أسماء الأسد تسطو على أموال أمراء الحرب... خضر طاهر آخرهم

أسماء الأسد تسطو على أموال أمراء الحرب... خضر طاهر آخرهم

23 مارس 2024
لاحقت أسماء الأسد الكثير من أمراء الحرب (ميغيل مادينا/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- أسماء الأسد تستهدف أمراء الحرب الاقتصاديين في سوريا لإعادة توزيع النفوذ والثروة داخل النظام، مستخدمة مكتبها الاقتصادي للسيطرة على ثرواتهم.
- خضر طاهر، المعروف بـ"أبو علي خضر"، يعد آخر ضحايا حملة أسماء الأسد، حيث تم تحجيمه اقتصاديًا ووضع تحت الإقامة الجبرية، مُجبرًا على التنازل عن معظم أرصدته.
- الحملة تشمل محاصرة أمراء الحرب والشخصيات الاقتصادية البارزة، مع توجيه تهم كالتهرب الضريبي لإجبارهم على دفع إتاوات أو التنازل عن ممتلكاتهم، مما يعزز سيطرة أسماء الأسد على الاقتصاد.

تتحرك أسماء الأسد (الأخرس) زوجة رئيس النظام السوري بشار الأسد، عبر مكتبها الاقتصادي التابع بشكل مباشر للقصر الجمهوري، لـ"حصد ما جناه الجناة"، الذين أطلق النظام أساساً يدهم ليهيمنوا على اقتصاد البلاد، خصوصاً طوال سنوات الحرب الـ13، والتي أفرزت أمراءها على ضفة النظام، وكانت لهم أدوار أمنية وعسكرية واقتصادية، كبديل عن المتنفذين التقليديين الذين كانوا يد النظام، وتحديداً عائلة الأسد.

خضر طاهر، المعروف بـ"أبو علي خضر"، أحد أمراء الحرب المقربين من النظام، يعد آخر "ضحايا" أسماء الأسد بحسب التسريبات القادمة من دمشق والساحل السوري، الذي يعد قاعدة للطاهر والكثير من متنفذي النظام، سواء من عائلة الأسد أو أتباعهم من أمراء الحرب ومشغلي أموال العائلة.

مصدر أمني: غضب أسماء حلّ على طاهر بعد الكشف عن عمليات سمسرة من قبله خارج حساباتها

وذكر موقع "صوت العاصمة"، أخيراً، أن طاهر بات رهن الإقامة الجبرية بعد نحو شهرين من تحجيم جميع أعماله ومنع المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص من التعامل مع مشاريعه التجارية.

ما حصل مع مخلوف يتكرر مع طاهر

ونقل الموقع عن مصادره قولها إن "ما حصل مع رجل الأعمال رامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد) قبل سنوات، يتكرر اليوم مع طاهر، الذي وُضع أمام خيارين، إما التنازل عن معظم أرصدته داخل سورية وخارجها، والإبقاء على أعمال محدودة لمصلحته، أو البقاء على ما هو عليه ووضع كافة ممتلكاته تحت سيطرة اللجان الاقتصادية في القصر الجمهوري".

وأشار الموقع إلى أن بعض شركات طاهر لا تزال مستمرة بالعمل حتى الآن، ولكن بوتيرة أقل من السابق، مع تقديم عشرات المديرين والموظفين استقالاتهم خلال الأسابيع الأخيرة، خاصة الذين تربطهم علاقة شخصية بطاهر، خوفاً من الإحالة للتحقيق أو الاعتقال.

وأغلقت أجهزة استخبارات النظام كافة المستودعات التي تعود للطاهر، والتي يجري فيها تخزين بضائع شركة "الميرا"، التي بمجملها تكون مهربة من خارج سورية وتوضع عليها لصاقات الشركة ثم تُطرح في الأسواق، بحسب المصادر.

كما نقل الموقع عن مصادر مقربة من طاهر قولها إن "أبو علي" لم يتخذ قراراً واضحاً حتى الآن، بالتنازل عن الثروة التي جمعها خلال السنوات الماضية وأخرجها من سورية، أو تحويل كافة شركاته وممتلكاته في سورية لمصلحة القصر الجمهوري.

مصادر الموقع أكدت أن جميع عمليات البيع والشراء والوكالات التي تتعلق بطاهر والشخصيات المقربة منه متوقفة بشكل كامل بأوامر أمنية، تجنباً لأي محاولة للتنازل عن بعض الممتلكات لمصلحة آخرين هرباً من استحواذ اللجان الاقتصادية عليها.

وبداية العام الحالي، بدأت تلوح في الأفق خلافات طاهر مع النظام، حين بدأت دوريات أمنية تتبع للقصر الجمهوري حينها، بمداهمة مكاتب ومنازل تعود ملكيتها للطاهر ومقربين منه وضباط في الأمن العسكري على علاقة به، وصادرت عشرات المنازل والسيارات ومبالغ مالية قُدّرت بعشرات المليارات.

كما داهمت قوة أمنية، في الوقت ذاته، أحد المستودعات التابعة للطاهر في مدينة اللاذقية، واشتبكت مع عناصر حراسة المستودع، لتكتشف بعدها وجود جثتين وسجن سري تابع للطاهر في المستودع.

طاهر من ذراع مليشياوية إلى اقتصادية

وظهر طاهر، الذي ينحدر من مدينة صافيتا بريف محافظة طرطوس، في السنوات الأخيرة من الحرب، كإحدى الأذرع المليشياوية أولاً ثم الاقتصادية في مرحلة لاحقة بالنسبة للنظام.

وقد ساعده في التدرج في هرم النظام قربه من العميد غسان بلال مدير مكتب ماهر الأسد، شقيق بشار وقائد الفرقة الرابعة، إذ أسس طاهر مليشيات تتبع للفرقة مهمتها جني الإتاوات من خلال حواجز للفرقة، ثم تولى إدارة معابر بين مناطق السيطرة المختلفة في سورية.

ودخل بعد ذلك في الإمبراطورية المالية والاقتصادية للنظام كإحدى أذرعها القوية، من خلال شركات مقاولات وسياحة واتصالات. ويملك طاهر شركة "الياسمين" للمقاولات، و"أيال" للسياحة و"إيما تل" للاتصالات. وتلك الشركات يشار إليها بأنها مملوكة حقيقة إلى أسماء الأسد بالإضافة إلى شركة "القلعة" للخدمات الأمنية، التي تغطي على عمل المليشيات التي يمولها طاهر، ويقوم من خلالها بفرض إتاوات من خلال المعابر والحواجز.

وفي أكتوبر/تشرين الأول من العام 2020 أدرجت الولايات المتحدة طاهر في قائمة عقوبات قانون "قيصر" كأحد الأشخاص الذين وصفتهم واشنطن بـ"عناصر تمكين رئيسية" لنظام الأسد. كما أنه موضوع على لائحة العقوبات الأوروبية والبريطانية ضمن حزم عقوبات مشتركة مع الولايات المتحدة.

غضب أسماء الأسد حلّ على طاهر

وتقصت "العربي الجديد" المعلومات التي أوردها موقع "صوت العاصمة" المحلي. وقال مصدر أمني، طلب عدم الكشف عن هويته، إن "غضب أسماء الأسد حلّ على طاهر بعدما تم كشف عمليات سمسرة من قبله خارج حساباتها، أو خارج إطار التفويض الممنوح له من قبلها بإدارة أعمالها وممتلكاتها".

وبيّن أن "القصة بدأت حين تم القبض على أحد التجار المنحدرين من محافظة طرطوس. وبحكم العادة فإن التعامل مع هؤلاء التجار الذين يتعاملون عادة بالممنوع يكون بفرض إتاوات مالية عليهم قبل الإفراج عنهم. وبالفعل تم فرض حوالى مليار ليرة سورية (الدولار يساوي 15 ألف ليرة سورية)، على هذا التاجر الذي اعتقل لمصلحة الفرع 215 التابع لشعبة المخابرات".

كرم الشعار: المكتب الاقتصادي يستدعي متنفذين اقتصاديين ويجبرهم على دفع خوات بتهمة التهرب الضريبي

وأوضح المصدر، لـ"العربي الجديد"، أن "طاهر متفق مع رئيس الفرع المذكور بملاحقة عدد من التجار أو المتنفذين الاقتصاديين لإيقاعهم والقبض عليهم، وفرض مبالغ تقارب المليار ليرة على كل منهم".

وتابع المصدر: "لأن ذوي التاجر المقبوض عليه على علاقة مع النظام، بحكم كونه من الحاضنة الشعبية للنظام في الساحل، فإنهم تمكنوا من الوصول إلى أسماء الأسد في طريق البحث عنه، حينها علمت بما يجنيه طاهر من هذه الإتاوات دون مشاركتها"، مضيفاً أن "أسماء لا تتسامح مع من يخدعها أو يخونها".

ولفت المصدر إلى أن طاهر وُضع في سجن لكن "خمس نجوم"، وفي هذا السجن الذي يمكن وصفه بالإقامة الجبرية، يتم الضغط عليه للتنازل عن كل شركاته وممتلكاته، مقابل إبقاء شركة "إيما تل" للاتصالات تحت قبضته دون الشركات الأخرى.

وقال المصدر إنه "توصل لمعلومات تفيد بتخلي طاهر عن أمواله وشركاته، مع السماح له بالاحتفاظ ببعض الأموال في الإمارات، وأنه يهم بالهروب إلى الإمارات بعد خروجه من سجنه أو إقامته الجبرية"، مضيفاً أن "معلومات جديدة حصل عليها يوم السبت (الماضي) تفيد بأن طاهر قد غادر فعلاً إلى الإمارات للبدء بحياة جديدة بعيداً عن النظام".

مصدر أمني آخر أكد، لـ"العربي الجديد"، الكثير من المعلومات السابقة، موضحاً أنه "تم تجريده من كل شيء، لكنه عاد إلى قريته وهو الآن تحت المراقبة، أو ما يشبه الإقامة الجبرية، لكنه على الغالب يفكر بالهروب". وقال إن الأجهزة الأمنية قبضت أخيراً على صهر طاهر، المعروف بـ"أبو علي تالا" وهو أحد مساعديه، مؤكداً أنه "تم أخذ كل أموال وممتلكات أبو علي تالا ثم تم إطلاق سراحه".

وكانت أسماء الأسد حاصرت، عبر مكتبها الاقتصادي، شخصيات اقتصادية معروفة وسطت على "إمبراطوريتها" الاقتصادية، كرامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، الذي غاب عن المشهد الاقتصادي بعد فتح ملفاته والحجز على الكثير من حصصه وممتلكاته، لاسيما شركة "سيريتل" للاتصالات.

ورأى كرم الشعار، مدير البرنامج السوري في مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، أن أهمية طاهر تكمن في كونه رجل الأعمال الوحيد الذي لديه علاقات مع الطرفين المتنافسين للسيطرة على الاقتصاد، أي أسماء الأسد كطرف وماهر الأسد كطرف آخر.

وأشار الشعار، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن "رجال الأعمال الذين ظهروا خلال الحرب، أو في الأعوام الخمسة الأخيرة على وجه التحديد، لا يملكون علاقات عابرة للحدود كرامي مخلوف على سبيل المثال". واعتبر أن "علاقات هؤلاء تكاد تكون معدومة، بالتالي فإن محاصرتهم وإنهاءهم، أو تقليم قدراتهم، تبقى أسهل من الحالة تم التعامل بها مع مخلوف".

ولاحقت أسماء الأسد الكثير من أمراء الحرب الذين ظهروا في الأعوام الأخيرة، من بينهم حسام قاطرجي، وهو عضو البرلمان وتتبع له مليشيا، كما يعد مسؤولاً عن عمليات تهريب النفط من مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) شمال شرق سورية، إلى مناطق النظام، بالإضافة إلى سطوته على مجالات اقتصادية أخرى لمصلحة أسماء الأسد.

ويدير المكتب الاقتصادي، الذي تحاول من خلاله أسماء الأسد السطو على أموال أمراء الحرب، المسؤول المالي والاقتصادي في القصر الجمهوري يسار إبراهيم، كما تعمل في المكتب شقيقتاه رنا ونسرين. وتعتمد كذلك أسماء الأسد على فراس الأخرس شقيقها ومهند الدباغ ابن عمتها، وجميعهم مشمولون بالعقوبات الأميركية والأوروبية، بالإضافة إلى آخرين.

لكن الشعار لا يرى مبرراً بأن تكون أسماء الأسد متحكمة بعمل هذا المكتب، ملمحاً إلى دور أكبر لزوجها. وأوضح أنه من خلال رصدهم فإنهم لم يكتشفوا قيمة المبالغ المصادرة من قبل هذا المكتب وأين تذهب بالتحديد، لكن المؤكد، بحسب الشعار، أن المكتب يستدعي متنفذين اقتصاديين ويجبرهم على دفع "خوات" أو "إتاوات"، ودائماً التهمة هي "التهرب الضريبي". وأشار إلى أن "99 بالمائة من الذين يدخلون قطاع الأعمال في سورية يمكن اتهامهم بسهولة بمسألة التهرب الضريبي".

المساهمون