أكد دبلوماسي فرنسي وجود مساعٍ جدية لدى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمعالجة تداعيات الأزمة السياسية الأخيرة التي حدثت مع الجزائر، بين شهري أكتوبر/تشرين الأول ويناير/كانون الثاني الماضيين، تزامناً مع حديث بشأن ترتيبات لزيارة مرتقبة له إلى الجزائر قبل نهاية السنة الحالية.
وقال السفير الفرنسي لدى الجزائر، فرانسوا غوييت، خلال لقائه رئيس مجلس الأمة الجزائري (الغرفة العليا للبرلمان) صالح قوجيل، أمس الأحد، إن "لدى الرئيس الفرنسي إرادة لمواصلة العمل الذي بدأه مع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، وعلى معالجة كلّ معوقات التقارب والتعاون بين البلدين"، مضيفاً أن باريس ترغب أيضاً في "مواصلة التشاور والتنسيق، للمضي قدماً بمستوى العلاقات بين برلمانَي البلدين إلى أفضل مستوى ممكن".
ويشير السفير الفرنسي في السياق إلى محاولة لتجاوز آثار أزمة دبلوماسية حادة كانت شهدتها العلاقات الجزائرية الفرنسية، منذ نهاية شهر سبتمبر/أيلول الماضي، في أعقاب تصريحات كثيرة لماكرون، قال فيها إن "الجزائر لم تكن أمة قبل الاستعمار"، وإن "الرئيس تبون رهينة نظام عسكري"، ما دفع الجزائر إلى وقف الاتصالات الدبلوماسية مع باريس، واستدعاء سفيرها للتشاور منذ الثاني من أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، وإغلاقها مجالها الجوي أمام الطائرات العسكرية الفرنسية، ورفض الرئيس تبون الاستجابة لدعوة الرئيس ماكرون للمشاركة في مؤتمر باريس حول ليبيا، وإيفاده بدلاً عنه وزير الخارجية رمطان لعمامرة.
ورفض الرئيس تبون كذلك الرد على اتصالات هاتفية من الرئيس ماكرون.
وفي الخامس من يناير/كانون الثاني الماضي، قبلت الجزائر بعودة السفير محمد داود عنتر إلى باريس، بعد زيارة لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قدّم فيها ضمانات للحكومة الجزائرية بعدم تكرار مثل هذه التصريحات، وأقرّ حينها بأن العلاقات تضررت بشكل كبير، بسبب الأزمة الأخيرة.
ويفهم من تصريحات الدبلوماسي الفرنسي وجود رغبة فرنسية بالغة في إجراء مراجعة جدية للعلاقات مع الجزائر واستدراك الموقف، خصوصاً على المستوى الاقتصادي، على ضوء سلسلة من التطورات تتعلق بتوجه الجزائر إلى دفع باريس خارج أولوية شركائها الاقتصاديين، مقابل إفساح المجال أمام غريم فرنسا في أوروبا، إيطاليا، إضافة إلى تركيا والصين وروسيا.
ويفسّر ذلك خسارة المصالح الفرنسية في الجزائر، خصوصاً بعد إنهاء الأخيرة لعقود عدد من الشركات الفرنسية العاملة فيها.
وأوضح بيان لمجلس الأمة أن قوجيل أبلغ السفير الفرنسي حرص الجزائر على "تكريس استقلالية قرارها السياسي، وتدعيمه، وتعزيزه باستقلالية اقتصادية فعلية"، مشدداً على "أهمية ترقية التعاون حول آليات معالجة قضايا الذاكرة، باعتبارها عاملاً مهماً للنهوض بالعلاقات بين البلدين، في إطار توازن المصالح، في سياق الوعي الذي يتمتع به الشعب الجزائري في تفريقه دائماً بين الشعب الفرنسي والاستعمار الفرنسي للجزائر".
وتجري في الوقت الحالي اتصالات بين السلطة السياسية في البلدين، لترتيب زيارة ماكرون إلى الجزائر قبل نهاية السنة الجارية، بدعوة من الرئيس تبون، والذي كان أعلن، في 25 إبريل/نيسان الماضي، خلال تهنئته لماكرون بعد فوزه مجدداً بالرئاسة، عن مشروع زيارة الأخير إلى البلاد.
وقال تبون: "أعبّر عن سروري باستقبالكم عن قريب في الجزائر، لنُطلق سوياً ديناميكية تدفع إلى التقدم في معالجة الملفات الكبرى، وإلى تكثيف وتوسيع العلاقات الجزائرية الفرنسية".
وستكون هذه الزيارة المرتقبة الثانية لماكرون منذ زيارته السابقة في ديسمبر/كانون الأول 2017، بينما كان من المقرّر أن يزور الجزائر في ديسمبر 2019، لكن الظروف التي مرت بها الجزائر واندلاع تظاهرات الحراك الشعبي في فبراير/شباط من السنة نفسها، وما تلاها من خلافات سياسية حادة بين البلدين، أدت إلى إلغائها.