الانتخابات المحلية التونسية... خطوة أخرى نحو استكمال مشروع سعيّد

الانتخابات المحلية التونسية... خطوة أخرى نحو استكمال مشروع سعيّد

24 ديسمبر 2023
ترجيح ألا تختلف نتائج الانتخابات المحلية عن البرلمانية (حسن مراد/Getty)
+ الخط -

يتوجه اليوم الأحد نحو 9 ملايين و106 آلاف ناخب مسجل في سجلات هيئة الانتخابات التونسية للمشاركة في الاقتراع العام في الانتخابات المحلية، للاختيار بين 6177 مرشحاً، فاز منهم 218 بالتزكية من دون منافسة.

كما سيتم إجراء قرعة بين 1028 مرشحاً من ذوي الإعاقة، في نفس يوم الانتخابات، ما يرفع عدد المرشحين إلى 7205 في 2155 دائرة انتخابية.
وتأتي هذه الانتخابات المحلية التونسية في سياق استكمال مشروع "البناء الجديد"، الذي دعا له الرئيس التونسي قيس سعيّد، وسط انقسام حاد بين مؤيديه الذين يعتبرونها خطوة نحو ديمقراطية حقيقية، في مقابل دعوات معارضيه لمقاطعتها، بوصفها انتخابات باطلة وجزءاً من مسار انقلابي بدأه في 25 يوليو/ تموز 2021.

وتدور الانتخابات المحلية التونسية اليوم الأحد، على مستوى العمادات (وهي أصغر منطقة إدارياً وعددها 2073 عمادة)، حيث سينتخب السكان ممثلاً واحداً عن "القاعدة"، ثم يتم في مرحلة تالية انتخاب أعضاء المجلس الجهوي (على مستوى المحافظة) عبر القرعة بين أعضاء المجلس المحلي المنتخبين. وسيتم في مرحلة أخيرة تشكيل المجلس الوطني للجهات والأقاليم (77 عضواً) بحساب 3 أعضاء تقريباً عن كل محافظة (24 محافظة)، وهذا المجلس هو الغرفة التشريعية الثانية، بحسب الدستور والنظام الانتخابي اللذين صاغهما سعيّد بمفرده.

محسن السوداني: هذه المجالس طمس ومحو للسلطة المحلية التي كانت في طور النشأة

ويعد مراقبون هذه الانتخابات ذات أهمية بالغة بالنسبة لسعيّد، ومحطة من البناء القاعدي الذي عبّر عنه قبل توليه الرئاسة، وخلال الحملة الانتخابية في 2019.

وقال سعيّد، في 30 مارس/ آذار 2019، خلال لقاء مع أنصاره في محافظة المنستير، "إنّه لا بّد من إعادة النظر في مجلة الجماعات المحلية الحالية، وإعادة النظر في التنظيم السياسي والإداري الذي لا بّد أن ينطلق من المحلّي نحو المركز مروراً بالجهوي".

السوداني: الانتخابات المحلية التونسية باطلة

وقال محسن السوداني، القيادي في شورى حزب النهضة، وعضو جبهة الخلاص المعارضة، لـ"العربي الجديد"، إنه "من حيث المبدأ الانتخابات المحلية التونسية باطلة، وهي جزء من مسار غير شرعي، بالنظر إلى أنه جاء في إطار سطو على السلطة الشرعية (في 25 يوليو 2021) وافتكاكها بالقوة ورفض العودة إلى الشعب، وهي محطة من مسار مشروع انقلابي لتثبيت حكم فردي تسلطي".

وأضاف: "هذه المجالس هي طمس ومحو للسلطة المحلية التي كانت في طور النشأة، والمبنية على الديمقراطية التشاركية، والتي نص عليها دستور الثورة (دستور 2014) في الباب السابع، وبالتالي أقدم الرئيس على حل البلديات المنتخبة دون مبرر أو سند قانوني، وقام بإحداث سلطة ثانية موازية دون رصد موازنة لها وبلا أسس ولا نظم، ليسحب من البلديات صلاحياتها ودورها المحلي".

وشدد السوداني على أن "بوادر فشل هذه الانتخابات هي غياب الحملة الانتخابية التي يفترض أن تعكس حركية وديناميكية انتخابية، فهي تمس كل عمادات ومناطق البلاد".

وبيّن القيادي في "النهضة" أن "التونسيين غير مهتمين، وهم منصرفون تماماً عن مشروع سعيّد وعن الأحزاب. فالشعب التونسي يعيش حالة من الجمود السياسي ولا يهتم لأي طرف، وهو ما يفسر عدم وجود أي أثر لأي حملة انتخابية، أو أي اهتمام شعبي أو إعلامي، أو في الشارع بهذه الانتخابات".

وشدد السوداني على أن "هذه الانتخابات ستكون رسالة جديدة لسعيّد وأنصاره، في سياق انحدار الإقبال والمشاركة من محطة إلى أخرى. فبعد النسب المتدنية في الانتخابات التشريعية العام الماضي (11 في المائة من الناخبين)، نلاحظ ضعف المشاركة في استشارة التعليم بنحو 3 % فقط بحسب ما كشفه وزير التعليم (محمد علي البوغديري) وهي نسب ضعيفة لم تسجل سابقاً في تاريخ البلاد".

وشدد السوداني على أن "هذا الوضع مختل وسيكون هناك تعبير من التونسيين عبر رفض صامت لهذه الانتخابات عبر المقاطعة، وهو رفض متجدد لمسار 25 يوليو الذي أطلقه الرئيس منذ عامين ونصف العام".

الانتخابات التونسية محطة أخرى فاشلة في مسار 25 يوليو

بدوره، أكد رئيس حزب التكتل من أجل العمل والحريات خليل الزاوية، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات المحلية التونسية محطة أخرى فاشلة في مسار 25 يوليو، وعملية شعبوية للرئيس تؤسس لمجالس هلامية".
ورجح أن "تشهد الانتخابات نسب إقبال أضعف حتى من الانتخابات البرلمانية في 2022 (11 في المائة)"، مشيراً إلى "تدهور مناخ الحريات واستهداف المعارضين والاعتقالات السياسية وغياب التنافسية والديمقراطية".

خليل الزاوية: هذه الانتخابات جزء من مشروع الرئيس في اتجاه تأسيس مجلس الجهات والأقاليم

وبيّن الزاوية أن "هذه الانتخابات استخفاف بالشعب في غياب قانون يوضح دور هذه المجالس وصلاحياتها وموازنتها ودورها في منظومة الحكم، وعلاقتها بالسلطات المحلية والجهوية".

وبرأيه فإنّ "هذه الانتخابات جزء من مشروع الرئيس في اتجاه تأسيس مجلس الجهات والأقاليم (الغرفة الثانية)"، مرجحاً أن "تكون علاقته مع مجلس الشعب صدامية، وأن يكون هناك صراع وتناقض في الخيارات والمهام مما يعطل الصالح العام ويمس وحدة هياكل الدولة مستقبلاً".

الانتخابات المحلية التونسية إهدار للمال العام

من جانبها، اعتبرت الرئيسة الجديدة لحزب آفاق تونس، ريم محجوب، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "الانتخابات المحلية التونسية إهدار للمال العام ومضيعة لوقت التونسيين ولفرص إنقاذ البلاد"، مشددة على أن "الحزب عبر عن رفض المشاركة في هذه الانتخابات باعتبارها تواصلاً لمسار فردي وتسلّطي".

وبينت محجوب أن "هذه الانتخابات ستؤسس لمجالس مبهمة، فأدوارها وصلاحياتها غير مفهومة، للمرشحين والناخبين على حد السواء، في غياب قانون يوضح صلاحيات هذه المجالس وموازنتها وعملها وعلاقتها مع باقي السلطات".

وقالت إن "الحملة الانتخابية كانت ضعيفة، وستنعكس على الإقبال العام على التصويت"، مرجحة "نتائج لا تختلف عن الانتخابات التشريعية لمجلس نواب الشعب".

الانتخابات المحلية التونسية واستكمال البناء القاعدي

في مقابل ذلك، اعتبر رئيس المكتب السياسي لمسار 25 يوليو، عبد الرزاق الخلولي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "أهمية هذه الانتخابات المحلية التونسية وهيكلتها هي دعم للديمقراطية المباشرة وديمقراطية القرب، وهي تقوم على مشاركة الشعب دون وسائط. كما تكتسي أهمية كبرى أيضاً باعتبارها وسّعت من حجم المشاركة الشعبية أكثر بكثير من قبل، فقد مست كل العمادات والمناطق".

وفسر الخلولي أنه "في السابق كانت النخب السياسية والحزبية تحتكر السلطة والحكم بإعداد القوائم والمشاركة، واليوم توسعت المشاركة إلى كل أفراد الشعب دون تمييز في دوائر ضيقة. يعرف الناخبون المرشحين في العمادات عكس السابق، حيث كان يترأس القوائم أشخاص حتى من محافظات أخرى، ولا يشترط أن يكون المرشح مقيماً في الدائرة الانتخابية".

وشدد الخلولي على أن "هذه المحطة هي استكمال البناء الجديد، البناء القاعدي، الذي يقوم على فلسفة التمشي من القاعدة نحو المركز عبر تمثيل مختلف، ويعطي سلطة مباشرة للشعب انطلاقاً من مشاركة فردية للمواطنين". وبين أن "هذه المحليات تمثل الحل الجديد للإصلاح من خلال تمكين الشعب من المشاركة في الحكم".

وشدد على أن "الانتخابات ستنجز مهما كانت نتائجها والإقبال عليها، وسيتم استكمال بناء المؤسسات والإصلاحات". وبالنسبة لدعوات المقاطعة من الأحزاب المعارضة، اعتبر أنها "مفهومة باعتبار أنها فقدت مصالحها الحزبية الضيقة ووجدت نفسها خارج القرار والحكم".

وأشار إلى أن "عزوف الناخبين عن المشاركة في الانتخابات التشريعية لا يعود إلى تأثير المعارضة، فلم يعد أي حزب سياسي قادر على التأثير والتعبئة اليوم، بل هو عزوف تلقائي من قبل المواطن بسبب فقدان الثقة بالمؤسسات المنتخبة".