الدنمارك نحو انتخابات مبكرة... الشعبويون في مأزق وبوادر حكومة أزمات

الدنمارك نحو انتخابات مبكرة... الشعبويون في مأزق وبوادر حكومة أزمات

05 أكتوبر 2022
فريدركسن تضع الأزمة الأوكرانية أولوية (LISELOTTE SABROE/ فرانس برس)
+ الخط -

أعلنت رئيسة الحكومة الدنماركية ميتا فريدركسن، مساء اليوم الأربعاء، عن إجراء انتخابات مبكرة في الأول من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بدلا من يونيو/ حزيران 2023، راضخة بذلك لمطالب حزب "راديكال فينسترا" (يسار وسط)، الذي خيرها بين إعلان انتخابات مبكرة أو حجب الثقة عنها.
ويأتي هذا الإعلان في أعقاب مطبات كثيرة عاشتها كوبنهاغن خلال الأشهر الماضية، على خلفية انتقادات لجنة تحقيق لقرار فريدركسن في ذروة جائحة كورونا إعدام ملايين حيوانات المنك، وهو ما أدى إلى موجات احتجاج من مزارعي تربية ذلك الحيوان، إلى حد الطلب بسجن رئيسة الحكومة على خلفية اتهامها بتمرير القرار بتوجيهات غير قانونية.
وجاء قرار إجراء الانتخابات المبكرة بعد مشاورات مع ملكة الدنمارك مارغريت الثانية، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد، كبقية دول أوروبا، من تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وبشكل خاص على مستوى الطاقة وارتفاع نسبة التضخم وغلاء المعيشة. هذا إلى جانب القضايا التي تعتبرها الحكومة أكثر أولوية في ما يخص الأمن والدفاع ومستقبل البلاد في ظل تصاعد التوترات مع روسيا.
وشهدت كوبنهاغن، أمس الثلاثاء، افتتاح دورة البرلمان بعد الإجازة الصيفية، بمشاركة الملكة، وسط أجواء خيم عليها القلق والحرص على أمن الدنمارك. وبدا واضحا أن الكلمة المطولة التي ألقتها فريدركسن أمس حملت بين سطورها الكثير من المخاوف المتعلقة بتعاظم الأزمات والتحديات التي حولت علاقة أوروبا بروسيا إلى صداع يكتوي بنيرانه مواطنو القارة، في ظل خشية الطبقات السياسية الحاكمة من تداعيات تلك الأزمات والتحديات.

وقبيل الإعلان رسميا عن تبكير الاقتراع، لقيت الدعوات إلى الانتخابات المبكرة امتعاضا لدى الشارع وبعض الأطراف السياسية، بما فيها أحزاب اليسار، التي اعتبرت أن البلد كان يحتاج إلى تظافر الجهود بدل توتير الأجواء والبحث عن تغييرات على مستوى تشكيل الحكومة القادمة بعد الانتخابات.
يتسلح منتقدو إجراء الانتخابات المبكرة بدخول الدنمارك على الخط المباشر للمواجهة الغربية الروسية، والتي كانت مسرحاً لها منطقة بحر البلطيق بعد تفجيرات استهدفت خطي أنابيب الغاز الروسي "نوردستريم 1 و2"، ما استدعى استنفارا وتحشيدا عسكريا غربيا ملحوظا في منطقتي البلطيق وبحر الشمال.
على تلك الخلفية، اعتبرت فريدركسن أن بلدها يواجه تحديات رئيسة تتعلق بمستقبل دولة الرفاهية والرعاية وتأمين سياسة أمنية ودفاعية لمصلحة شعب البلد، بالإضافة إلى سياسات مناخية مختلفة.
ولم تنس فريدركسن استحضار قضايا الهجرة، كما هو معتاد، حيث لم تخل انتخابات الدنمارك خلال العقود الماضية من حضور سياسات الهجرة والدمج على قوائم الحملات والوعود الانتخابية، وبالأخص لمصلحة خطاب تشديد العقوبات والترحيل بحق الأجانب الذين يخالفون القوانين، بالإضافة إلى ما سمته محاربة "السيطرة الاجتماعية" في البيئات المهاجرة، ووعود باستكمال الاتفاق مع رواندا لجعلها المكان الذي ينقل إليه طالبو اللجوء من خارج أوروبا.

اليمين المتشدد على حافة الانهيار

منذ أن قدم حزب "راديكال فينسترا" إنذارا لفريدركسن للدعوة إلى انتخابات مبكرة باشرت مراكز الدراسات واستطلاع الآراء سبر توجهات الشارع للاختيار بين معسكري "الكتلة الزرقاء" (يمين ويمين الوسط)، و"الكتلة الحمراء" (يسار ويسار الوسط). 
وتظهر أغلب الاستطلاعات أن حزب "الشعب الدنماركي"، المصنف كيمين متطرف وشعبوي، بات على حافة الانهيار بعدما بينت أن نحو 2 في المائة سيصوتون له، ما يمثل فقط نسبة عتبة الحسم لدخول الأحزاب إلى البرلمان. وإذا صمدت النتائج فإن "الشعب الدنماركي" يسير نحو أفول نجمه الذي سطع منتصف التسعينيات فارضا نفسه على أحزاب عريقة عمر بعضها 150 سنة.

في مقابل هذا التراجع الكبير للشعبويين، فإن وزيرة الهجرة السابقة المتشددة إنغا ستويبرغ تبدو ماضية نحو قيادة حزبها الجديد "ديمقراطيو الدنمارك" لتحقيق انتصارها الأول، مستدعية تجربة الحزب السويدي الشقيق له "ديمقراطية السويد" الذي حقق نتيجة جيدة في انتخابات الشهر الماضي، دون أن يعني ذلك اكتساح النسبة المئوية نفسها عند الحزب السويدي (نحو 23 في المائة)، حيث تمنحها الاستطلاعات نحو 10 في المائة.
ودفعت خشية يسار الوسط ممثلا بحزب "الاجتماعي الديمقراطي" من أن تصمد نتائج الاستطلاعات التي تعطي أفضلية لليمين بفارق نائب واحد (من 179 برلمانيا)، فريدركسن إلى إطلاق خطاب مختلف يتعلق برغبتها تشكيل حكومة موسعة تتجاوز الوسط.
ويعني ذلك فتح الباب أمام حكومة مشتركة بين يسار ويمين الوسط، دون الاعتماد على الأجنحة، وخصوصا تبريرها الدعوة بحاجة بلدها إلى حكومة أزمات تتجاوب مع التحديات المستقبلية.

حكومة أزمات

من ناحية أخرى، ترتفع أسهم رئيس حكومة يمين الوسط السابق لارس لوكا راسموسن بالتحول إلى ما يسمى "صانع الملوك"، بعدما منحت الاستطلاعات حزبه دخول البرلمان بنسبة تراوح بين 4 و5 في المائة، ما يعني أنه قادر على التحكم بتسمية الشخصية التي ستترأس حكومة ما بعد الانتخابات.
ومن اللافت في الانتخابات القادمة أن شوارع الدنمارك والمواقع الإعلامية والماكينات الانتخابية انطلقت اليوم بطريقة مختلفة تماما عن تقاليد الديمقراطية الدنماركية. فعلى مستوى اختيار رئيس الحكومة القادم، تجد فريدركسن نفسها في مواجهة منافسين آخرين على المنصب، هما زعيم "المحافظين" سورن بابي بولسن وزعيم "فينسترا" الليبرالي ياكوب إلمان ينسن.

ترشيح الحزبين في معسكر يمين الوسط لشخصيتين لمنصب رئاسة الحكومة أمر غير مسبوق، حيث اقتضت العادة الاتفاق الانتخابي على الحزب الذي سيقود تشكيل حكومة المعسكر، وهو ما قد يضع المحافظين والليبراليين في موقف صعب للاتفاق على رئيس حكومة يمثل معسكرهم، دون أن يخفف ذلك من توقع وصول معسكري السياسة في يسار ويمين الوسط إلى عنق الزجاجة بسبب النتيجة المتقاربة بينهما، وهو ما يمكن أن يفتح المجال أمام أزمة قد تمتد لأسابيع قبل تشكيل الحكومة القادمة.
وفي ظل كل ذلك يظل واضحاً، بحسب ما أعلنت فريدركسن ظهر اليوم، أن دعم بلادها والغرب لأوكرانيا لن يتراجع رغم الأثمان والأزمات التي تعيشها أوروبا.