إجراء المنع من السفر "إس 17": سيف مسلط على رقاب المعارضين في تونس

إجراء المنع من السفر "إس 17": سيف مسلط على رقاب المعارضين في تونس

21 اغسطس 2022
يرزح آلاف التونسيين تحت طائلة الإجراء الوقائي الحدودي للمنع من السفر (Getty)
+ الخط -

يرزح آلاف التونسيين تحت طائلة الإجراء الوقائي الحدودي للمنع من السفر، المعروف في تونس بالملحوظة الأمنية "إس 17"، والذي تحول بعد 25 يوليو/تموز إلى سيف مسلط على رقاب معارضي الرئيس قيس سعيّد.

ويتابع التونسيون تطورات اعتصام وزير الشؤون الدينية الأسبق نور الدين الخادمي في مطار قرطاج، بسبب منعه من السفر للمرة الثامنة من طرف وزارة الداخلية، من دون تقديم أي دليل قضائي واحد يبرر ذلك.

وتصف المنظمات الحقوقية في تونس المشمولين بهذا الإجراء، من دون وجود حكم أو قرار قضائي، بضحايا قرارات أمنية تعسفية تضيق على الحقوق والحريات الدستورية.

وفسر ممثلو وزارة الداخلية، خلال جلسات سابقة في البرلمان قبل أن يُحل، بأن هذا الإجراء "إس 17" هو تدبير وقائي من جملة 21 تدبيرا، وهو يندرج في إطار جهود مكافحة الإرهاب ومنع تبييض الأموال وحفظ النظام العام، وهو إجراء يندرج في إطار الأمر المنظم لحالة الطوارئ والاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب ومراسيم وزارية داخلية، فيما تتحفظ الداخلية عن تقديم إحصاءات عن عدد المشمولين بهذا الإجراء الاحترازي.

وعانى تونسيون ويلات هذا الإجراء زمن حكم زين العابدين بن علي، بحسب شهادات نقلتها هيئة الحقيقة والكرامة ومنظمات حقوقية، إذ خضع الكثيرون لهذا التصنيف، بعضهم بسبب "اللحية" و"لبس الحجاب" وما يمسى بـ"اللباس الطائفي"، وآخرون بسبب وشايات من منتسبين لحزب النظام السابق أو بسبب خلافات مع أمنيين ومسؤولين، بحسب المعنيين.

وسُلط هذا الإجراء على مناضلين ومعارضين لبن علي، حرموا من حرية التنقل داخل البلد ومن حقهم في السفر، وحتى من حق اللجوء السياسي أو الحصول على جواز سفر، ليُرفع عنهم هذا التحجير باندلاع الثورة في 2011. 

وتعزز العمل بهذا التدبير "لمقاومة الإرهاب والتطرف" خصوصا بداية من 2013، غير أنه سُلط من جديد على سياسيين ومعارضين بعد 25 يوليو 2021، إذ مُنع عشرات البرلمانيين وقيادات في أحزاب سياسية وقضاة وصحافيون ومسؤولون سابقون من السفر، في خطوة قوبلت بتنديد حقوقي واسع من قبل منظمات دولية ومحلية. 

إجراء تعسفي غير دستوري 

وقال القاضي بمحكمة الاستئناف عمر الوسلاتي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "هذا الإجراء أمني بالأساس وهو إجراء غير قانوني يتعارض مع دستور 2014، وحتى مع دستور 2022 الجديد، ويتعارض مع الاتفاقيات الدولية التي تضمن الحقوق والحريات".

وأضاف الوسلاتي: "حتى وإن كان هذا الإجراء ضروريا، فيجب أن يكون ضيقا ومحدودا في الزمن حتى لا يكون المنع شاملا"، مشدداً على أن "هذا الإجراء تعسفي ينتهك حقوق الإنسان وكرامته وحقه الأساسي في التنقل واختيار مكان إقامته".

واعتبر وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية السابق سمير ديلو، في تعليق لـ"العربي الجديد"، أن "الإجراء الحدودي (إس 17) لم يكن في الأصل متّخذا ضدّ المعارضين السّياسيّين، بل هو، حسب الإدارة، من بين الإجراءات الوقائية من خطر الإرهاب، ويُفترض فيه أن يقيّد حركة المشمولين به داخل أرض الوطن وبمناسبة كلّ مغادرة له، ويسمّى هذا الإجراء الاستشارة قبل المغادرة".

واستدرك ديلو: "وبعد انقلاب 25 يوليو2021، أصبح هذا الإجراء سلاح السّلطة الرّئيسيّ في مضايقة خصومها السّياسيّين، فقد شمل في البداية جميع النّوّاب والمسؤولين الحكوميّين السّابقين والقضاة والمحامين ورجال الأعمال، ما أثار عاصفة من الاحتجاج داخل البلاد وخارجها، ودفع سلطة قيس سعيّد إلى تضييق قائمة الخاضعين له وتطبيقه بشكل أكثر توجيها وانتقائيّة، ومع ذلك، بقي عدد المشمولين به مقدّرا بالمئات، وتوسّع من الاستشارة قبل مغادرة البلاد إلى التّحجير الآليّ للسّفر من دون أيّ موجب أو مسوّغ قانونيّ، ثمّ الامتناع عن تسليم وثائق السّفر بمناسبة كلّ عمليّة تجديد".

وتابع ديل: "لقد تسبّب التّطبيق التّعسّفيّ لهذا الإجراء غير القانونيّ في مآسٍ عائليّة واجتماعيّة وإنسانيّة بسبب المنع من العلاج وتشتيتهم عن العائلات المقيمة بالمهجر ومنع الكثيرين من الالتحاق بمراكز عملهم بالخارج".

وأضاف ديلو: "كنّا نعارض نظام بن علي لسنوات طويلة، ولم يكن يمنعنا من السّفر بالطّريقة الفجّة التي يقوم بها نظام سعيّد الانقلابي، سابقا كانوا يكتفون بالتّعطيل والمضايقة، أمّا الحكّام الحاليّون فأكثر تعطّشا للانتقام من معارضيهم، وجهلهم المطبق بثقافة الدّولة وتسيير مؤسّساتهم".

وتابع: "إنهم يضربون بكلّ القوانين وبقرارات المحاكم عرض الحائط ، بما في ذلك المحكمة الإداريّة التي حسمت الجدل حول شرعيّة هذا الإجراء، فقضت (في قرار صادر بتاريخ 3 مايو/أيار 2019 ) بعدم شرعية الإجراء الحدودي".  

ورجح ديلو: "أن المشمولين بهذا الإجراء كانوا قبل انقلاب 25 يوليو2021 يعدّون بالعشرات، أمّا بعده فيقدّر العدد بالمئات (من بينهم حوالي مائتي نائب من المجلس المنقلب عليه)".

وبيّن أن "تطبيق هذا الإجراء يخضع للتّصنيف السّياسي للمعنيّين، ولموقفهم من الانقلاب، والدّليل أنّ بعض النّوّاب والسّياسيّين لم يكونوا مشمولين به، فلمّا أصبحوا يجاهرون بمعارضتهم قيس سعيّد ومنظومة حكمه، أصبحوا في قائمة هذا الإجراء الظّالم"، بحسب قوله.

 وعوض الفصل 55 في الدستور الجديد الفصل 49 من دستور 2014 الذي يحمي الحقوق والحريات الدستورية، مع إدخال تعديلات عليه، إذ ينص على أنه "لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها الدفاع الوطني أو الأمن العام أو الصحة العمومية أو حماية حقوق الغير أو الآداب العامة (..)".

تضارب الأرقام والإحصاءات

ويقدر المرصد التونسي للحقوق والحريات عدد المشمولين بهذا الإجراء بنحو 100 ألف شخص، بحسب تصريحات صحافية لمديره التنفيذي مروان جدة.

إلى ذلك، يقول مقرر لجنة الحقوق والحريات (في البرلمان المنحل بقرار من الرئيس سعيّد) والقيادي بحزب ائتلاف الكرامة زياد الهاشمي، في تعليق لـ"العربي الجديد"، إن الإجراء الحدودي المعروف بـ"إس 17" "هو إجراء معمول به منذ فترة حكم بن علي ومنقول من التجربة الأمنية الفرنسية، وهو يخول وزارة الداخلية المنع من السفر والتنقل، إلا بعد استشارة الإدارة، أي من دون إذن قضائي، وهذا مخالف للدستور والقانون".

واستدرك الهاشمي بأن "الحق في التنقل مضمون بالدستور، ولكن بحكم أننا في دولة نظامها بوليسي، أصبح القرار الأمني أعلى مرتبة من النص الدستوري".

وقال الهاشمي: "منذ دخولنا للبرلمان في 2019، عملنا على تقنين هذا الإجراء والحد منه وجعله مقترنا بقرار قضائي وليس بتعليمة أمنية"، مفسرا بأنه "للمفارقة، فإنه يكفي أن تكون في حقك وشاية لتكون مشمولا بهذا الإجراء".

وتابع: "عملنا في لجنة الحقوق والحريات، التي كنت مقررها في هذا الملف، وتقدمنا باسم الكتلة بمشروع يقنن هذه الوضعية ويسحب سلطة القرار من الأمني ويتركه للقضائي، وقمت، بصفتي باللجنة، بالدعوة إلى الاستماع لممثلين عن وزارة الداخلية والذين كانت أحيانا إجاباتهم صادمة، فمثلا وجهت سؤالا مباشرا لمدير إدارة الحدود والأجانب حول حول عدد المشمولين بهذا الاجراء، وواجهناه بالإحصاءات غير الرسمية، إذ يناهز عدد المشمولين من ضحايا هذا الإجراء نحو 100 ألف شخص، فقال إنه ليس هناك رقم محدد وليست هناك إحصائية رسمية".

ورجح الهاشمي أن "يكون الرقم ارتفع منذ 25 يوليو بفعل قرارات وزارة الداخلية المتتالية"، موضحاً أنه "بمجرد معارضتك نظام قيس سعيّد، فهذا يجعلك بصفة آلية تحت طائلة هذا الإجراء".

وقال الهاشمي: "كنا الطرف الوحيد الذي يحذر من هذا الإجراء وخطورته داخل البرلمان، ولم نجد من يساندنا في ذلك، واليوم أصبحت الطبقة السياسية كلها تحت لعنة هذا الإجراء، وكأنه عقاب إلهي لهم على خذلانهم ضحايا هذا الإجراء". 

إلى ذلك، اعتبر كاتب عام الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب منذر الشارني، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "آخر إحصاء للمنظمة كان بواسطة تقرير أُنجز في العام 2019 حول الفترة من 2013- 2019 بالاعتماد على تصريحات وزراء الداخلية في البرلمان، إذ بينوا أن المشمولين بهذه التدابير بين 25 و30 ألف مشمول بالإجراء".

وتابع الشارني أن "وزارة الداخلية وحدها من يمتلك الإحصاءات والأرقام الرسمية"، موضحا أن "وزارة الداخلية تعتمد على القانون المنظم لجوازات السفر والأمر المنظم لوزارة الداخلية الذي يعطيها مسؤولية الحفاظ على الأمن العام".