتر وغيرها".

واعتبر أن نوايا السوداني "طيبة" حيال "ترسيخ السلم المجتمعي، وتحقيق نجاح في برنامجه الحكومي، إلا أن مسألة انتشار الفصائل المسلحة صعب للغاية أمامه".

وكشف النائب عن أن أحد المقترحات هو انسحاب هذه الفصائل إلى مناطق حدودية بين العراق وسورية، وإنشاء معسكرات لها على أطراف المدن، مضيفاً أن هذا الخيار "مقبول من فصائل عديدة، بينها حشد العتبات المرتبطة بالنجف. لكن بالنسبة للفصائل المرتبطة بإيران، لا تبدو عملية إقناعها بالتخلي عن مواقعها داخل المدن، سواء المسكونة أو منزوعة السكان، مثل جرف الصخر والعوجة والعويسات، سهلاً".

ويوجد ما يزيد عن 45 ألفاً من عناصر الفصائل المسلحة التي تنتمي تنظيمياً إلى هيئة "الحشد الشعبي"، وتتوزع على 30 مدينة وبلدة رئيسية داخل مراكزها وأحيائها السكنية. 

وعلى الرغم من وجود قرار حكومي سابق، صدر عام 2019، خصَّ إعادة هيكلة "الحشد الشعبي"، ورسم خريطة انتشار جديدة تتضمن نشر قوات الفصائل المسلحة خارج المدن، إلا أن حكومتي عادل عبد المهدي ومصطفى الكاظمي فشلتا في تحقيق أي تقدم في هذا الملف، على الرغم من تأكيدات وشهادات، عادة ما تتصدر وسائل الإعلام العراقية، تفيد بحدوث انتهاكات ومضايقات ضد سكان محافظات الأنبار ونينوى وديالى وصلاح الدين وكركوك وحزام بغداد وشمال بابل.

مطالب بتولي الجيش والشرطة ملف الأمن

ويطالب سكان تلك المناطق بأن تتولى قوات الجيش العراقي والشرطة ملف الأمن، بوصف أن وجود تلك المليشيات له أهداف سياسية. فيما تمنع هذه الفصائل عودة الأهالي النازحين إليها، مثل جرف الصخر والعوجة ويثرب وعزيز بلد والعويسات والمقدادية ومكحول، وبلدات أخرى شمالي وغربي البلاد.

رعد الدهلكي: تعمل الجماعات على مهاجمة الجهات التي تطالب بإخراج الفصائل وسلاحها من داخل المدن

النائب في البرلمان عن تحالف "السيادة" رعد الدهلكي قال إن "الفصائل المسلحة لا تستجيب لهذه المطالبات"، في إشارة إلى ملف انسحابها من المدن والبلدات.

المظاهر المسلحة للفصائل منتشرة في المدن

وأضاف الدهلكي، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "المظاهر المسلحة من خلال الجماعات والفصائل لا تزال في مدن كثيرة من العراق، على الرغم من أن هناك مطالبات سياسية وأخرى محلية لإخراجها، والإبقاء على قوات الشرطة المحلية والجيش والجهات الأمنية الاستخباراتية داخل المدن، لكن الفصائل المسلحة لا تستجيب لهذه المطالبات".

ولفت إلى أن تلك الجماعات "تعمل على مهاجمة الجهات التي تطالب بإخراج الفصائل وسلاحها من داخل المدن"، مبيناً أن "الحكومات العراقية لم تستطع تثبيت موقف واضح من وجود هذه الفصائل، التي تنتمي معظمها إلى الحشد الشعبي، داخل المدن المحررة".

وأضاف الدهلكي أن "وجود الفصائل المسلحة في المدن المحررة ودخولها على الخطوط السياسية والأمنية والاقتصادية يمثلان حالة تغيير في ديمغرافية تلك المدن، لا سيما أن هناك مناطق، وتحديداً في ديالى والموصل، باتت أشبه بمدن تسيطر عليها الفصائل، ناهيك عن الاستيلاء على الأراضي الزراعية وتحويلها إلى منازل للعناصر المسلحة".

وأكد أن "تحذيرات كثيرة كانت قد أطلقت من قبل نواب وسياسيين لمنع استمرار هذا الوجود، خصوصاً أن الحاجة لقوات الفصائل لم تعد مهمة بعد التحرير. كما أن هناك بلدات تسيطر عليها الفصائل بالكامل وتمنع عودة الأهالي النازحين إليها، لكن الأصوات الرافضة عادة ما تواجه بحملات التسقيط في الإعلام، والتهديدات بالتصفية وغيرها".

الفصائل المسلحة تشكل هاجساً للأهالي

من جهته، أشار الباحث في الشأن السياسي العراقي، نزار حيدر، إلى أن الفصائل المسلحة، خصوصاً تلك التي تُصنف أنها موالية لإيران، تشكل هاجساً مقلقاً بالنسبة للأهالي في المدن الشمالية والغربية، وكان من المفترض أن تقوم الحكومة بالإيعاز لها بالانسحاب من المدن، وتسليم الملف الأمني إلى أجهزة الجيش والشرطة المحلية ومديرية الاستخبارات التابعة لوزارة الداخلية، لكن المصالح الشخصية والاستثمارات والتجارة التي تمارسها بعض الفصائل المسلحة تحول دون خروجهم، فقد باتت هذه المناطق منجماً غنياً بالنسبة للجماعات المسلحة.

وأضاف، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "هناك فصائل موجودة في المدن المحررة، وهي تتحدى الدولة حتى مع وجود قرارات أو توجيهات تأمرهم بالانسحاب. وهذا التحدي يجعل الساكنين في تلك المناطق أمام مواجهة حقيقية مع السلاح، لأن الفصائل المسلحة عادة ما تهدد خصومها باللجوء إلى العنف في تلك المناطق".

وأوضح أن "البلدات والقرى المفرغة من سكانها مثال حي وواضح على قوة الفصائل المسلحة على الدولة والقانون، ناهيك عن الأنشطة التجارية والاقتصادية التي تقع على حساب المواطنين".

أهداف سياسية واقتصادية للبقاء داخل المدن

في السياق، قال القيادي في "جبهة الإنقاذ العراقية" محافظ نينوى الأسبق، أثيل النجيفي، إن "الإصرار من قبل قادة الفصائل والمليشيات على البقاء داخل المدن والأحياء السكنية يحمل أهدافاً سياسية واقتصادية واضحة، لا سيما أن هذه الفصائل بلغت مرحلة التدخل وفرض شخصيات بمواقع مسؤولية محلية في تلك المدن، وترى نفسها الحاكم والمسيطر الفعلي هناك". 

أثيل النجيفي: إصرار قادة الفصائل والمليشيات على البقاء داخل المدن يحمل أهدافاً سياسية واقتصادية واضحة

وأضاف النجيفي في اتصالٍ مع "العربي الجديد": "حكومة السوداني جاءت بتوافق سياسي بين الأحزاب التي تمتلك أذرعاً مسلحة، بالتالي، فإنه غير قادر على اتخاذ أي قرار يتضارب مع مصالح هذه القوى".

في السياق، قال عضو البرلمان العراقي هادي السلامي إن "السوداني فشل في الشروع بجملة من الملفات التي كان تعهد بها، وليس الأمر مرتبطاً فقط بسحب الفصائل المسلحة أو القوى المنتظمة ضمن الحشد الشعبي في المدن العراقية، بل في الكثير من الملفات التي طرحها في البرنامج الحكومي الخاص به، ولعل ملف عسكرة المجتمع كان أحد هذه الملفات".

ورأى، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الحكومة الحالية هي حكومة تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يشمل كل الأحزاب السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة، ولا يشمل طائفة معينة، بل جميع الطوائف. وهذه الفصائل لديها مصالح كبيرة ومهمة وبعضها استراتيجية في تلك المناطق، بالتالي، فهي لن تسمح للسوداني أو غيره بالمساس بها، أو محاولة إخراجها من المدن".

لكن الشيخ عادل الكرعاوي، وهو قيادي في "الحشد الشعبي" ضمن صفوف جماعة "أنصار الله الأوفياء" المقربة من إيران، بيَّن أن "الصراعات السياسية بين الأحزاب هي التي تؤدي إلى ظهور الحديث عن وجود فصائل المقاومة الإسلامية في بعض المدن، بين فترة وأخرى"، وفقاً لتعبيره، متسائلاً "وإلا ما سبب ظهور هذا الحديث حالياً؟".

واعتبر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الخلاف مع الحشد الشعبي ليس جديداً، بل يعود إلى مرحلة تأسيسه، لأن هناك من يعتقد أنه قوة خارج الدولة، وهذا غير صحيح". 

وأكد الكرعاوي أن "الحشد الشعبي لا يفرض نفسه بالقوة، ولا يمارس غير النشاطات الأمنية"، مشدداً على أن "الحشد الشعبي يواصل انتشاره من أجل حماية المدن من محاولات إرهابية، بالتالي، فإن التحامل على الحشد يحتاج إلى مروءة، لأن هذه القوات تقدم خدمات مهمة وتضحيات كبيرة".