السعودية تحيي ذكرى اتفاق الطائف في ظل تخوفات من تغيير هوية لبنان

السعودية تحيي ذكرى اتفاق الطائف في ظل تخوفات من تغيير هوية لبنان

04 نوفمبر 2022
يأتي هذا في وقت تنشط فيه الحركة السعودية على خطّ الدفاع عن اتفاق الطائف (حسين بيضون)
+ الخط -

يستعدّ قصر الأونيسكو في بيروت صباح غدٍ السبت، لإحياء الذكرى الـ33 لإبرام وثيقة الوفاق الوطني اللبناني بتنظيم من سفارة المملكة العربية السعودية في لبنان، في وقتٍ تنشط الحركة السعودية على خطّ الدفاع عن اتفاق الطائف، وتنطلق منه لمقاربتها الاستحقاقات اللبنانية، على رأسها رئاسة الجمهورية.

وتستشعر قيادات لبنانية حليفة للسعودية، ومعارضة لخطّ "حزب الله" وحلفائه (يتقدّمهم "التيار الوطني الحر"، ويرأسه النائب جبران باسيل، صهر ميشال عون)، بوجود محاولات سياسية محلية إقليمية بتغيير هوية لبنان ونظامه، والانقلاب على الطائف وبنوده، وقد كثفت المملكة، من خلال سفيرها في بيروت وليد بخاري، في الفترة الأخيرة من اللقاءات، مع مختلف الأطياف السياسية اللبنانية لإيصال رسائل واضحة بأن "الطائف خط أحمر".

واتهمت السعودية، من قبل، معارضيها في لبنان، بأنهم وراء إجهاض عشاء السفارة السويسرية، الذي أثار جدلاً سياسياً واسعاً في لبنان، واتُّهم بأنه يسعى إلى تغيير الطائف وهوية لبنان السياسية، ما دفع بالسفارة إلى إرجائه.

وقال السفير السعودي وليد بخاري، في تصريح سابق، إنّ "وثيقة الوفاق الوطني عقدٌ ملزمٌ لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعدّدي، والبديل عنه لن يكون ميثاقاً آخر، بل تفكيكاً لعقد العيش المشترك، وزوال الوطن الموحّد، واستبداله بكيانات لا تشبه لبنان الرسالة".

وتوقف بخاري عند ذكرى مرور 33 عاماً على توقيع اتفاق الطائف، الاسم الذي تعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي وضعت بين الأطراف المتنازعين في لبنان في 30 سبتمبر/ أيلول عام 1989، في مدينة الطائف، وأقرّ بتاريخ  22 أكتوبر/ تشرين الأول عام 1989، منهياً بذلك الحرب الأهلية اللبنانية بعد أكثر من 15 عاماً على اندلاعها.

ويقول مصدرٌ مطلع على ترتيبات الذكرى الـ 33 في الأونيسكو لـ"العربي الجديد"، إنّ الحضور سيكون واسعاً وشاملاً، من شخصيات سياسية دبلوماسية وناشطين وصحافيين، وقد وجهت دعوات لوزير الخارجية الجزائري السابق الأخضر الإبراهيمي، ورئيس البرلمان اللبناني الأسبق حسين الحسيني (1984 – 1992 قبل أن يتسلم نبيه بري الرئاسة)، وهما كانا من المفاوضين واللذين لعبا درواً أساسياً في التوصل إلى اتفاق الطائف، وتوقع المصدر حضور حوالي ألف شخص بحسب الدعوات.

ويشير المصدر إلى أنّ "السعودية حريصة على اتفاق الطائف، كما التزام لبنان بالقرارات الدولية، وستؤكد كما في كل مناسبة، أنها تقف إلى جانب البلاد وطناً وشعباً، وتشدد على أهمية إجراء الاستحقاقات الدستورية بموعدها، بالإضافة إلى تشكيل حكومة تقوم بالإصلاحات العاجلة، وتحترم دور اتفاق الطائف، منبهة من مخاطر التأخير.

وأضاف المصدر، أن السعودية "قد وضعت معايير رئاسية في البيان الثلاثي الصادر في سبتمبر/ أيلول الماضي، عنها وعن والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا، حول أن يكون الرئيس قادراً على توحيد الشعب اللبناني، ويعمل مع الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لتجاوز الأزمة الحالية، عدا عن تكرارها في كل مناسبة أنها لن تتعاطى مع أي قوى سياسية منخرطة في الفساد سياسياً كان أم مالياً".

في السياق، استقبل رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي، السفير السعودي، اليوم الجمعة، في السرايا الحكومية، وبحث معه العلاقات الثنائية بين البلدين، كما تطرقا إلى موضوع "اتفاق الطائف" في ضوء اللقاء الذي تقيمه السفارة السعودية غداً في قصر الأونيسكو، وقد غادر السفير السعودي من دون الادلاء بأي تصريح.

ونصّ الاتفاق الذي جرى التصديق عليه في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1989 على تحديد مبادئ عامة وجملة إصلاحات سياسية واقتصادية وبنيوية، علماً أنها لم تطبق جميعها، وكانت أبرز البنود التي نص عليها الاتفاق، هي الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها، كما أنه لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك، بالإضافة إلى العمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة، من خلال الإصلاح المالي والاقتصادي والاجتماعي، وإلغاء الطائفية السياسية، واللامركزية الإدارية، كما إنشاء مجلس شيوخ. 

إضافة إلى بسط سيادة الدولة اللبنانية على أراضيها كاملة، وتحرير لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، كما حدد العلاقات اللبنانية السورية، ولا سيما عدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سورية، وسورية لأمن لبنان.

يقول الكاتب والباحث السياسي والمختص باتفاق الطائف عارف العبد، لـ"العربي الجديد"، إنّ اتفاق الطائف تصدّر المشهد السياسي في لبنان في الفترة الأخيرة، نتيجة ممارسات رئيس الجمهورية الأسبق ميشال عون، ومحاولاته المستمرة مخالفة الدستور وتجاوزه، والتصرّف كأن لا وجود له، أو لم تحصل إصلاحات على صعيد اتفاق الطائف.

ويرى العبد أنه بعد النقاش الدستوري الأخير حول صلاحيات رئيس حكومة تصريف الأعمال ربطاً بالشغور الرئاسي ومصير صلاحيات رئيس الجمهورية، في ظل عدم انتخاب رئيس جديد للبلاد، ومسألة توقيع مرسوم قبول استقالة الحكومة، وغيرها من الإشكالات التي أثارتها ممارسة عون والتيار ورئيسه باسيل، ووضعتهم بزاوية أنهم يريدون مخالفة الدستور في أكثر من مكان، الأمر الذي جعل من يمكن اعتبارهم معنيين بالطائف، ينهضون للدفاع عنه.

ويتوقف العبد عند حركة السفير السعودي النشطة في الفترة الأخيرة، وجولاته على السياسيين وعلى مستوى المناطق اللبنانية، قائلاً، إنه من "الواضح أن المملكة العربية السعودية تتبع ممارسة بطريقة مختلفة عن السابق، حيث كانت منكفئة بالماضي، واليوم استشعرت وجود محاولات مترافقة مع محاولات الرئيس عون إضعاف اتفاق الطائف، فكانت الحركة السياسية الجديدة، خصوصاً على مستوى النواب السنة، ما لم يحدث مسبقاً، بجمعهم على طاولة واحدة بالتنسيق مع دار الفتوى، قبل العشاء الذي أقيم بدار السفير السعودي".

ويضيف: "الحركة التي تقوم بها المملكة مع كل الأطراف، تحديداً في موضوع اتفاق الطائف، لها علاقة بالخوف من الهجوم عليه، والمعادلة السياسية الراهنة التي تمظهرت بالمخالفات التي مارسها عون".

في سياق متصل، يرى الكاتب والباحث السياسي، أن المملكة لن تساعد لبنان من دون تصليح ما خرّبه العهد العوني على مستوى العلاقات العربية، ولن يكون هناك مساعدات من جانبها إلا بعد إصلاح سياسي واقتصادي، وطبعاً لها دور اليوم في انتخاب رئيس الجمهورية، وقد ظهر ذلك بشكل صريح من خلال البيان الثلاثي الفرنسي السعودي الأميركي.

ويضيف، أنه "بمجرد صدور البيان، أبدى ما أسمّيه بمجلس الوصاية على لبنان، أو مراقبة ومتابعة لبنان، الذي يضم الدول الثلاث، استعداداً وحماسة أكثر من دول أخرى لمتابعة وضع لبنان، حتى لا يتدهور"، مشيراً إلى أن "السعوديين حتماً يضغطون باتجاه انتخاب رئيس، وهم ينتظرون ويترقبون التطورات والمستجدات، ويولون اهتماماً بالوضع اللبناني".

على صعيد مقابل، ينأى النائب في كتلة "حزب الله" البرلمانية حسين جشي، عن الاتهامات التي توجه إليهم بالانقلاب على الطائف، مشيراً إلى أن "اتفاق الطائف لم يطبق كي نعترض عليه، حيث إن المشكلة تكمن في تطبيقه، ومن البنود التي لم تطبق، إلغاء الطائفية السياسية، حتى إن الهيئة الوطنية لإلغائها لم تشكل بعد، وكذا إنشاء مجلس شيوخ، بالإضافة إلى اعتماد اللامركزية الإدارية، وغيرها من البنود".

وحول الحركة السعودية، يقول جشي: "نحن نعتبر كل جهد منصبٌّ لمصلحة لبنان، محلّ تقدير، لكن على قاعدة ألا يكون على حساب السيادة الوطنية، سواء كان سعودياً أو أميركياً، أو من غيرهما، فلا يمكن لأي طرف خارجي أن يحدد تفاصيل حياتنا السياسية، والقرار يجب أن يبقى لبنانياً"، لافتاً إلى أن "الازدهار الاقتصادي يحتاج إلى استقلال سياسي".

وفي سياق الانتخابات الرئاسية، يؤكد جشي أنه حتى الساعة لا اتفاق على مرشح لحزب الله وحلفائه، كما أن الطريق الوحيد للوصول إلى رئيس جمهورية يكون عبر التوافق، رافضاً في المقابل أي تدخلات خارجية بالملف الرئاسي، لا سيما وضع شروط رئاسية ومواصفات محددة، مشيراً إلى السعودية وأميركا وفرنسا، ومذكراً بالحملة الانتخابية التي دارتها المملكة لبعض القوى في لبنان، ليردّ في المقابل تهمة التدخل الإيراني في لبنان، ويقول "نحن حلفاء مع إيران، ولكننا نحدد آراءنا بنفسنا".

من جهته، يقول مصدر قيادي في "التيار الوطني الحر"، لـ"العربي الجديد": "نحن لسنا ضد الطائف، وإن كنا من معارضيه في السابق، لكن ندعو إلى تطبيقه فهو غير مطبق، أو إلى تعديله، خصوصاً أن هناك صلاحيات لرئيس الجمهورية يجب التمسّك بها وإعادتها إلى المسار الصحيح، كما هناك بنود يجب أن يجري وضعها لمنع التعطيل والفراغ والمماطلة على صعيد الاستحقاقات"، مؤكداً أننا "منفتحون على أي مساعي حلّ دون تدخل خارجي، وكان للتيار حضور في اللقاءات التي عقدها السفير السعودي".

وشارك النائب بلال الحشيمي في اللقاء البقاعي الذي أقامه السفير السعودي خلال جولته البقاعية، وقد أثار انسحاب بخاري من لقاء مع عشائر بلدة الفاعور، بلبلة كبيرة قبل أن يربط خطوته بأسباب أمنية، وقال لـ"العربي الجديد"، إنّ "السعودية تقف إلى جانب لبنان، ومستمرة في توزيع الحصص الغذائية على المناطق، وستدعمه انطلاقاً من الاتفاق الثنائي مع فرنسا، على الصعيد الصحي والتربوي، ولا سيما مع حلول فصل الشتاء، وزيادة الحاجات في ظل الظروف المعيشية الصعبة".

وأشار إلى أنّ "السفير نقل همّ السعودية التي تفتح يدها للبنان بأن يكون هناك رئيس إصلاحي منفتح على العالم العربي والدول الإقليمية، يحافظ على الدستور والطائف وغير ذلك"، معتبراً أن "هناك تعرضاً للطائف، وهذا أمرٌ بات واضحاً، من قبل الساعين للمثالثة، وهذا خطيرٌ بالنسبة إلينا".

كذلك، يقول الحشيمي إنّ "الطائف صحيح أنه لم يطبق بكثير من بنوده، لكنه طُبّق بما يخص المناصفة في مجلس النواب، والصلاحيات العائدة لرئيس الجمهورية، وغيرها، وجرى التوصل إليه لحل مشاكل أدت لاندلاع حرب أهلية، من هنا أهمية الحفاظ عليه، علماً أننا منفتحون على أي تعديلات إذا كانت لصالح المواطن، فالطائف ليس مُنزّلاً".