استراتيجية التصعيد تجاه كوبا والصين: افتعال توترات بلا نتائج

استراتيجية التصعيد تجاه كوبا والصين: افتعال توترات بلا نتائج

12 يناير 2021
أعاد ترامب العلاقات بين كوبا وأميركا إلى الوراء (إيفا-ماري أوزكاتيغوي/فرانس برس)
+ الخط -

أيام وتنتهي ولاية الرئيس الأميركي الخاسر دونالد ترامب، ومعه وزير الخارجية مايك بوميبو الذي كان منذ توليه منصبه في إبريل/نيسان عام 2018، رأس الحربة في تنفيذ سياسات ترامب، وقد بدا خير ممثل لتصوراته، لا بل إنه كان وراء مواقف عدة متشددة اتخذها الرئيس. ويسارع بومبيو وكبار مساعديه في الأيام الأخيرة من عمر إدارة ترامب، إلى استكمال الإجراءات التي يعتقدون أنها ستعزز إرثهم وإرث الرئيس الذي قلب مختلف المعادلات، ولا سيما تلك التي كان عمل سلفه باراك أوباما على ترسيخها. وكانت كوبا خير مثال على ذلك، في حين أن الحرب التجارية والدبلوماسية كانت السمة الأبرز للاستراتيجية تجاه الصين. وبعدما أثار بومبيو غضب بكين يوم السبت الماضي عندما أعلن وقف القيود المفروضة على الاتصالات الدبلوماسية الأميركية مع المسؤولين التايوانيين، أعاد بومبيو أمس الإثنين تصنيف كوبا "دولةً راعيةً للإرهاب"، بعدما كانت مجموعة من المسؤولين في الإدارة تحدثت لوكالة "أسوشييتد برس" الأميركية قبل أيام عن القرار. وتأتي هذه الخطوات الجديدة في ظلّ مساعي إدارة ترامب لوضع المزيد من العراقيل في طريق الرئيس المنتخب جو بايدن، وتعقيد دبلوماسية إدارته المقبلة.

أعاد بومبيو  تصنيف كوبا "دولة راعية للإرهاب"

وكان ترامب قد اتخذ موقفاً متشدداً إزاء كوبا، وتراجع عن العديد من العقوبات التي خففتها إدارة أوباما أو رفعتها في إطار تقارب أوسع مع الجزيرة. وكان شطب كوبا من قائمة "الدول الراعية للإرهاب" مكوناً رئيسياً في هذا الجهد، في حين كانت إعادة إدراجها على القائمة هدفاً طويل المدى لبومبيو. 
ومنذ أوائل الستينيات من القرن الماضي، عندما قطع الجانب الأميركي العلاقات الدبلوماسية مع هافانا، وفرض حظراً على التجارة بين البلدين عقب قيام الثورة الكوبية التي تحولت بالبلاد إلى الاشتراكية، كان محور سياسة الولايات المتحدة تجاه كوبا يتمثل في عقوبات اقتصادية تهدف إلى عزل الحكومة الكوبية. في عام 2014، بدأت إدارة أوباما تحولاً في السياسة بعيداً عن العقوبات ونحو تطبيع العلاقات، وشملت التغييرات إلغاء تصنيف كوبا كدولة راعية للإرهاب الدولي وذلك في مايو/أيار عام 2015، واستعادة العلاقات الدبلوماسية معها في يوليو/تموز 2015، وتخفيف القيود المفروضة على السفر والتحويلات المالية والتجارة والاتصالات والخدمات المصرفية والمالية وذلك بين عامي 2015 و2016.
لكن ترامب عاد بعقارب الساعة إلى الوراء، وكشف عن سياسة جديدة تجاه كوبا في عام 2017، إذ فرض عقوبات جديدة عليها وقلص الجهود المبذولة لتطبيع العلاقات بين الدولتين. وبحلول عام 2019، تخلت إدارة ترامب إلى حد كبير عن العلاقات مع هافانا، وزادت العقوبات للضغط على حكومة كوبا بسبب ما قالت واشنطن في مناسبات عدة، إنه يعود لانتهاكات حقوق الإنسان ودعم كوبا لحكومة مادورو.

أعلن بومبيو إلغاء جميع القيود المفروضة على الاتصالات بين الدبلوماسيين الأميركيين والمسؤولين التايوانيين

وكان ترامب أعلن في يونيو/حزيران عام 2017، إلغاء الاتفاق الذي وقعته واشنطن وهافانا نهاية 2014 والمتعلق ببدء تطبيع العلاقات بين الجانبين، بمفعول فوري مندداً بهذا الاتفاق الذي قال إنه "لا يساعد الكوبيين بل يعزز النظام"، ووعد بـ"اتفاق أفضل" بالنسبة إلى الكوبيين والولايات المتحدة. وهو ما لم يحصل، إذ يغادر ترامب تاركاً العلاقات بين البلدين في حالة أشبه بـ"الحرب"، ومخفقاً في ملف آخر كان تعهّد بتسويته على طريقته.
من جهة أخرى، أعلن بومبيو السبت الماضي إلغاء جميع القيود المفروضة على الاتصالات بين الدبلوماسيين الأميركيين والمسؤولين التايوانيين. وكانت هذه القيود مطبقة منذ أن تبنت الولايات المتحدة رسمياً سياسة "صين واحدة" عام 1979، واعترفت ببيكين بعد قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية مع تايبيه. وكان بومبيو بمثابة رأس الحربة في جهود إدارة ترامب لملاحقة الصين بسبب أفعالها في تايوان، وقمعها للمعارضة وانتهاك حقوق الإنسان في التبيت وهونغ كونغ وإقليم شينغيانغ غربي البلاد، بحسب الاتهامات الأميركية، فضلاً عن النزاع في بحر الصين الجنوبي.

وبالعودة إلى الوراء، وتحديداً إلى 9 فبراير/شباط عام 2017، بعد أيام من توليه منصبه، قال ترامب في اتصال مع الرئيس الصيني شي جين بينغ إنه سيحترم سياسة "الصين الواحدة". لكن بعد ذلك، بدأ يخرج عن تعهده، من خلال التحدث عبر الهاتف مع الرئيسة التايوانية تساي إنغ وين، والتشكيك في التزام الولايات المتحدة بسياسة "الصين الواحدة". وبينما حافظت الولايات المتحدة على علاقات رسمية مع الصين، لكنها حافظت أيضاً على علاقات غير رسمية مع تايوان، بما في ذلك توفير المساعدة الدفاعية لها.
وكانت العلاقات بين الصين وأميركا غير واضحة المعالم في البداية، كحال ترامب وخياراته الذي كان بنى حملته الرئاسية على معاداة بكين ومواجهتها. وفي إبريل/نيسان عام 2017، بعد قمة جمعت ترامب والرئيس الصيني في فلوريدا، روّج ترامب "للتقدم الهائل" في العلاقة بين البلدين. وفي منتصف شهر مايو من العام نفسه، كشف وزير التجارة الأميركي ويلبر روس النقاب عن اتفاقية من عشرة أجزاء بين بكين وواشنطن لتوسيع تجارة المنتجات والخدمات. لكن بعد أشهر، وتحديداً في العام 2018، بدأت الرسوم الجمركية الضخمة تستهدف الواردات الصينية وتتوالى، لتنتقم بكين بإجراءات مماثلة. ولعل أكثر ما يلخص سياسة إدارة ترامب تجاه الصين، قول نائب الرئيس مايك بنس في 4 أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، إنّ الولايات المتحدة "ستعطي الأولوية للمنافسة على التعاون"، لمكافحة "العدوان الاقتصادي" الصيني.

فشلت أميركا والصين في إدارة العلاقات بينهما

وعقّدت الأحداث في هونغ كونغ العلاقات أكثر بين الدولتين، إذ وقع ترامب في 27 نوفمبر/كانون الثاني عام 2019، مشروع قانون لدعم المتظاهرين في المستعمرة البريطانية السابقة، قبل أن ينهي في وقت لاحق الوضع الخاص لهونغ كونغ، رداً على تمرير بكين لقانون جديد للأمن القومي خاص بالمدينة. وجاءت جائحة كورونا لتصعّد التوترات خصوصاً بعدما وصف ترامب الفيروس بـ"الصيني"، وحمّل بكين المسؤولية عن انتشاره في العالم.
وفي نهاية المطاف، فشلت أميركا والصين في إدارة العلاقات بينهما. وهو ما عبر عنه بومبيو نفسه، قائلاً في 23 يوليو الماضي، إنّ "التعامل مع الصين قد فشل" وأن "حقبة التعامل مع الحزب الشيوعي الصيني قد ولت". وفي نوفمبر وديسمبر/كانون الأول الماضيين مع اقتراب موعد انتقال السلطة، بدأ ترامب بتكثيف ضغطه على الصين لإبراز أنه كان صارماً مع بكين كما وعد.