التعذيب... جريمة تشترك فيها أطراف الصراع في اليمن

التعذيب... جريمة تشترك فيها أطراف الصراع في اليمن

27 سبتمبر 2023
غالباً ما يتعرض المعتقلون إلى مختلف أشكال التعذيب (محمد حمود/الأناضول)
+ الخط -

في 15 أغسطس/آب 2020 أقدم مسلحون تابعون لـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" على اعتقال الصحافي اليمني يونس عبد السلام، ليزج في زنزانة، قبل الإفراج عنه في اليوم الثالث.

يقول عبد السلام، لـ"العربي الجديد": "لم يتم التحقيق معي، بقيت في زنزانة لا أعرف مكانها حتى اليوم، وتعرّضت لضرب مبرح، واعتداء بهراوات وأسلحة على رأسي وظهري، وشد ذراعي إلى خلف ظهري وتقييد رجلَي".

ويضيف: "خلال هذين اليومين حُرمت من الماء والأكل، وبقيت مرمياً وسط الزنزانة، حتى وصل إلي أحد الزملاء، وخرجت بعقدة استمرت معي أكثر من عام بسبب ما عانيته في الزنزانة".

ضحية لـ"الانتقالي" وجماعة الحوثي

لم يكن عبد السلام ضحية لـ"الانتقالي" فقط، بل تعرض للاعتقال من قبل الحوثيين، حين كان في صنعاء لتحضير تحقيق صحافي عن السجون والاختطافات، لتقوم جماعة الحوثي باختطافه وسجنه يوم 8 أغسطس 2021 عند نقطة عسكرية قرب مطار صنعاء، ولم يتم الإفراج عنه إلا في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022.

منظمة "سام للحقوق والحريات": التعذيب أصبح ممارسة يومية في أغلب السجون غير القانونية التي تتبع أطراف الصراع

وعن ذلك يقول عبد السلام: "اعتقلوني من نقطة عسكرية قرب مطار صنعاء، وبقيت في زنزانة داخل المطار لأربعة أيام، كان إلى جواري اثنان يعتدون عليّ بالضرب كل الوقت، بالعصي والأحذية، بعدها أخرجوني للتحقيق والتعذيب، أشهروا في وجهي الأسلحة، هددوني بالتصفية الجسدية، وبالصراخ والتهم واتصالات سبّ وشتم من هاتفي لعائلتي وأصدقائي".

ويضيف: "تعرضت للطم وشد ذراعي وقدمي بحبل مع بعض إلى أسفل كرسي. بقيت على مثل هذه الحال ليلة كاملة، وفي الصباح نقلوني إلى الأمن السياسي، في منطقة حدة".

ويتابع: "في الأمن السياسي تم إخفائي في زنزانة انفرادية ضيقة، أشبه بحمام صغير، متران في ثلاثة أمتار، بالكاد تتسع لقامتي. بقيت بضعة أيام بلا حمام ولا ماء، يرمون لي الأكل من نافذة، وبعد قرابة أسبوع أخرجوني للتحقيق، وكانوا يحققون معي بعدها بشكل شبه يومي. أغلب التحقيقات تمت معي داخل زنزانة اسمها الضغاطة".

ويتحدث عن تعرضه للتعذيب "بين صعق كهربائي وقلع أظافر، وإجباري على الوقوف لسبع أو ثماني ساعات متواصلة، والضرب بالهراوات وكابلات كهرباء، وكنت أُضرب حتى أفقد وعيي"، مضيفاً: "هذا التعذيب الجسدي استمر ستة أشهر مع ارتدادات وتعذيب نفسي، رافقني لسنة ونصف السنة، طوال فترة بقائي في السجن".

انتشار حالات التعذيب بعد اندلاع الحرب

تجربة عبد السلام واحدة من حالات التعذيب التي انتشرت بشكل كثيف بعد اندلاع الحرب في اليمن في 2015، مع تورط مختلف أطراف الصراع فيها، لتبقى آثارها على من خرج من السجون والمعتقلات، بعد تعرضه لمختلف أنواع التعذيب الجسدي والنفسي.

وتحدثت منظمة "سام للحقوق والحريات"، في بيان في 26 يونيو/حزيران الماضي، عن تعرّض آلاف المعتقلين والمخفيين قسراً في اليمن، في سجون مختلف أطراف الصراع للتعذيب، مشيرة إلى أن التعذيب أصبح ممارسة يومية في أغلب السجون غير القانونية التي تتبع أطراف الصراع.

تعذيب لدى الأجهزة الأمنية التابعة للشرعية

عبدالغني الشيباني، الذي يعاني من مرض نفسي، هو الآخر تعرض للاعتقال والتعذيب من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً في محافظة تعز، حيث قام طقم عسكري في أغسطس 2021 باعتقاله من شارع محمد علي عثمان في مدينة تعز، وقاموا بتعصيب عيونه، ليتم سجنه في مدرسة باكثير، التي تستخدمها الأجهزة العسكرية والأمنية كثكنة عسكرية، قبل أن يتم نقله إلى سجن تابع للاستخبارات العسكرية.

بقي مصير الشيباني مجهولاً لأكثر من عام، وظلت أسرته تبحث عنه في المستشفيات وأقسام الشرطة، قبل أن يتم اكتشاف مصيره بالصدفة، حين تم اعتقال أخيه عبد الناصر من مدينة التربة جنوب تعز، وتم إيداعه سجن الاستخبارات، لتقوم الأسرة بزيارة عبد الناصر في السجن، وتجد عبد الغني في السجن نفسه.

نجيب الحاج: القانون اليمني اعتبر التعذيب جريمة جسيمة لا تسقط بالتقادم

وتم اعتقال الشيباني بسبب مروره من أمام منزل قائد محور تعز اللواء خالد فاضل، ومن أمام منزل مستشار المحور العميد عبده فرحان سالم. وزاد من شكوك الأجهزة الأمنية به أنه صلى الجمعة أمام منزل قائد المحور.
في السجن تعرض الشيباني لأنواع مختلفة من التعذيب، واتهمته إدارة السجن بأنه مشبوه ويتعامل مع الحوثيين، حتى إن التقارير الطبية التي تفيد بأنه مريض نفسي منذ سنوات لم تشفع له للإفراج عنه.

فتح الشيباني، شقيق عبد الغني، يقول، لـ"العربي الجديد"، إنه عندما خرج شقيقه من المعتقل "كان لا يعي ما يقول، وبعد أن خضع للعلاج في مستشفى الأمراض النفسية سألته في إحدى المرات ما الذي حصل لك؟ فقال: تعرضت لتعذيب غير عادي، فلا تعرف من يعذبك، ويضربك، ويصعقك بالكهرباء، إضافة إلى الرش بماء بارد، وحبس البول، وضرب بالعصي، وإهانات بغرض استخراج اعترافات".

التعذيب الجرم الأخطر للحرب

وتعليقاً على ذلك، يقول الناشط الحقوقي ضمن فريق المرصد اليمني لحقوق الإنسان، المحامي نجيب الحاج، لـ"العربي الجديد"، إن "التعذيب ربما هو الجرم الأبشع والأمر الأخطر الذي أنتجته هذه الحرب".

ويلفت إلى أن "كل الجماعات مارست التعذيب، من حزب الإصلاح إلى الحوثي والانتقالي، لتعود هذه الظاهرة بشكل فظيع"، معتبراً أن "ما شاهدناه من ضحايا ومن تفنن وابتكار أساليب جديدة للتعذيب، هي ردة حقوقية للمجتمع، ونحن نعوّل على الناس، على الضحايا لرفع دعاوى ومقاضاة كل من ارتكب هذا الجرم".

وبالنسبة للقانون، يشرح الحاج أن "الدستور في مادته 48 يحدد عقاب من يخالف أحكام أي فقرة من فقرات هذه المادة، كما يحدد التعويض المناسب عن الأضرار التي قد تلحق بالشخص من جراء المطالبة، ويعتبر التعذيب الجسدي أو النفسي عند القبض أو الاحتجاز أو السجن جريمة لا تسقط بالتقادم، ويعاقب عليها كل من يمارسها أو يأمر بها، أو يشارك فيها".

ويضيف أن "قانون العقوبات نصّ أيضاً على أن يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن عشر سنوات كل موظف عام عذب أثناء تأديته وظيفته، أو استعمل القوة أو التهديد النفسي بواسطة غيره مع متهم أو شاهد لحمله على الاعتراف بجريمة، أو على الإدلاء بأقوال أو معلومات بشأنها".

ويلفت إلى أن "القانون اليمني اعتبرها جريمة جسيمة لا تسقط بالتقادم، ومن حق الضحية أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بالقصاص أو الدية أو التعويض اللازم، فالنص القانوني موجود لدينا والمطلوب توعية الناس بهذا الحق، أي اللجوء للقضاء".

حالات يرثى لها نتيجة التعذيب

ويشير الحاج إلى "وجود حالات في وضع يرثى لها نتيجة التعذيب، فهناك ناس مشلولون، وناس فقدوا أجزاء من جسدهم، وبالتالي فما حدث هو تشوه فظيع لدى القائمين على السجون، ولدى الأطراف المتصارعة، وهي بالنسبة لنا ردة حقوقية وانزلاق خطير في هذا المنحنى"، مضيفاً أن "على الناس والحقوقيين والقانونيين توعية المواطنين، والتصدي لهذه الظاهرة البشعة التي كانت قد تلاشت في أوساط المجتمع اليمني".

أما علي سرحان، مدير عام مكتب حقوق الإنسان في تعز (مكتب حكومي تابع لوزارة حقوق الإنسان اليمنية) فيقول، لـ"العربي الجديد": "لم نتلقَ أي شكوى (حول التعذيب) بالنسبة للسجون العسكرية، على الرغم من زيارتنا الدورية لها، والاطلاع على أحوال النزلاء فيها. أما السجون الأمنية فتصل إلينا بعض الشكاوى، منها ما يتعلق بحرمان السجناء من استخدام الهاتف، ومنها ما يتعلق بالسجن الانفرادي".

ويضيف: "عند التحقق من قبلنا نجد أن الكثير من هذه الشكاوى غير صحيحة، وبعضها الآخر تكون نتيجة قيام بعض السجناء بتصرفات صدامية بينهم، أو مع بعض عناصر شرطة السجن، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة".
ويؤكد أن "النيابة العامة غالباً ما تقوم بالتفتيش على السجون، وحالياً نحن نتحقق من شكوى وصلتنا من أحد السجناء بأنه تم الاعتداء عليه وسجنه انفرادياً".