الخروج من غزة... محاولات مصرية لضبط الرشى

الخروج من غزة... محاولات مصرية لضبط الرشى

11 ديسمبر 2023
معبر رفح، 3 ديسمبر الحالي (فرانس برس)
+ الخط -

تبدو قضية إعادة المصريين العالقين في قطاع غزة إلى بلدهم، عبر معبر رفح البري، في طريقها إلى بعض الضبط، بعد اتهامات ووقائع متتالية عن تعرض هؤلاء للابتزاز، ودفع الرشى للسماح بعودتهم. وأعلنت وزارة الخارجية المصرية، مساء أول من أمس السبت، استحداث آلية إلكترونية جديدة لتسجيل المواطنين الراغبين في العودة من قطاع غزة، وأنها أنشأت رابطاً للتسجيل الإلكتروني بغرض استقبال بيانات المصريين الراغبين في العودة من القطاع بشكل سريع وفعال، وضمان حصر آلية التسجيل في رابط واحد.

وأضافت الوزارة في بيان أنه فور ورود البيانات سيتم إعداد كشوف تفصيلية، تمهيداً لتسليمها للقائمين على معبر رفح الحدودي من الجانبين المصري والفلسطيني بشكل مباشر، وذلك لتسهيل عملية عبورهم من قطاع غزة إلى الأراضي المصرية.

وأهابت الوزارة بالمواطنين المصريين في قطاع غزة قصر قنوات الاتصال والتسجيل على تلك الآلية الجديدة، باعتبارها الوسيلة الوحيدة للعودة إلى أرض الوطن، مستطردة بأن أي وسيلة أخرى يتم الحديث عنها من جانب البعض تندرج ضمن أعمال النصب والاحتيال، واستغلال الظروف الصعبة التي يمر بها القطاع، ولا علاقة للدولة المصرية بها.

وكانت اتهامات قد وجهت إلى القائمين على معبر رفح من الجانب المصري بشأن تقاضي مبالغ (رشى) مالية لإدراج أسماء الفلسطينيين في كشوف العبور إلى مصر، تتراوح ما بين 5 إلى 7 آلاف دولار عن الفرد الواحد.

ونفت مصر رسمياً ما تردد إعلامياً بشأن تدخل إسرائيل في إجراءات عودة المصريين العالقين من قطاع غزة إلى بلادهم عبر معبر رفح، قائلة إن "إسرائيل ليست طرفاً في عملية حصول المصريين على موافقات العبور من القطاع إلى مصر، باعتبار أن السلطات المصرية هي من تتولى إجراءات عودتهم من غزة".


كشف مواطن مصري عن اضطراره لدفع 4500 دولار من أجل مغادرة غزة

مع العلم أن السفر عبر معبر رفح، يتم بالتنسيق مع سلطات الاحتلال الإسرائيلية، من خلال فحص كشوفات المرضى والجرحى والمواطنين الذين يغادرون قطاع غزة حتى حملة الجنسيات الأجنبية المزدوجة إلى جانب الجنسية الفلسطينية. ويظهر ذلك من خلال عدد المُعادين من الصالة المصرية إلى قطاع غزة، بعد رفض الاحتلال مرورهم من خلال المعبر إلى مصر أو أي دولة أخرى.

شهادات عن الرشى في معبر رفح

وحول هذه القضية، أوضح المواطن المصري الذي عرّف عن نفسه بحرفي أ.ج. لـ"العربي الجديد" أنه اضطر إلى دفع 4500 دولار من أجل مغادرة قطاع غزة، عبر معبر رفح البري، كي يعود إلى عمله في إحدى الدول العربية، بعد تهديده بالفصل في حال تأخر "أكثر من ذلك" عن وظيفته، ونجح في المغادرة، عبر ما تسمى بـ"التنسيقات المصرية"، بعد أن دفع المبلغ لوسيط في قطاع غزة، قال إن له علاقة بأحد العاملين بالمعبر.

وأضاف المواطن المصري بعد أن غادر قطاع غزة: "حاولت منذ بدء الحرب (7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) المغادرة من أجل الوصول إلى عملي، فقد كان موعد سفري في نفس الأسبوع الذي بدأت فيه الحرب، لكنني لم أتمكن من المغادرة. وبعد فتح الطريق أمام التنسيقات المدفوعة الأجر بمبالغ كبيرة، عثرت على أحد الوسطاء، ودفعت له المبلغ، وبعد عدة أيام أبلغني بالتوجه إلى المعبر من أجل مغادرة القطاع".

وأضاف: "فعلاً ذهبت إلى المعبر، فوجدت اسمي على البوابة الفلسطينية وكذلك في الجانب المصري، وتم ختم جوازي من دون مقابلة أي جهة داخل المعبر، برفقة الجرحى والمرضى الذين غادروا غزة خلال الأيام القليلة الماضية، منذ بدء فتح المعبر أمام حركة المسافرين والعالقين".

حال ذلك المواطن لا يختلف عن حال المئات من الذين اضطروا لدفع مبالغ مالية طائلة وصلت إلى أكثر من 7 آلاف دولار للفرد الواحد، لمغادرة غزة، لا سيما إذا كان لا يحمل سوى الجنسية الفلسطينية، أما لو كان مصرياً، فإن المبلغ يتراوح بين 1500 و2500 دولار، أما الجوازات الأجنبية فلها تسعيرة أخرى.

بدوره، كشف أحد العاملين في مجال التنسيقات لـ"العربي الجديد"، مشترطاً عدم ذكر اسمه، أن "التنسيقات تعمل عبر طريقتين. الطريقة الأولى عبر شركة إبراهيم العرجاني للسفر، والمقربين منه، وذلك عبر دفع مبالغ مالية كبيرة. والطريقة الثانية من خلال مقربين من قيادي فلسطيني سابق، يرتبط بعلاقة مع مسؤولين في الأجهزة. وفي كلا الوجهتين، سيدفع أي مواطن مضطر إلى مغادرة غزة مبالغ مالية حتى لو كان يحمل الجنسية المصرية".

وأوضح العامل نفسه أن "مدة التنسيق من أجل إتمام تسهيل سفر المواطن، تتراوح بين يومين إلى أسبوع، ويكون خلالها قد تمت معاملة سفره ويمكنه مغادرة غزة. المهم أن يكون قد دفع المبلغ المطلوب منه، لكن المبلغ الأكبر يتم تحصيله من الفلسطينيين الذين لا يملكون جنسية مزدوجة".


رامي شعث: معبر رفح يعاني من الفساد وكان المسؤولون يتقاضون من 100 إلى 200 دولار من أجل السماح بالمرور

وبحسب مصادر محلية ومصرية في قطاع غزة، فإن "كشوف التنسيق" على معبر رفح هي "آلية يتم من خلالها ابتزاز حاجة المسافرين غير المسجلين في كشوفات وزارة الداخلية بغزة في الوقت الطبيعي لعمل معبر رفح، لكن في الوقت نفسه تبتز كل من يريد مغادرة قطاع غزة. وتعمل تلك الكشوف عبر طلب الجانب المصري من نظيره الفلسطيني تسهيل وصول مسافرين إلى صالة السفر المصرية".

ولا تعرف إدارة معبر رفح في الجانب الفلسطيني كيف يتم وضع أسماء المسافرين في تلك الكشوف، ووفقاً لما كشفه مصدر لـ"العربي الجديد"، فإن الأمر يتم عبر وسطاء من غزة، يتعاونون مع أشخاص في الجانب المصري من المعبر، مقابل مبالغ مالية تتراوح بين ألفي دولار و5 آلاف دولار، وهو ما يؤدي في أيام عمل المعبر خارج وقت الحرب إلى غضب العالقين المسجلين في كشوف الداخلية الفلسطينية، تحديداً ذوي الحالات الإنسانية والطلبة وحاملي الإقامات في الخارج.

معبر رفح يعاني من الفساد

وحول ذلك اعتبر الناشط السياسي المصري - الفلسطيني، رامي شعث، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "هناك استمراراً لسياسة ممنهجة بعقاب واستغلال الشعب الفلسطيني، فبعد أن كان حصار غزة وأهلها ومنع المساعدات عنهم بما يصب في صالح العلاقات الدولية مع الأميركيين وإسرائيل وبعض الدول الخليجية، وعندما جاء وقت السماح بالمساعدات، جاء دور استغلال الشعب الفلسطيني، وأخذ المقابل من الناس للدخول من معبر رفح. والحقيقة إن هذا الأمر ليس بجديد، لكن الجديد هو الأرقام الخيالية، وهي استغلال ظرف وقهر الناس والقتل الممنهج".

وأضاف شعث أن "معبر رفح يعاني من الفساد، ومنذ 15 سنة يتم استغلال الفلسطينيين فيه، وكان المسؤولون يتقاضون من 100 إلى 200 دولار من أجل السماح بالمرور، والأشخاص الذين عليهم تحفظات، تزداد المبالغ عليهم أكثر، وهذا حدث مع الأجانب الفلسطينيين من ذوي الجنسيات الأوروبية".

وتابع شعث: "هناك من حَمَلة الجنسية الفرنسية أتوا إلى فرنسا، وقالوا لنا إنهم دفعوا مبالغ أكثر بكثير من المدونة بالإيصال الذي تم تحريره لهم عند دفع الرسوم". وأضاف أن "هذا الفساد أصبح ممنهجاً، وسمعت عن مبالغ وصلت إلى سبعة آلاف دولار لابتزاز الناس للخروج، وجزء من ذلك هو القرارات اللي ظهرت في الفترة السابقة التي منعت بعض الفلسطينيين من الخروج".

من جهته، قال الباحث في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، عمار فايد، لـ"العربي الجديد" إن "القطاع به نحو 2,3 مليون إنسان، وإسرائيل تحتاج، في الحد الأدنى، إلى تخفيض هذا العدد إلى النصف من أجل تنفيذ مخطط تفريغ القطاع من سكانه، ولذلك فإن أياً كان العدد الذي يخرج من غزة بهذا الشكل الذي نتحدث عنه، عبر دفع مبالغ مالية، فإنه في النهاية بضع عشرات أو مئات ليس لهم أي تأثير على الوزن الديمغرافي لقطاع غزة".

وأضاف فايد: "أعتقد أن كل من يخرج من قطاع غزة، حتى من يدفع مبالغ، فإنه يخرج بتنسيق أمني، فليس معنى أنه دفع مبلغاً من المال أن يتم التغاضي عن فحص موقفه الأمني مع إسرائيل، لكن تلك المبالغ مجرد سمسرة، وهذا ما كان يحدث حتى قبل الحرب".

المساهمون