اتفاقية أردنية أميركية غير مسبوقة: جدل التبعات السياسية

اتفاقية أردنية أميركية غير مسبوقة: جدل التبعات السياسية

22 سبتمبر 2022
وقع الاتفاقية الصفدي وبلينكن (سول لويب/ فرانس برس)
+ الخط -

أثارت مذكرة التفاهم غير المسبوقة التي وقّعها الأردن والولايات المتحدة في 16 سبتمبر/أيلول الحالي، جدلاً حول التبعات السياسية لهذه الاتفاقية الاقتصادية على عمّان، و"الثمن" الذي تتوقع واشنطن الحصول عليه من خلالها.

10.15 مليارات دولار قيمة الاتفاقية الأردنية الأميركية

ووقّع نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، يوم الجمعة الماضي في واشنطن، مذكرة تفاهمٍ جديدة حول العلاقات الاستراتيجية الأردنية الأميركية، تؤطر المساعدات المالية التي تعتزم واشنطن تقديمها لعمّان لسبع سنوات مقبلة، وتبلغ قيمتها الإجمالية 10.15 مليارات دولار، على شكل دعم سنوي بقيمة 1.45 مليارات دولار أميركي (حوالي 10 في المائة من موازنة الأردن السنوية)، ابتداءً من العام 2023 حتى 2029.

وأعلن الصفدي، في تصريحات عقب توقيع الاتفاقية "عدم التزام الأردن بشيء مقابل المساعدات"، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة تُدرك الدور الأردني الكبير في تعزيز أمن واستقرار المنطقة، وأهمية إسناد الإصلاحات في البلاد".

أما بلينكن، فصرح بأن مذكرة التفاهم "تدعم دور الأردن القيادي في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، وتعكس الرؤية المشتركة بضرورة وجود شرق أوسط أكثر استقراراً وأمناً"، مشيراً إلى أن "الأردن يواصل لعب دور رئيس في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليميين، ويشمل ذلك التزامه المستمر بمواصلة العمل من أجل تحقيق سلام شامل".

وأضاف "لطالما كانت القوات المسلحة الأردنية حليفاً رئيساً في الحرب ضد الفكر المتطرف ومكافحة الإرهاب، بما في ذلك من خلال دوره في التحالف الدولي لهزيمة داعش".

وتشمل المساعدات السنوية الجديدة ما لا يقل عن 1.035 مليار دولار كمساعدات اقتصادية، منها 610 ملايين دولار كدعم مباشر للخزينة و75 مليون دولار لدعم جهود التحديث الاقتصادي، و350 مليون دولار لتنفيذ مشاريع تنموية، بالإضافة إلى المساعدات العسكرية البالغة قيمتها 400 مليون دولار.

الكيلاني: هذه المساعدات لا يتوقف تأثيرها على السياسة الخارجية، لكن تمتد أحياناً إلى بعض القرارات الداخلية

تأثير أميركي على القرار الأردني؟

وتتفاوت ردود الفعل في الأردن بشأن هذه الاتفاقية. وفي السياق، قال الأمين العام لحزب "الحياة" عبد الفتاح الكيلاني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "من المعروف في السياسة، أن لا شيء بلا ثمن، وإذا دفعوا مليارا ونصف المليار دولار، فهم يأخذون أكثر من ذلك، فالقواعد العسكرية الأميركية في الأردن وحدها لو دفعوا مقابلها ثمناً، فسيكون قريباً من هذا المبلغ".

ورأى أن "العالم لا يزال يعيش تحت هيمنة القطب الواحد، الولايات المتحدة"، مشيراً إلى أن "الكثير من الدول، حتى الكبرى، ترضخ للولايات المتحدة والإملاءات التي تفرضها".

واعتبر الكيلاني أن "مثل هذه المساعدات تؤثر على القرار الأردني بشكل أو بآخر تجاه القضايا الإقليمية، وربما القضية الفلسطينية"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة جهة منحازة كلياً لإسرائيل، فالمواقف الأميركية تخدم الأخيرة، وكل ما يخدم إسرائيل بالتأكيد لا يخدمنا".

وبحسب الكيلاني، فإن "اتفاقيتي وادي عربة، وأوسلو، هما استجابة للإملاءات الأميركية في ظل ظروف معينة، حتى أن هناك من وصف المشاركة العربية في مفاوضات مدريد للسلام (بين العرب وإسرائيل عام 1991) بأنها مذكرة جلب"، مضيفاً أن هذه "الاتفاقيات ليست فقط ضد رغبة الشعوب، بل أيضا ضد رغبات الحكام، لكن جرى تبريرها بسياسة الممكن".

وتابع أن "هذه المساعدات لا يتوقف تأثيرها على السياسة الخارجية، لكن تمتد أحياناً إلى بعض القرارات الداخلية، لكن الكرامة الوطنية تجعل المسؤولين ينفون ذلك، فبعض القرارات التي تتعلق بالطاقة والمياه والتعاون الاقتصادي تخدم إسرائيل، لكن تُقر في ظل الواقع السياسي الذي يفرض نفسه".

من جهته، قال الكاتب والصحافي الأردني محمد سويدان، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه "على الرغم من التصريحات الرسمية الأردنية والأميركية بأن هذا الدعم بلا ثمن سياسي، لكن عملياً هذا الدعم لا يتم إذا لم يكن هناك تناسق في المواقف السياسية بين الطرفين، خصوصاً في القضايا الإقليمية".

وبحسب سويدان، فإن "الدعم الأميركي لا بد أن يكون له ثمن على المستويين الداخلي والخارجي، وبشكل أكبر على ما هو متعلق بالسياسة الخارجية"، معتبراً أن "السياسة الأميركية في المنطقة لا تتناسب مع أولويات الأردن ولا تقاطع بينهما في الكثير من المواقف، فالقضية الفلسطينية هي أولوية الأردن، فيما تحتل إيران وسورية والعراق صدارة الاهتمام الأميركي في المنطقة".

وأضاف "في الأردن هناك قناعة تامة بحل الدولتين بالنسبة للقضية الفلسطينية، فيما لم تتقدّم الولايات المتحدة بأي خطوة حقيقية بهذا الاتجاه باستثناء بعض التصريحات"، مشيراً إلى أن "كل خطوات واشنطن ومواقفها تخدم دولة الاحتلال، وكل أهداف الاحتلال تتعارض مع مصالح الأردن".

وتابع: "ربما مثل هذه المساعدات تجبرنا على عدم رفض الرؤيا الأميركية للقضية الفلسطينية، والعلاقات مع إيران، وسورية، على الرغم من أن الكثير منها يتعارض مع توجهات الأردن".

المواطن الأردني لم يشعر بأن أموره مع مثل هذه المساعدات تتحسن

واعتبر سويدان أنه "بغض النظر عن الحديث الرسمي الذي يرى أن هذه الاتفاقيات مهمة للاقتصاد الوطني، إلا أن هذه الاتفاقيات مستمرة منذ سنوات والأردن يمر بظروف اقتصادية صعبة ولم يتحسن وضعه لا على الصعيد الاقتصادي ولا السياسي".

واستدرك: "يُقال إن الدعم يتعلق بالإصلاح السياسي والمياه ومواجهة الفقر، لكن في الواقع ماذا تحقق في ظل الاتفاقية السابقة (2018 إلى 2022 والتي بلغت قيمتها الإجمالية 6.375 مليارات دولار)؟".

وتابع: "اليوم لا يوجد إصلاح سياسي حقيقي، وأزمة المياه مستمرة، ومشكلة اللاجئين بلا حلول، والمواطن الأردني لم يشعر بأن أموره مع مثل هذه المساعدات تتحسن، فالفقر والبطالة والمياه، مشاكل وظواهر تتفاقم عاماً بعد عام".

مواقف ثابتة للأردن

على خلاف ذلك، لفت الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن "العلاقات الأردنية الأميركية تاريخية ومتجذرة ويمكن البناء عليها، سواء مع الجمهوريين أو الديمقراطيين"، مضيفاً أن "المساعدات كبيرة ومستمرة ولا تتأثر بالتغيرات الحزبية الأميركية".

وبحسب الطعاني، فإن "القرار السياسي الأردني مستقل ولا يخضع للتجاذبات السياسية الدولية بأي شكل من الأشكال"، مضيفاً أن "نظرة عمّان ثابتة تجاه قضايا الإقليم كتأييد الحل السياسي في سورية، وكذلك موقفها ثابت بأن حل الدولتين هو المخرج للقضية الفلسطينية".

وأشار إلى أن الأردن "وقف بشكل قوي أمام طرح صفقة القرن (خطة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لتصفية القضية الفلسطينية)"، على الرغم من المساعدات التي كان يتلقاها في ظل موقف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

وقال الطعاني إن "الولايات المتحدة تتعامل مع ملك الأردن عبدالله الثاني كخبير استراتيجي للمنطقة والإقليم، وللملك علاقات واسعة ومباشرة مع أعضاء الكونغرس من الحزبين، وهذا له دوره في الحصول على المساعدات".

الطعاني: القرار السياسي الأردني مستقل ولا يخضع للتجاذبات السياسية الدولية بأي شكل من الأشكال

وحول القواعد العسكرية الأميركية في الأردن، أكد الطعاني أنها "تزيد الدعم"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة تقدّر الظروف الإقليمية التي تؤثر على الأردن وانعكاساتها عليه، نتيجة الحروب وإغلاق الحدود والأعداد الكبير للاجئين، كما أنها تدرك التحدي الاقتصادي الذي تتعرض له المملكة، وهي ملتزمة بالحفاظ على الاستقرار في الأردن".

وعن أثر المساعدات على المواطنين، قال إن "المساعدات تنعكس على المواطنين من خلال وجود جيش قوي يحافظ على مصالح السكان، وتقديم الخدمات الصحية والتعليمية، لكن المساعدات لا يمكن أن تقضي على البطالة والفقر".

يُذكر أن الأردن والولايات المتحدة وقّعتا، العام الماضي، اتفاقية عسكرية مدتها 15 عاماً، تعطي للقوات الأميركية حق الوجود على الأراضي الأردنية والتنقل والتدريب والتخزين والصيانة والدخول والخروج إلى مناطق متفق عليها واستخدام المرافق مجاناً.

وبموجب الاتفاقية، يوفر الأردن لقوات الولايات المتحدة وأفرادها ومتعاقديها إمكانية الوصول إلى المرافق والمناطق المتفق عليها، واستخدامها بدون عوائق، للقيام بأنشطة تشمل الزيارات والتدريب والتمارين والمناورات والعبور والدعم والأنشطة ذات الصلة، وتزويد الطائرات بالوقود، وهبوط الطائرات وسحبها من على المدرج، وتموين السفن والصيانة المؤقتة للمركبات والسفن والطائرات، وإقامة الأفراد بشكل مجاني.

المساهمون