اتهام "نيكسا" بالتواطؤ بتعذيب مصريين: زيادة فاتورة صفقات السلاح؟

اتهام "نيكسا" بالتواطؤ بتعذيب مصريين: زيادة فاتورة صفقات السلاح بين القاهرة وباريس؟

29 نوفمبر 2021
خلال زيارة للسيسي إلى باريس نهاية العام الماضي (أنطوان غيوري/Getty)
+ الخط -

استبعدت مصادر دبلوماسية مصرية وفرنسية أن يتسبب الكشف، أمس الأحد، عن اتهام القضاء الفرنسي لشركة "نيكسا تكنولوجي" بـ"التواطؤ في أعمال تعذيب وإخفاء قسري" جراء بيع معدات ونظم مراقبة للنظام المصري، في توتر العلاقات بين القاهرة وباريس.

وبحسب مصدرين مطلعين على القضية، أحدهما قضائي، تحدثا لوكالة "فرانس برس"، فإن الاتهام صدر في 12 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. وأصدرت القرار قاضية التحقيق المكلفة بالتحقيقات بعد حوالى أربعة أشهر من اتهام أربعة مديرين تنفيذيين ومسؤولين في الشركة بالملف ذاته، فيما رفض محامي "نيكسا تكنولوجي" فرنسوا زيمراي الإدلاء بأي تعليق.

ووصفت المصادر الدبلوماسية المصرية والفرنسية التي تحدثت لـ"العربي الجديد" العلاقة بين فرنسا ومصر بـ"الاستراتيجية على كل المستويات: الأمنية والاقتصادية والسياسية، والتي يصعب أن تتأثر بتلك القضية التي نظر فيها القضاء الفرنسي".

مصادر: العلاقة بين فرنسا ومصر استراتيجية على كل المستويات

من جهة أخرى، قال دبلوماسي مصري سابق، تحفظ على ذكر اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "باريس قد تستغل القضية في علاقتها التجارية مع مصر، التي تعتبر من أكبر مستوردي الأسلحة من فرنسا، وتضغط أكثر على النظام من أجل الدخول في صفقات سلاح وصفقات اقتصادية أكبر معها".

وداخلياً في فرنسا، قال المصدر نفسه إن "الحكومة الفرنسية والرئيس إيمانويل ماكرون يستطيعان تبرير موقفهما في القضية أمام القضاء والرأي العام بأنهما فعلا ذلك من أجل مصالح فرنسا العليا، بالإضافة إلى التحقق بأن من مورست ضدهم أعمال تعذيب وإخفاء قسري واعتقال ليسوا مواطنين فرنسيين، بل هم جماعات إرهابية عانت منها فرنسا وتحديداً في موجة الإرهاب التي ضربت البلاد عام 2015". وأضاف المصدر أنه في سبيل ذلك "ستمد القاهرة باريس بأحكام من القضاء المصري تؤكد ذلك"، موضحاً أن "معظم مثل هذه الشكاوى والقضايا في فرنسا تكون عبارة عن مكايدات سياسية بين الحكومة والمعارضة"، على حد وصفه. 

وأشار المصدر إلى أن "معظم السياسيين في فرنسا ودول الغرب يعلمون جيداً أن كل ملفات حقوق الإنسان التي تفتح من وقت لآخر يكون هدفها الضغط على النظام المصري لكي يشتري منهم الأسلحة، من خلال صفقات تساهم في إنعاش اقتصادات الغرب الذي يعاني من أزمات متلاحقة سواء بسبب جائحة كورونا أو لأسباب أخرى. وعلى سبيل المثال إلغاء أستراليا صفقة شراء غواصات فرنسية أخيراً، واستبدالها بأخرى أميركية نووية، وهو ما تسبب في صدمة للاقتصاد الفرنسي، وخصوصاً قطاع الصناعات العسكرية، الذي كان ينتظر أموال هذه الصفقة بفارغ الصبر". ولفت المصدر إلى أن "كل صفقة سلاح مع الحكومة المصرية، توفر للفرنسيين أكثر من 5 آلاف فرصة عمل".

وأضاف الدبلوماسي المصري أنه "ليست كل الصفقات بين القاهرة وباريس يتم الإعلان عنها، فهناك صفقات تسليح تجرى بدون إعلان". ولفت إلى أن "العلاقات الاقتصادية بين مصر وفرنسا لا تقتصر فقط على صفقات السلاح، إذ تشمل أيضاً مجالات مدنية أخرى كقطاع النقل، مثل مشروع قطارات "المونوريل" (لربط القاهرة الكبرى بالعاصمة الإدارية) الذي يتولى إنشاءه الفرنسيون، وهو مشروع - بحسب ما أكده خبراء في الطرق والنقل - لا تحتاج إليه مصر بأي شكل من الأشكال، وسيثقل موازنة الدولة بأعباء كبيرة. هذا بالإضافة إلى القطار الكهربائي الفرنسي فائق السرعة "تي جي في" والذي تصنعه شركة ألستوم الفرنسية لصالح مصر، ويربط القاهرة في الشمال بأسوان في الجنوب".

قد تضغط باريس أكثر على النظام المصري للدخول في صفقات سلاح وصفقات اقتصادية أكبر معها

وتابع المصدر أن "ما من شأنه أن يؤثر على الدعم السياسي والعسكري الذي يتلقاه النظام المصري من فرنسا والدول الغربية الأخرى، هو التهديد المستمر الذي يوجهه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للغرب في مسألة المهاجرين، والذي يردد دائماً على أسماع الزعماء الغربيين أنه يحميهم من موجات من الهجرة غير النظامية، وهي المسألة التي تؤرق الغرب بشدة وخاصة في هذا الأيام التي يقبع فيها لاجئون على الحدود البيلاروسية البولندية". وأضاف المصدر أن "النظام المصري يقوم بدور مهم بالنسبة لفرنسا في ملفات أخرى أهمها الملف الليبي"، مشيراً إلى "تأكيد السيسي على قوة واستراتيجية العلاقات المصرية الفرنسية في المجالات كافة، خاصةً على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري"، وإعرابه عن "الحرص على استمرار العمل المشترك من أجل تعميق الشراكة المصرية الفرنسية" وذلك على هامش مشاركته في مؤتمر باريس الدولي حول ليبيا، في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الحالي.

من جهته، قال حقوقي مصري، رفض ذكر اسمه خوفاً من الملاحقة الأمنية، إنه متفائل "باتهام القضاء الفرنسي شركة نيكسا تكنولوجي الفرنسية، التي باعت معدات مراقبة لنظام السيسي وساعدته في اعتقال معارضين، بالتواطؤ في أعمال تعذيب واختفاء قسري، بعد الشكوى التي قدمتها منظمة الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورابطة حقوق الإنسان بدعم من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في عام 2017".

وأضاف المصدر لـ"العربي الجديد" أن "من شأن تلك القضية أن تضغط على الفرنسيين والرئيس إيمانويل ماكرون، وتغيّر من تعاملهم مع النظام المصري، وبخاصة الرئيس السيسي، وتدليله وتقديم الدعم غير المشروط له، فضلاً عن الضغط عليه بملف حقوق الإنسان، الأمر الذي سيجبره على تخفيف القيود المفروضة على المجتمع المدني في مصر، والإفراج عن المعتقلين السياسيين".

كل صفقة سلاح مع الحكومة المصرية، توفر للفرنسيين أكثر من 5 آلاف فرصة عمل

وكانت المنظمات الثلاث المذكورة التي قدمت الشكوى قد استندت إلى تحقيق لمجلة "تيليراما" الفرنسية، كشف عن بيع "نظام تنصت بقيمة عشرة ملايين يورو لمكافحة -رسمياً- الإخوان المسلمين"، في مارس/ آذار 2014. ويتيح نظام التنصت هذا، المسمى "سيريبرو"، إمكانية تعقب الاتصالات الإلكترونية لهدف ما، من عنوان بريد إلكتروني أو رقم هاتف على سبيل المثال. واتهمت المنظمات غير الحكومية هذا البرنامج بأنه خدم موجة القمع ضد معارضي السيسي، والتي أسفرت حسب مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان عن "أكثر من 40 ألف معتقل سياسي في مصر". وهدف التحقيق الذي أجراه "قطب الجرائم ضد الإنسانية" في المحكمة القضائية في باريس، إلى تحديد ما إذا كان يمكن إثبات صلة بين استخدام نظام المراقبة والقمع.

وقال الحقوقي المصري الذي تحدث لـ"العربي الجديد" إن "فضيحة اتهام الشركة الفرنسية بالتواطؤ في مساعدة النظام المصري على تعذيب وإخفاء واعتقال المعارضين، جاءت في الوقت المناسب، لتكشف زيف ادعاءات النظام المصري بأنه يحترم حقوق الإنسان، وفي الوقت الذي بثت فيه القنوات التليفزيونية المصرية أخيراً برنامجاً مطولاً عن زيارة قام بها نواب بمجلسي النواب والشيوخ إلى مجمع سجون وادي النطرون الجديد، يحتوي على أكاذيب بشأن معاملة السجناء، فضلاً عن تصوير السجن كأنه أحد سجون أوروبا".

الجريمة والعقاب
التحديثات الحية

ولكن في الوقت ذاته، لم يخف الحقوقي المصري قلقه من أن تؤدي العلاقات الاقتصادية، لا سيما في مجال التسليح بين النظام المصري والحكومة الفرنسية، إلى "غض الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة في مصر". وأشار في السياق إلى التقرير الذي نشرته صحيفة "لوموند" الفرنسية قبل أيام، وقالت فيه إن "السيسي يعدّ زبوناً ثميناً لقطاع صناعة الأسلحة الفرنسية، الأمر الذي يعدّ أحد أبرز الأسباب التي تدفع باريس إلى غض الطرف عن القمع السياسي الشامل الذي حرض عليه ديكتاتور القاهرة"، وفق تعبير الصحيفة. وذكرت "لوموند" أنه خلال أول زيارة خارجية رسمية قام بها الرئيس المصري إلى باريس، في نوفمبر عام 2014 بعد ستة أشهر من انتخابه، استقبل من قبل الرئيس الفرنسي آنذاك فرانسوا هولاند، بينما كانت العلاقات بين الرجلين وثيقة بالفعل، إذ أعرب السيسي عن نيته شراء 24 طائرة "رافال"، وهي أول عملية بيع تصديرية تتحقق لمقاتلة داسو رافال.

قلق من أن تؤدي العلاقات الاقتصادية إلى غض باريس الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان الممنهجة في مصر

وكان موقع "ديسكلوز" الاستقصائي الفرنسي قد كشف في 22 نوفمبر الحالي عن تفاصيل ما اعتبره "مساهمة فرنسا في أعمال عبد الفتاح السيسي الديكتاتورية، عبر قصف مدنيين على الحدود مع ليبيا بدعوى أنهم إرهابيون، من خلال انحراف عملية الدعم الاستخباراتي".

يذكر أن مصر احتلت المرتبة الثالثة في قائمة صادرات المعدات الحربية الفرنسية بأكثر من 6.6 مليارات يورو، في المبيعات خلال الفترة من 2011 إلى 2020، بحسب أحدث تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي.

وبحث السيسي مع رئيس الوزراء الفرنسي جان كاستكس، على هامش مؤتمر باريس حول ليبيا، أخيراً، "علاقات التعاون الثنائي بين البلدين وزيادة الاستثمارات وعمل الشركات الفرنسية في مصر، خاصة في مجالات البنية الأساسية". وأكد رئيس الوزراء الفرنسي "التوجه الثابت لبلاده لتعزيز العلاقات الاستراتيجية مع مصر"، مشيراً إلى "التطور الكبير في العلاقات الثنائية في المجالات كافة"، ومؤكداً "العمل على زيادة نشاط الشركات الفرنسية واستثماراتها في مصر في العديد من المجالات ذات الأولوية لعملية التنمية".