أولى جلسات البرلمان اللبناني: هرج ومرج بحضور أميركي

أولى جلسات البرلمان اللبناني: هرج ومرج بحضور أميركي واعتراض على "مجلس المحاكمة"

26 يوليو 2022
اقر المجلس قرضاً من البنك الدولي لاستيراد القمح (فرانس برس)
+ الخط -


ترأس نبيه بري، اليوم الثلاثاء، أولى الجلسات التشريعية للبرلمان اللبناني، بحضور السفيرة الأميركية في بيروت، التي كانت شاهدة على سجالات حادة سُجّلت بين النواب، وصلت إلى حدِّ الإهانات الشخصية، وعلى اعتراضات طاولت عملية التصويت على مشاريع واقتراحات قوانين، ومشادات كلامية رفعت مستوى الهرج والمرج داخل القاعة.

وأثار حضور السفيرة الأميركية دوروثي شيا جزءاً من الجلسة التشريعية، جلوسا بجانب مستشار الرئيس بري علي حمدان، جملة تساؤلات واستنكارات حين جاء من دون توضيح رسمي بل بتبريرات سياسية مفادها أن وجودها يأتي في سياق متابعتها لقوانين مالية تتعلق ببنود الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

أما السفيرة الفرنسية آن غريو التي أشيع قبيل الجلسة عن وجودها خلال الجلسة فلم تحضر.

النائب في كتلة بري البرلمانية، "التنمية والتحرير"، قاسم هاشم قال لـ"العربي الجديد": "لم نكن نعلم بحضور السفيرة الأميركية ولم يُعلَن عنه، ولكن ليس هناك مانع من حضورها الذي لم يبدل أساساً من طبيعة ومجريات الجلسة".

وتابع هاشم أنها "قد تكون طلبت الحضور، وتمت تلبية ذلك، وعادة يشارك سفراء في جلسات انتخاب رئيس البرلمان وأعضاء هيئة المكتب، ورئيس للجمهورية وجلسات أخرى".

منسّق الدائرة القانونية لمجموعة "رواد العدالة" المحامي هيثم عزو رأى في حديثه مع "العربي الجديد" أن "حضور السفيرة الاميركية يشكل تدخلاً في السيادة الوطنية وعمل السلطات اللبنانية لا سيما التشريعية منها، وإلا فكيف يفسّر حضورها، إن لم يكن لمراقبة أمر ما ليس لها صلاحية الرقابة فيه، أو للضغط معنوياً في أمر ما، أو لمراقبة فئة معينة من النواب كيف يتصرفون".

وانعقد مجلس النواب اليوم للمرة الأولى، منذ انتخابه في مايو/أيار الماضي، وعلى جدول أعماله 40 بنداً بين مشاريع واقتراحات قوانين، بعضها خلافي، لا سيما منها المتصلة بانتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء المعترض عليه من قبل كتل نيابية، ويدعو أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت إلى إلغائه. والمتصلة ايضا بأهراءات (صوامع) القمح التي ما زالت النيران مندلعة فيها، في ظل مطالبات بتدعيمها بدل هدمها، إلى جانب تلك المالية المتعلقة بالموازنة خصوصا، وبالسرية المصرفية، والقروض الدولية، وأيضاً ملف ترسيم الحدود البحرية جنوباً.

المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء

وبالتزامن مع اعتصام نفذه أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت في محيط البرلمان، جزء منه للاعتراض على انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي تحاول الطبقة السياسية تفعيله لحماية نفسها من المساءلة في التفجير، أعلِن فوز نواب بعضويته بالتزكية، منهم بعض أركان المنظومة السياسية التقليدية، أو ينضوون في أحزاب ينتمي إليها مدعى عليهم بالتفجير مثل "تيار المردة" (بقيادة سليمان فرنجية، المدعى على مستشاره، وزير الاشغال السابق يوسف فنيانوس)، و"حركة أمل" (بقيادة بري، مدعى على مستشاره النائب علي حسن خليل والنائب غازي زعيتر).

وفاز النواب: جميل السيد، وعبد الكريم كبارة، وفيصل الصايغ، وهاغوب بقرادونيان، وجورج عطا الله، وعماد الحوت، وطوني فرنجية، بالتزكية لعضوية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، والنواب: قبلان قبلان، وسليم عون، وجهاد الصمد، أعضاء رديفين (يحلون محلّ الاصيلين عند تغيّبهم).

يقول الأكاديمي المتخصص في القانون الدستوري وسام اللحام لـ"العربي الجديد"، إن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مؤلف بحسب الدستور اللبناني من 15 عضواً؛ سبعة نواب ينتخبهم مجلس النواب في أول جلسة له بعد انتخابه، وثمانية قضاة تعيّنهم أعلى محكمة في لبنان (محكمة التمييز) المعطلة اليوم، ولا يمكنها بالتالي تعيين الأعضاء الثمانية.

ويلفت اللحام إلى أن النواب السبعة ذوو أهواء سياسية معروفة، أما المجلس بحد ذاته فوهمي، لم ينعقد يوماً منذ تأسيسه (إنشئ عام 1990)، وتستعمله السلطة ذريعة لتحيل إليه نواباً ووزراء متهمين بالانفجار، وبالتالي لعدم تحقيق العدالة والإفلات من العقاب.

من جانبه، يقول المحامي هيثم عزو لـ"العربي الجديد"، إن "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو قضاء جزائي استثنائي من صلاحياته محاكمة الرؤساء والوزراء في حال ارتكابهم الخيانة العظمى أو عند خرق الدستور أو الإخلال بواجباتهم الوظيفية، لكنه في الحقيقة، ذو طابع سياسي، تحال إليه الدعاوى بقرار من مجلس النواب بعد تصويته على الإحالة، ولا تتخذ القرارات فيه إلا بأغلبية الثلثين، أي 10 نواب من أصل 15، وبالتالي فإن المُحال اليه يُبرّأ إذا لم يصوِّت على قرار الإدانة 10 نواب، حتى لو كانت الجريمة ثابتة عليه".

من جانبها توجهت جمعية أهالي ضحايا انفجار مرفأ بيروت إلى أعضاء مجلس النواب ورئيسه بالقول، إن "انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو بدعة ولعبة من ألاعيبهم الشيطانية للهروب من التحقيق العدلي وبالتالي المجلس العدلي ولمنع محاكمتهم في أي جريمة ليكونوا الشرفاء النزيهين، وهذه لن تمر مرور الكرام".

وبالعودة إلى وقائع الجلسة، فقد امتنع نواب "تغييريون" وكتلتا "القوات اللبنانية" (يقود الحزب سمير جعجع)، و"الكتائب اللبنانية" (يتزعمها النائب سامي الجميل)، عن التصويت والمشاركة في المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.

وقال النائب الجميل في مداخلة له، إن "هذا المجلس عقيم ومقبرة للمحاسبة ولا حاجة له"، مطالباً بإحالة القضايا إلى القضاء العادي، فردّ عليه الرئيس بري "يمكنك تغيير الدستور"، فأجابه الجميل "هذا ما سنفعله".

وقال النائب "التغييري" ميشال الدويهي، إنه "انطلاقاً من موقفنا الرافض لدور المحاكم الاستثنائية قررنا مقاطعة انتخاب أعضاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء لقناعتنا بأن الدور المرسوم لهذا المجلس لا يهدف سوى لعرقلة التحقيق بتفجير مرفأ بيروت".

هرج ومرج

هذا وشهدت الجلسة هرجاً ومرجاً وإهانات تعرّضت لها بشكل خاص النائبتان في كتلة "التغييريين"، حليمة القعقور، وسينتيا زرازير.

وطالب عددٌ من النواب، خصوصاً في دائرتي المعارضة والتغيير، التصويت عبر "المايكرفون" لا برفع الأيادي، والكلام أثناء التصويت، فطلب الرئيس بري من النائبة القعقور الجلوس والسكوت، وإلا خرجت من المجلس، فردت عليه قعقور "ما هذه الطريقة البطريركية بالتعاطي"، لينتفض النائب فريد الخازن معترضاً على الكلمة التي استخدمت بوصفها "طائفية"، طالباً شطبها من محضر الجلسة فشطِبت، لتتدخل النائبة بولا يعقوبيان موضحة أن المقصد من استخدام الكلمة هو الإشارة إلى الفوقية ولا تمسّ بالبطريرك.

رافق ذلك سجالات وصلت إلى حدِّ وصف النائب عن "حركة أمل" قبلان قبلان النائبة زرازير بـ"سينتيا صراصير".

وتعليقاً على السجالات وبعض مداخلات النواب أثناء التصويت، قال بري "في ناس جايي تعمل مشكل، وفي ناس قاصدة أن لا تتم هذه الجلسة".

ولفتت النائبة زرازير إلى تصرفات غير أخلاقية تتعرض لها منذ دخولها البرلمان، من تلطيش نواب السلطة لها الذين "تتفوق ذكوريتهم على رجوليتهم" وفق تعبيرها، مشيرة إلى أمور إباحية وجدتها في مكتبها عندما تسلمته، عدا عن التنمر على اسم عائلتها وعدم منحها موقفاً للسيارة.

قرارات الجلسة

ومن جملة مشاريع القوانين التي أقرّها مجلس النواب، فتح اعتماد إضافي في باب احتياطي الموازنة العامة لعام 2022 بقيمة 10000 مليار ليرة لبنانية، وإقرار اتفاقية القرض المقدم من البنك الدولي بقيمة 150 مليون دولار أميركي مشروع الاستجابة الطارئة لتأمين إمدادات القمح.

الوسيط الأميركي إلى بيروت نهاية الأسبوع

في سياقٍ آخر، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون أن الوسيط الأميركي آموس هوكستين آتٍ إلى بيروت نهاية الأسبوع الجاري للبحث في آخر التطورات المتصلة بالمفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، وذلك خلال استقباله اليوم المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا رونيسكا في قصر بعبدا الجمهوري.

وقالت الرئاسة اللبنانية في بيان إن الرئيس عون "اطلع من رونيسكا على المداولات التي دارت خلال الجلسة التي عقدها مجلس الأمن الدولي يوم الخميس الماضي في نيويورك لمناقشة التقرير حول مسار تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1701.

بدورها، اشارت السفيرة رونيسكا إلى أن أجواء النقاش كانت إيجابية، وأن أعضاء المجلس تناولوا التطورات الأخيرة في منطقة عمل القوات الدولية في الجنوب، واستوضحوا بعض المسائل المتصلة بعمل قوات اليونيفيل.